الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقَتَلَه. ولا: فماتَ منه. فقال له شُرَيْحٌ: قُمْ، فلا شهادةَ لك. رواه سَعيدٌ (19). ومَن شهِدَ بالزِّنَى، فلابُدَّ مِن ذِكْرِ الزَّانِى، والمَزْنِىِّ بها، ومَكانِ الزِّنَى، وصِفَتِه؛ لأنَّ اسمَ الزِّنَى يُطْلَقُ على ما لا يُوجِبُ الحَدَّ، وقد يعْتقِدُ الشَّاهِدُ ما ليس بزِنًى زِنًى، فاعْتُبِرَ ذِكْر صِفَتِه؛ ليَزُولَ الاحْتمالُ، واعْتُبِرَ ذِكْرُ المرأةِ؛ لئَلَّا تكونَ ممَّن تَحِلُّ له، أو له فى وَطْئِها شُبْهةٌ، وذِكْرُ المكانِ؛ لئَلَّا تكونَ الشهادةُ منهم على فِعْلَينِ. ومِن أصْحابِنا مَن قال: لا يُحْتاجُ إلى ذِكْرِ الْمَزْنِىِّ بها، ولا ذِكْرِ المكانِ؛ لأنَّه مَحَلٌّ للفعلِ، فلم يُعْتبَرْ ذِكْرُه، كالزمانِ. وإن شهِدَ بالسَّرقةِ، فلابُدَّ مِن ذِكْرِ سَرقةِ نِصابٍ من الحِرْزِ، وذِكْرِ المَسْروقِ منه، وصِفَةِ السَّرِقةِ. وإن شهِدَ بالقَذْفِ، فلابُدَّ من ذِكْرِ المقْذوفِ، وصِفَةِ القَذْفِ. وإن شهِدَ بمالٍ، احْتاجَ إلى تحْريرِه بمثْلِ ما ذكرْنا فى الدَّعْوَى. وإن تركَ الشَّاهِدُ ذِكْرَ شىءٍ يُحْتاجُ إلى ذِكْرِه، سألَه الحاكمُ عنه، كما سألَ شُرَيْحٌ الشاهِدَ الذى شهِدَ عندَه أنَّه اتَّكَأَ عليه بمِرْفَقِه حتى ماتَ. وإن حَرَّرَ المُدَّعِى دَعْواهُ، أو حَرَّرَ أحدُ الشاهِدَيْنِ شَهادتَه، وشهِدَ بها، وقال الآخَرُ: أشْهَدُ بمثلِ ذلك. أو قال حينَ حَرَّرَ المُدَّعِى دَعْواه: أشْهَدُ بذلك، أو بهذا. أَجْزَأَهُ.
1917 - مسألة؛ قال: (وَلَوْ جَاءَ أَرْبَعَةٌ مُتَفَرِّقُونَ، وَالْحَاكِمُ جَالِسٌ فِى مَجْلِسِ حُكْمِهِ، لَمْ يَقُمْ قَبْلَ شَهَادَتِهِمْ. وَإِنْ جَاءَ بَعْضُهُمْ بعْد أَنْ قَامَ الْحَاكِمُ، كَانُوا قَذَفَةً، وَعَلَيْهِمْ الْحَدُّ)
هذه المسألةُ قد ذكرْناها فى كتابِ الحُدودِ (1)، بما أغْنَى عن إعادَتِها ههُنا.
1918 - مسألة؛ قال: (وَمَنْ حُكِمَ بِشَهَادَتِهِمَا بِجَرْحٍ أَوْ قَتْلٍ، ثُمَّ رَجَعَا، فَقَالَا: عَمَدْنَا، اقْتُصَّ مِنْهُمَا. وَإِنْ قَالَا: أَخْطَأنَا. غَرِمَا الدِّيَةَ، أَوْ أَرْشَ الجَرْحِ)
وجملةُ الأمرِ أَنَّ الشُّهودَ إذا رَجعُوا عن شَهادتِهم بعدَ أدائِها، لم يَخْلُ من ثلاثةِ أحوالٍ؛
(19) تقدم تخريجه، فى: صفحة 70.
(1)
تقدم فى: 12/ 365.
أحدها، أن يرْجِعُوا قبلَ الحُكْمِ بها، فلا يجوزُ الحكمُ بها. فى قولِ عَامَّةِ أهلِ العلمِ. وحُكىَ عن أبى ثَوْرٍ، أنَّه شَذَّ عن أهلِ العلمِ، وقال: يُحْكَمُ بها؛ لأنَّ الشَّهادةَ قد أُدِّيَتْ، فلا تَبْطُلُ برُجوعِ. مَن شهِدَ بها، كما لو رَجَعا بعدَ الحُكْمِ. وهذا فاسِدٌ؛ لأنَّ الشَّهادةَ شرطُ الحُكْمِ، فإذا زالَتْ قبلَه، لم يَجُزْ، كما لو فَسَقا؛ ولأنَّ رُجوعَهما يَظْهَرُ به كَذِبُهما، فلم يَجُزِ الحكمُ بها، كما لو شهِدَا بقَتْلِ رجلٍ، ثم عَلِمَ حياتَه، ولأنَّه زالَ ظنُّه فى أَنَّ ما شُهِدَ به حقٌّ، فلم يَجُزْ له الحكمُ به، كما لو تغيرَّ اجْتهادُه، وفارَقَ ما بعدَ الحُكْمِ، فإنَّه تَمَّ بشَرْطِه (1)؛ ولأنَّ الشَّكَّ لا يُزيلُ ما حُكِمُ به، كما لو تَغيرَّ اجْتهادُه. الحالُ الثانى، أن يَرْجِعا بعدَ الحُكْمِ وقبلَ الاسْتِيفاءِ، فيُنْظَرَ؛ فإن كان المحكومُ به عُقوبةً، كالحَدِّ والقِصاصِ، لم يَجُزِ اسْتِيفاؤُه؛ لأنَّ الحُدودَ تُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، ورُجوعُهما من أعْظمِ الشُّبُهاتِ، ولأنَّ المحكومَ به عُقوبةٌ، ولم [يَبْقَ ظَنُّ](2) اسْتِحْقاقِها، ولا سبيلَ إلى جَبْرِها، فلم يَجُزِ اسْتِيفاؤُهَا (3)، كما لو رَجَعا قبلَ الحُكْمِ. وفارَقَ المالَ؛ فإنَّه يُمْكِنُ جَبْرُه، بإلْزامِ الشَّاهِدَيْنِ عِوَضَه، والحدُّ والقِصاصُ لا ينْجَبِرُ بإيجابِ مِثْلِه على الشَّاهِدَيْن؛ لأنَّ ذلك ليس بجَبْرٍ، ولا يَحْصُلُ لمن وَجَبَ له منه عِوَضٌ، وإنَّما شُرِعَ للزَّجْرِ والتَّشَفِّى والانْتِقامِ، لا للجَبْرِ. فإن قيل: فقد قُلْتُم: إنَّه إذا حُكِمَ بالقِصاصِ، ثم فَسَقَ الشَّاهِدَان، اسْتُوفِىَ. فى أحَدِ الوَجْهيْنِ. قُلْنا: الرُّجوعُ أعْظَمُ فى الشُّبْهةِ مِن طَرَيانِ الفِسْقِ؛ لأنَّهما يُقِرَّانِ أَنَّ شهادتَهما زُورٌ، وأنَّهما كانا فاسِقَيْن حين شَهِدَا، وحينَ حَكمَ الحاكمُ بشَهادتِهما، وهذا الذى طَرَأَ فِسْقُه لا يتحقَّقُ كونُ شهادتِه كَذِبًا، ولا أنَّه كان فاسقًا حينَ أدَّى الشَّهادةَ، ولا حينَ الحُكمِ بها، ولهذا لو فَسَقَ بعدَ الاسْتِيفاءِ، لم يَلْزَمْه شىءٌ، والرَّاجِعان تَلْزَمُهما غَرامةُ ما شهِدَا به، فافْترَقا. وإن كان المشهودُ به مالًا، استُوفِىَ، ولم ينقض الحُكْمُ (4). فى قولِ أهلِ الفُتْيا مِن عُلْماءِ الأمصْارِ. وحُكِىَ عن سعيدِ بن المُسَيَّبِ، والأوْزَاعِىِّ، أنَّهما قالا: يُنْقَضُ الحكمُ، وإن اسْتُوفِىَ الحقُّ؛ [لأنَّ الحقَّ](5) ثبَتَ بشَهادتِهما، فإذا رَجعا، زالَ ما ثَبَتَ به
(1) فى أ: "بشروطه".
(2)
فى أ، ب:"يتوطن". تحريف. وفى م: "يتعين".
(3)
فى ب: "استيفاؤه".
(4)
فى ب، م:"حكمه".
(5)
سقط من: ب، م. نقل نظر.
الحكمُ، فنُقِضَ الحكمُ، كما لو تَبيَّنَ أنَّهما كانا كافرَيْنِ. ولَنا، أَنَّ حقَّ المشْهودِ له وجبَ له، فلا يَسْقُطُ بقولِهما، كما لو ادَّعَياه لأنْفُسِهما، يُحَققُ هذا أَنَّ حقَّ الإِنسانِ لا يَزُولُ إِلَّا ببَيِّنَةٍ أو إقْرارِه (6)، ورُجوعُهما ليس بشَهادةٍ، ولهذا لا يَفْتَقِرُ إلى لفظِ الشَّهادةِ، ولا هو إقْرارٌ من صاحبِ الحَقِّ. وفارَقَ ما إذا تبيَّنَ أنَّهما كانا كافِرَيْنِ؛ لأنَّنا تَبَيَّنَّا أنَّه لم يُوجَدْ شرطُ الحُكْمِ، وهو شَهادةُ العُدولِ، وفى مسألتِنا لم يتبيَّنْ ذلك؛ لِجَوازِ (7) أن يكونا عَدْلَين صادِقَينِ فى شهادتِهما، وإنَّما كذَبا فى رُجوعِهما، ويُفارِقُ العُقوباتِ، حيثُ لا تُسْتَوْفَى (8)؛ لأنَّها (9) تُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ. الحالَ الثالث، أن يَرْجِعا بعدَ الاسْتِيفاء؛ فإنَّه لا يَبْطُلُ الحكمُ، ولا يَلْزَمُ المشْهودَ له شىءٌ، سَواءٌ كان المشْهودُ به مالًا أو عُقوبةً؛ لأَنَّ الحُكمَ قد تمَّ باسْتِيفاءِ المحْكومِ به، ووُصولِ الحقِّ إلى مُسْتَحِقِّه، ويَرْجِعُ به على الشَّاهِدَيْنِ، ثم يُنْظَرُ؛ فإن كان المشْهودُ به إتْلافًا فى مِثْلِه القِصاصُ، كالقتلِ والجَرْحِ (10)، نظرْنا فى رُجوعِهما، فإن قالا: عَمَدْنا الشَّهادةَ عليه بالزُّورِ؛ ليُقْتَلَ أو يُقطَعَ. فعليهما القِصاصُ. وبهذا قال ابنُ شُبْرُمَةَ، وابنُ أبى ليلَى، والأوْزاعىُّ، والشَّافعىُّ، وأبو عُبَيْدٍ. وقال أصْحابُ الرَّأْىِ: لا قَوَدَ عليهما؛ لأنَّهما لم يُباشِرا الإِتْلافَ، فأشْبَهَا حافِرَ البِئرِ، وناصِبَ السِّكِّينِ، إذا تَلِفَ بهما شىءٌ. ولَنا، أَنَّ عليًّا، رَضِىَ اللَّه عنه، شهِدَ عندَه رَجلان على رجلٍ بالسَّرِقةِ، فقطَعَه، ثم عادا، فقالا: أخْطَأْنا، ليس هذا هو السَّارِقَ. فقال علىٌّ: لو عَلِمْتُ أنَّكما تَعَمَّدْتُما، لقَطَعْتُكما (11). ولا مُخالِفَ له فى الصَّحابةِ، فيكونُ إجماعًا، ولأنَّهما تسبَّبا إلى قَتْلِه أو قَطْعِه، بما يُفْضِى إليه غالبًا، فلَزِمَهما القِصاصُ، كالمُكْرَهِ، وفارَقَ الحَفْرَ ونَصْبَ السِّكِّينِ، فإنَّه لا يُفْضِى إلى القَتلِ غالبًا. وقد ذكرْنا هذه المسألةَ فى القِصاص (12). فأمَّا إِنْ قالا: عَمَدْنا الشَّهادةَ عليه، ولم (13) نعلمْ أنَّه يُقْتَلُ بهذا.
(6) فى م: "إقرار".
(7)
فى أ، م:"بجواز".
(8)
فى الأصل: "يستويا".
(9)
فى م: "فإنها".
(10)
فى أ: "والجراح".
(11)
تقدم تخريجه، فى: 11/ 456.
(12)
انظر ما تقدم فى: 11/ 455، 456.
(13)
فى م: "ولا".
وكانا ممَّن يجوزُ أن يجْهَلَ (14) ذلك، وجبَتِ الدِّيَةُ فى أمْوالهِما مُغَلَّظةً؛ لأنَّه شِبْهُ عَمْدٍ، ولم تَحْمِلْه الحاقلةُ؛ لأنَّه ثَبتَ باعْترافِهما، والعاقلةُ لا تحْمِلُ اعْترافًا. وإن قال أحدُهما: عمَدْتُ قَتْلَه. وقال الآخَرُ: أخْطأْتُ. فعلى العامدِ نصْفُ دِيَةٍ مُغَلَّظَةٍ، وعلى الآخَرِ نِصْفُ دِيَةٍ مُخفَّفةٍ، ولا قِصاصَ، فى الصَّحِيحِ من المذهبِ؛ لأنَّه قَتْلُ عَمْدٍ وخَطَأٍ. وإن قال كلُّ واحدٍ منهما: عَمَدْتُ، وأخْطأَ صاحبِى. احْتَمَلَ أن يجبَ القِصاصُ عليهما؛ لاعْترافِ كلِّ واحدٍ منهما بعَمْدِ نفسِه. واحْتَمَلَ وُجوبَ الدِّيَةِ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما إنَّما اعْترفَ بعَمْدٍ شارَكَ فيه مُخْطِئًا، وهذا لا يُوجِبُ القِصاصَ، والإِنْسانُ إنَّما يُؤاخَذُ بإقْرارِه، لا بإقرارِ غيرِه. فعلى هذا، تَجبُ عليهما دِيَةٌ مُغَلَّظةٌ. وإن قال أحدُهما: عَمَدْنا جميعًا. وقال الآخَرُ: عَمَدْتُ، وأخْطأ صاحبِى. فعلى الأوَّلِ القِصاصُ، وفى الثانى وَجْهان، كالتى قَبْلَها. وإن قالا جميعًا: أخْطَأْنا معًا (15). فعليهما الدِّيَةُ مُخَفَّفةً فى أمْوالِهما؛ لأنَّ العاقلةَ لا تحْمِلُ الاعْترافَ. وإن قال أحدُهما: عَمَدْنَا معًا. وقال الآخَرُ: أخْطأْنا معًا. فعلَى الأوَّلِ القِصاصُ، وعلى الثانى نِصْفُ دِيَةٍ مُخفَّفةٍ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ (16) منهما يُؤاخَذُ بحُكْمِ إقْرارِه. وإن قال كلُّ واحدٍ منهما: عَمَدْتُ، ولا أدْرِى ما فعلَ صاحبِى. فعليهما القِصاصُ؛ لإِقْرارِ كلِّ واحدٍ منهما بالعَمْدِ. ويَحْتَمِلُ أن لا يجِبَ عليهما القِصاصُ؛ لأنَّ إقْرارَ كلِّ واحدٍ منهما لو انْفَرَدَ، لم يجِبْ عليه قِصاصٌ، وإنَّما يُؤاخَذُ الإِنسانُ بإقْرارِه، لا بإقْرارِ صاحبِه. وإن قالَ أحدُهما: عَمَدْتُ، ولا أدْرِى ما قَصَدَ صاحبِى. سُئِلَ صاحبُه، فإنْ (17) قال: عَمَدْتُ، ولا أدْرِى ما قَصَدَ صاحبِى. فهى كالتى قبلَها. وإن قال: عَمَدْنا مَعًا (18). فعليه القِصاصُ، وفى الأوَّلِ وَجْهانِ. وإن قَال: أخْطَأْتُ، أو أخْطَأْنا. فلا قِصاصَ على واحدٍ منهما. وإن جُهِلَ حالُ الآخَرِ، بأن يُجَنَّ، أو يَمُوتَ، أو لا يُقْدَرَ عليه، فلا قِصاصَ على المُقِرِّ، وعليه نَصيبُه من الدِّيَةِ المُغَلَّظةِ.
(14) فى م: "يجهلا".
(15)
سقط من: أ، ب، م.
(16)
سقط من: أ، م.
(17)
فى أ، ب:"فإذا".
(18)
سقط من: الأصل، أ، م.