الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثانى، يَعْتقُ كُلُّه، وتكونُ قِيمَةُ نَصِيبِ الذى لم يُعْتِقْ فى ذِمَّةِ المُعْتِقِ، يُتْبَعُ بها إذا أَيْسَرَ، كما لو أَتْلَفَه. وهذان القَوْلانِ شاذَّانِ، لم يَقُلْهُما مَنْ يُحْتَجُّ بقولِهِ، ولا يُعْتَمَدُ على مَذْهَبِهِ. وَيَرُدُّهما قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ اعتَقَ شِرْكًا لَهُ فى عَبْدٍ، فَكَانَ مَعَهُ ما يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ، قُوِّمَ عليه قِيمَةُ العِدْلِ، وأُعْطِىَ شُرَكاؤُه حِصَصَهُمْ، وعَتَقَ جَمِيع العَبْدِ، وإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ". مُتَّفَقٌ عليه (3). وإذا ثبَتَ أنَّه لا يَعْتِقُ على المُعْسِرِ إِلَّا نَصِيبُه، فباقِى العَبْدِ على الرِّقِّ، فإذا أَعْتَقَهُ مالِكُه، عَتَقَ بإعْتَاقِهِ، وكان لِكُلِّ واحِدٍ منهم وَلَاءُ ما أَعْتَقَ؛ لأَنَّ الوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ. ويُفارِقُ العِتْقُ الطَّلاقَ؛ لكَوْنِ المَرْأَةِ لا يُمْكِنُ الاشْتراكُ فيها، ولا ورُودُ النِّكاحِ على بَعْضِها، ولا تكونُ إِلَّا لِوَاحِدٍ، فنَظِيرُه إذا كانَ العَبْدُ لِواحِدٍ، فأَعْتَقَ جُزْءًا منه، فإنَّه يَعْتِقُ جميعُه.
فصل:
وإذا قال كُلُّ واحِدٍ من الشُّرَكاءِ للعَبْدِ: إذا دخَلْتَ الدَّارَ، فنَصِيبِى مِنْكَ حُرٌّ. فدَخَلَ، عَتَقَ عليهم جميعًا، سواءٌ قالوا ذلك دُفْعَةً واحِدَةً، أو فى دُفُعاتٍ مُتَفرِّقَةٍ؛ لأنَّ الْعِتْقَ فى أَنْصِبائِهِم يقَعُ دُفْعَةً واحِدَةً، وإنِ اخْتَلَفَتْ أوقاتُ تَعْلِيقِه (4).
1947 -
مسألة؛ قال: (وَلَوْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمْ، وهُوَ مُوسِرٌ، عَتَقَ كُلُّهُ، وصَارَ لِصاحِبَيْهِ (1) عَلَيْهِ قِيمَةُ ثُلُثَيْهِ)
وجملتُه أَنَّ الشَّريكَ إذا أعْتَقَ نَصيبَهُ مِنَ العَبْدِ، وهو مُوسِرٌ، عَتَقَ نَصِيبُه. لا نعلَمُ خِلافًا فيه؛ لما فيه من الأَثَرِ، ولِأَنَّه جائِزُ التَّصَرُّفِ، أعْتَقَ مِلْكَه الذى لم يَتَعَلَّقْ به حَقُّ غيرِهِ، فنَفَذَ فيه، كما لو أَعْتَقَ جميعَ (2) العَبْدِ المَمْلوكِ له. وإذا أعْتَقَ نَصِيبَه، سَرَى العِتْقُ إلى جميعِه، فصار جميعُه حُرًّا، وعلى الْمُعْتِقِ قِيمةُ أنْصِباء شُرَكائِه، والوَلَاءُ لَه. وهذا قولُ مالِكٍ، وابنِ أبى لَيلَى، وابنِ شُبْرُمَةَ، والثَّوْرِىِّ، والشَّافِعِىِّ، وأبى يوسفَ، ومحمدٍ، وإسحاقَ. وقال الْبَتِّىُّ: لا يَعْتِقُ إِلَّا حِصَّةُ المُعْتِقِ، ونَصِيبُ الباقِينَ باقٍ على الرِّقِّ، ولا
(3) تقدم تخريجه، فى: 7/ 362.
(4)
فى الأصل، ب، م:"تعلقه".
(1)
فى ب، م:"لصاحبه".
(2)
سقط من: الأصل، أ.
شىءَ على الْمُعْتِقِ؛ لما رَوى ابنُ التِّلِبِّ، عن أبيه، أَنَّ رجلًا أعْتَقَ شِقْصًا له فى مَمْلُوكٍ، فلم يُضَمِّنْهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم. ذكَره أحمدُ، وروَاه (3). ولأنَّه لو باع نَصِيبَه، لَاخْتَصَّ البيعُ به، فكذلك العِتْقُ (4)، إِلَّا أن تكونَ جارِيَةً نَفِيسَةً، يُغالَى فيها، فيكونَ ذلِكَ بمنزِلَةِ الجِنايَةِ من المُعْتِقِ؛ للضَّرَرِ الَّذى أدْخَلَه على شريكِهِ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَعْتِقُ إِلَّا حِصَّةُ المُعْتِقِ، ولِشَريكِه الخِيارُ فى ثلاثةِ أشْياءَ؛ إن شاءَ (5) أَعْتَقَ، وإن شَاء استَسْعَى العبْدَ، وإِنْ شاء ضَمَّنَ شَرِيكَه، فيَعْتِقُ حِينَئِذٍ. ولَنا، الحديث الذى رَويْناهُ، وهو حَديثٌ صحيحٌ، مُتَّفَقٌ عليه (6)، ورواه مالِكٌ، فى "مُوَطَّأَهِ"، عن نافِعٍ، عن ابنِ عمرَ، فأثبَتَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم العِتْقَ فى جَمِيعِهِ، وأوْجَبَ قيمَةَ نَصِيب شريكِ المُعْتِقِ المُوسِر عليه، ولم يَجْعَلْ له خِيَرَةً، ولا لِغَيْرِهِ. ورَوَى قَتادَةُ، عن أبى الْمَلِيحِ، عن أبيه، أَنَّ رجُلًا من قَوْمِه أعْتَقَ شِقْصًا له من مَمْلُوكٍ، فرُفِعَ ذلِكَ إلى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فجعَلَ خَلاصَهُ عليه فى مالِه، وقال:"لَيْسَ للَّهِ شَرِيكٌ"(7). قال أبو عبدِ اللَّه: الصَّحيحُ أنَّه عن أبى المَليحِ، عن النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم، مُرْسَلٌ، وليس فيه عن أبيهِ. هذا مَعْنَى كلامِه. وقولُ الْبَتِّىِّ شاذٌّ، يُخالِفُ الأخْبارَ كُلَّها، فلا يُعَوَّلُ عليه. وحديثُ التِّلِبِّ يتَعَيَّنُ حَمْلُهُ على المُعْسِرِ، جَمْعًا بين الأحادِيثِ. وقياسُ العِتْقِ علَى البَيْعٍ لا يصِحُّ، فإِنَّ البَيْعَ لا يَسْرِى فيما إذا كان العَبْدُ كُلُّه له، والعِتْقُ يَسْرِى، فإنَّهُ لو باعَ نِصْف عَبْدِهِ، لم يَسْرِ، ولو أَعْتَقَ نِصْفَه، عَتَقَ كُلُّه. وإذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ وَلَاءَه يكونُ له؛ لأنَّه عَتَقَ بإعتاقِهِ [مِنْ مالِهِ](8)، وقد قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"إنَّما الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعتَقَ"(9). وَلا خِلافَ فى هذا عندَ مَنْ يَرَى عِتْقَه عليه.
(3) أخرجه أبو داود من طريق الإمام أحمد، فى: باب فى من روى أنه لا يستسعى، من كتاب العتق. سنن أبى داود 2/ 350. ولم نجده فى المسند.
(4)
فى ب: "المعتق".
(5)
سقط من: م.
(6)
تقدم تخريجه، فى: 7/ 362. ويضاف إليه: كما أخرجه الإمام مالك، فى: باب من أعتق شركا له فى مملوك، من كتاب العتق والولاء. الموطأ 2/ 772.
(7)
أخرجه أبو داود، فى: باب فى من أعتق نصيبا له من مملوك، منَ كتاب العتق. سنن أبى داود 2/ 348. والإمام أحمد، فى: المسند 5/ 74، 75.
(8)
سقط من: أ.
(9)
تقدم تخريجه، فى: 8/ 359، 360.