الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
وإِنْ جَنَى بعضُهم، فجِنايَتُه عليه دُونَ صاحِبِه. وبهذا قال الشافِعِىُّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وقال مالِكٌ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: يُودُّون كُلُّهم أرْشَه، فإنْ عَجَزُوا رقُّوا. ولَنا، قَوْلُ اللَّهِ تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (39). وقولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَجْنِى جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ"(40). ولأنَّه لو اشْتَرَك رَجُلان، وتعاقَدَا، لم يَحْمِلْ أحَدُهما [عن الآخَرِ](41) جِنايَةَ صاحِبِه، فكذا ههنا؛ لأنَّ (42) ما لا يَصِحُّ، لا يَتَضَمَّنه عَقْدُ الكِتابةِ، ولا يَجِبُ على أحَدِهما بفِعْلِ الآخَرِ، كالقِصاصِ، وقد بَيَّنَّا أَنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما مُكاتَبٌ بحِصَّتِه، فهو كالمُنْفَرِدِ بعَقدِه.
2010 - مسألة؛ قال: (وَإِذَا شَرَطَ فِى كتَابَتِهِ أَنْ يُوالِىَ مَنْ شَاءَ، فَالْوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ، والشَّرْطُ بَاطِلٌ)
أمَّا الشَّرْطُ فباطِلٌ. لا نَعْلَمُ فى بُطْلانِه خِلافًا؛ وذلك لما رَوَتْ عائشةُ، رَضِىَ اللَّهُ عنها، قالت: كانتْ فى بَرِيرَةَ ثلاثُ قَضِيَّاتٍ، أرادَ أهْلُها أَنْ يَبِيعُوها ويَشْتَرِطُوا الولاءَ، فذَكَرْتُ ذلك للنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"اشْتَرِيهَا، واعتقِيهَا، فَإنَّمَا الْوَلَاء لِمَنْ أَعْتَقَ. مُتَفَقٌ عليه (1). وفى الحَدِيثِ الآخَرِ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال: "اشْتَرِيهَا، وَاشْتَرِطِى لَهُمُ الْوَلَاءَ، فَإنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ". فقامَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فى النَّاسِ، فحَمِدَ اللَّه، وأَثْنَى عليه، ثم قال: "أمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ نَاسٍ (2) يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِى كِتَابِ اللَّه! مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِى كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أحَقُّ، وشَرْطُ اللَّهِ (3) أوْثَقُ، فَإنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ". مُتَفَقٌ عليه (1). ولأنَّ الوَلاءَ لا يَصِحُّ نَقْلُه،
(39) سورة الأنعام 164.
(40)
تقدم تخريجه، فى: صفحة 515.
(41)
سقط من: أ، ب، م.
(42)
فى، ب:"ولأن".
(1)
حديث بريرة تقدم تخريجه، فى: 6/ 326، 8/ 359، 360.
(2)
فى ب: "أناس".
(3)
فى أ، ب:"وشروطه".
بدليلِ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بَيْعِ الوَلاءِ وهِبَتِه، وقال:"إنّما الولاءُ لِمَنْ أعتقَ". ولأنَّه لُحْمَةٌ كلُحْمَةِ النَّسَبِ، فلم يصِحَّ اشْتِراطُه لغيرِ صاحِبه، كالقَرابةِ، ولأنَّه حكمُ العِتْقِ، فلم يصِحَّ اشْتِراطُه لغيرِ المُعْتِقِ، كما لا يَصِحُّ اشْتِراطُ حُكمِ النِّكاحِ لغيرِ النَّاكِحِ، ولا حُكْمِ البَيْعِ لغيرِ العاقِدِ (4). وسَواءٌ (5) شَرَطَ (6) أَنْ يُوَالِىَ مَن شاءَ، أو شرطَهُ لبائِعِه، أو لرجلٍ آخَرَ بعَيْنِه. ولا تفْسُدُ الكتابةُ بهذا الشَّرْطِ. نَصَّ عليه أحمدُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وقال الشافِعِىُّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: يفْسُدُ به، كما لو شَرَطَ عِوَضًا مَجْهولًا. ويتَخَرَّجُ لنا مثلُ ذلك؛ بِناءً على الشُّروطِ الفاسِدَةِ فى البَيْعِ. ولَنا، حديثُ بَرِيرَةَ؛ فإِنَّ أهْلَها شَرَطُوا لهم الوَلاءَ، فأمَرَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بشِرَائِها مع هذا الشَّرْطِ، وقال:"إنَّما الْوَلَاءُ لِمَنْ أعْتَقَ". ويُفارِقُ جَهالةَ العِوَضِ؛ فإنَّه رُكْنُ العَقْدِ، لا يُمْكِنُ تصْحِيحُ العَقْدِ بدُونِه، ورُبَّما أفْضَتْ جَهالَتُه إلى التَّنازُعِ (7) والاخْتِلافِ، وهذا شَرْطٌ (8) زائِدٌ، فإذا حَذَفْناهُ بَقِىَ العَقْدُ صَحِيحًا بحالِه. فإنْ قيلَ: المُرادُ بقَولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: "اشْتَرِطِى لَهُمُ الْوَلَاءَ". أى عليهم؛ لأَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لا يَأْمُرُ بالشَّرطِ الفاسِدِ، واللَّامُ تُسْتَعْمَلُ بمعنَى "على"، كقولِ اللَّه تعالَى:{وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (9). [أى فَعَلَيْها](10). قُلْنا: هذا لا يَصِحُّ؛ لوُجوهٍ ثلاثةٍ؛ أحَدُاها، أنَّه يُخالِفُ وَضْعَ اللَّفْظِ والاسْتِعمالَ. والثانِى، أَنَّ أهْلَ بَرِيرَةَ أَبَوْا هذا الشَّرْطَ، فكيفَ يَأمُرُها النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بشرطٍ لا بَقْبَلُونَه! والثالِثُ، أَنَّ ثُبوتَ الوَلاءِ لها لا يَحْتاجُ إلى شَرْطٍ؛ لأَنَّه مُقْتَضَى العِتْقِ وحُكْمُه. والرَّابِعُ، أَنَّ فى بعضِ الألْفاظِ:"لَا يَمْنَعُكِ (11) هذَا الشَّرْطُ مِنْهَا، ابْتَاعِى، وأعْتِقِى". وإنَّما أمَرَها النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بالشَّرْطِ، تَعْرِيفًا لنا أَنَّ وُجودَ هذا الشَّرْطِ كعَدَمِه، وأنَّه لا يَنْقُلُ الوَلاءَ عن المُعْتِقِ.
(4) فى الأصل، ب، م:"العاقل".
(5)
فى الأصل زيادة: "إن".
(6)
فى أ، ب:"اشترط".
(7)
فى الأصل: "النزاع".
(8)
فى م: "الشرط".
(9)
سورة الإِسراء 7.
(10)
سقط من: الأصل، أ، ب.
(11)
فى م: "يمنعنك".