الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له ذلك؛ لأنَّه قد أسْقَطَ حقَّه مِن إقامتِها، ولأنَّ تَجْويزَ إقامتِها يفْتحُ بابَ الحِيلَةِ؛ لأنَّه يقولُ: لا أُريدُ إقامتَها. ليَحْلِفَ خَصْمُه، ثم يُقِيمُها. فإن كان له شاهدٌ واحدٌ فى الأموالِ، عرَّفَه الحاكمُ أنَّ له أن يَحْلِفَ مع شاهِدِه، ويَسْتحِقُّ، فإن قال: لا أحْلِفُ أنا، وأرْضَى بيَمِينِه. اسْتُحْلِفَ له (63)، فإذا حلَفَ، سقطَ الحقُّ عنه، فإن عادَ المُدَّعِى بعدَها، وقال: أنا أحْلِفُ مع شاهِدِى. لم يُستَحْلَفْ، ولم يُسْمَعْ منه. ذكرَه القاضى. وهو مذهبُ الشَّافعىِّ؛ لأنَّ اليَمِينَ فِعْلُهُ وهو قادرٌ عليها، فأمْكَنَه أن يسقِطَها، بخِلافِ البَيِّنَةِ. وإن عادَ قبلَ أن يَحْلِفَ المُدَّعَى عليه، فبذَلَ اليَمِينَ، فقال القاضى:[لم يكُنْ](64) له ذلك فى هذا المجلس. وكلُّ موضعٍ قُلْنا: يُسْتَحْلَفُ المُدَّعَى عليه. فإنَّ الحاكمَ يقولُ له: إن حَلَفْتَ، وإلَّا جَعَلْتُك ناكِلًا، وقَضَيْتُ عليك. ثلاثًا، فإن حلَفَ، وإلَّا حَكمَ عليه بنُكُولِه إذا سألَه المُدَّعِى ذلك. فإن سكَتَ عن جَوابِ الدَّعوَى، فلم يُقِرَّ ولم يُنْكِرْ، حبَسَه الحاكمُ حتى يُجِيبَ، ولا يَجْعَلُه بذلك ناكِلًا. ذكرَه القاضى، فى "المُجَرَّدِ". وقال أبو الخَطَّابِ: يقولُ له الحاكمُ: إن أجَبْتَ، وإلَّا جَعلتُك ناكِلًا، وحكمتُ عليك. ويُمَرِّرُ ذلك عليه ثلاثًا (65)، فإن أجابَ وإلَّا جعَلَه ناكِلًا، وحكَمَ عليه؛ لأنَّه ناكِلٌ عما تَوَجَّه عليه الجوابُ فيه، فيُحْكَمُ عليه بالنُّكولِ عنه، كاليَمِينِ.
1874 - مسألة؛ قال: (وَإذَا حَكَمَ عَلَى رَجُلٍ فِى عَمَلِ غَيْرِهِ، فَكَتَبَ بِإنْفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ إلَى قَاضِى ذَلِكَ الْبَلَدِ، قَبِلَ كِتَابَهُ، وَأَخَذَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْحَقِّ)
الأَصْلُ (1) فى كتابِ القاضى إلى القاضى، والأميرِ إلى الأميرِ، الكتابُ والسُّنَّةُ والإِجْماعُ؛ أما الكتابُ فقولُ اللهِ تعالى:{إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} (2). وأمَّا السُّنَّةُ، فإنَّ
(63) فى الأصل: "لها".
(64)
فى م: "ليس".
(65)
سقط من: ب، م.
(1)
قبل هذا فى م زيادة: "ثم".
(2)
سورة النمل 29 - 31.
النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كتبَ إلى كِسرَى، وقَيصَرَ، والنَّجاشىِّ، ومُلوكِ الأطْرافِ، وكان يَكتُبُ إلى وُلاتِه، ويكتبُ لعُمَّالِه وسُعاتِه، وكان فى كِتابِه إلى قَيْصَرَ:"بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ، إلَى قَيْصَرَ عَظِيمِ الرُّومِ، أمَّا بَعْدُ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرًا عَظِيمًا، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ، فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأرِيسِيِّينَ (3)، و {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (4) ". ورَوَى الضَّحَّاكُ بنُ سُفيانَ، قال: كتبَ إلىَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنْ وَرِّثِ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِىِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا"(5). وأجمَعَتِ الأُمَّةُ على كتابِ القاضى إلى القاضى. ولأنَّ الحاجةَ إلى قَبُولِه داعيَةٌ، فإنَّ مَن له حقٌّ فى بلَدٍ غيرِ بلدِه، لا (6) يُمْكِنُه إتْيانُه، والمُطالَبةُ به، إلَّا بكتابِ القاضى، فوَجبَ قَبولُه. إذا ثبَتَ هذا، فإنَّ كتابَ القاضى [إلى القاضى](7) يُقبلُ فى الأموالِ، وما يُقصدُ به المالُ، ولا يُقْبَلُ فى الحُدودِ، لِحَقِّ (8) اللهِ تعالى. وهل يُقْبَلُ فيما عدا هذا؟ على وَجْهَيْن. وبهذا قال أصحابُ الرَّأْىِ. وقالَ أصْحابُ الشَّافعىِّ: يُقْبَلُ فى كلِّ حقٍّ لآدَمِىٍّ، مِن الجِراحِ وغيرِها، وهل يُقْبَلُ فى الحدودِ التى للهِ تعالى؟ على قَوْلَيْنِ. وتَمامُ الكلامِ فى هذا الفصلِ يُذْكَرُ فى الشَّهادةِ على الشَّهادةِ، إن شاءَ اللهُ تعالى. والكتابُ على ضَرْبَيْن، أحدُهما، أن يَكْتُبَ بما حَكمَ به، وذلك مثلُ أن يَحْكُمَ على رجلٍ بحقٍّ، فيَغيبَ (9) قبلَ إيفائِه، أو يَدَّعِىَ حقًّا على غائبٍ، ويُقيمَ به بَيِّنَةً، ويسْألَ الحاكمَ الحكمَ عليه، فيَحْكُمَ عليه، ويسألَه أن يكتبَ له كتابًا
(3) أى: إثم الفلاحين والزارعين، أى: إثم رعيته.
(4)
سورة آل عمران 64.
والحديث أخرجه البخارى، فى: باب دعاء النبى صلى الله عليه وسلم إلى الاسلام
…
، من كتاب الجهاد والسير، وفى: باب: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا. . .} ، فى تفسير سورة آل عمران، من كتاب التفسير. صحيح البخارى 4/ 53 - 57، 6/ 42 - 45. ومسلم، فى: باب كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، وباب كتب النبى صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى اللَّه عز وجل. من كتاب الجهاد. صحيح مسلم 3/ 1393، 1394، 1397.
(5)
تقدم تخريجه، فى: 9/ 185.
(6)
فى م: "ولا".
(7)
سقط من: م.
(8)
فى م: "كحق".
(9)
فى الأصل: "فيبعث".
يَحْمِلُه إلى قاضى البلدِ الذى فيه الغائبُ، فيكتبَ له إليه، أو تقومُ البَيِّنَةُ على حاضرٍ، فيهربَ قبلَ الحُكْمِ عليه، فيسألَ صاحبُ الحقِّ الحاكمَ الحُكمَ عليه، وأنْ يَكْتبَ له كِتابًا بحُكْمِه. ففى هذه الصُّوَرِ الثَّلاثِ، يَلْزَمُ الحاكمَ إجابتُه إلى الكتابةِ، ويَلزمُ المكتوبَ إليه قَبولُه، سَواءٌ كانت بينهما مَسافةٌ بَعيدةٌ أو قريبةٌ، حتى لو كانا فى جَانِبَىْ بلدٍ أو مجلسٍ، لزِمَه قَبولُه وإمْضاؤُه، سواءٌ كان حُكْمًا على حاضرٍ أو غائبٍ. لا نعلمُ فى هذا خلافًا؛ لأنَّ حُكْمَ الحاكِمِ يجبُ إمْضاؤُه على كلِّ حاكمٍ. الضَّرْبُ الثانى، أن يَكْتُبَ يُعْلِمُه (10) بِشَهادةِ شاهِدَيْنِ عندَه بحقٍّ لفلانٍ، مثل أن تقومَ البَيِّنَةُ عندَه بحقٍّ لرجلٍ على آخرَ، ولم يَحْكُمْ به، فيسألُه (11) صاحبُ الحقِّ أن يَكْتُبَ له كتابًا بما حصَلَ عندَه، فإنَّه يَكْتُبُ له أيضًا. قال القاضى: ويكونُ فى كِتابِه: شَهِدَ عندى فلانٌ وفلانٌ بكذا وكذا. ليكونَ المكْتوبُ إليه هو الذى يَقْضِى به، ولا يَكْتُبُ: ثَبتَ عندى؛ لأنَّ قولَه: ثبتَ عندى. حُكْمٌ بشَهادتِهما، فهذا لا يَقْبَلُه المكتوبُ إليه، إلَّا فى المسافةِ البَعيدةِ، التى هى مَسافةُ القَصْرِ، ولا يَقْبَلُه (12) فيما دُونَها؛ لأنَّه نَقْلُ شهادةٍ (13)، فاعتُبِرَ فيه ما يُعْتَبرُ فى الشهادةِ على الشهادةِ. ونحوُ هذا قولُ الشَّافعىِّ. وقال أبو يوسفَ، ومحمدٌ: يجوزُ أن يَقْبلَه فى بلدِه. وحُكِىَ عن أبى حنيفةَ مِثلُ هذا. وقالَ بعضُ المتأخّرين مِن أصحابِه: الذى يَقْتَضِيه مذهبُه أنَّه لا يجوزُ، [كما لا يجوزُ](14) ذلك فى الشهادةِ على الشهادةِ. واحتجَّ مَن أجازَه بأنَّه كتابُ الحاكمِ بما ثَبَتَ عندَه، فجازَ قَبولُه مع القُرْبِ، ككتابِه بحُكْمِه. ولَنا، أنَّ ذلك نَقْلُ الشهادةِ إلى المَكْتوبِ إليه (15)، فلم يَجُزْ مع القُرْبِ، كالشَّهادةِ على الشهادةِ، ويُفارِقُ كتابَه بالحُكْمِ؛ فإنَّ ذلك ليس بنَقْلٍ، وإنَّما هو خَبَرٌ، وكلُّ مَوْضعٍ يَلْزَمُه قَبولُ الكتابِ، فإنَّه يأخذُ المَحْكومَ عليه بالحقِّ الذى حكَمَ عليه به، فيَبْعَثُ إليه، فيَسْتَدعِيه، فإنِ اعْتَرفَ بالحقِّ، أمرَه
(10) فى ب، م:"بعلمه".
(11)
فى الأصل: "فسأله".
(12)
فى الأصل: "يقبل".
(13)
فى الأصل: "شهادته".
(14)
سقط من: م. نقل نظر.
(15)
سقط من: الأصل.