الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالموتِ، أشْبَهَت المُدَبَّرَةِ، وتُفارِقُ الحُرَّةَ، فإنَّها كامِلَةٌ.
فصل:
ولا يَجِبُ القصاصُ على الحُرَّةِ بقَتْلِها؛ لعدَمِ المُكافَأَةِ. وإِنْ كان القاتِلُ لها رَقِيقًا، وجَبَ القِصاصُ عليه؛ لأنَّها أكْمَلُ منه. وإِنْ جَنَتْ على عبدٍ أو أَمَةٍ، جنايَةً فيها القِصاصُ، لَزِمَها القِصاصُ؛ لأنَّها أَمَةٌ، أحْكامُها أحْكامُ الإِماءِ، واسْتِحْقاقُها العِتْقَ لا يَمْنَعُ القِصاصَ، كالمُدَبَّرَةِ.
2026 - مسألة؛ قال: (وإِنْ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ، كُرِهَ لَهَا ذلِكَ، وأَجْزأَهَا)
إنَّما كُرِهَ لها كَشْفُ رَأْسِها فى صلاتِها؛ لأنَّها قدأخَذَتْ شَبَهًا من الحَرائِرِ، لامْتِناعِ بَيْعِها. وقد سُئِلَ أحمدُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، عن أُمِّ الولدِ كيف تُصَلِّى؟ قال: تُغَطِّى رَأْسَها وقَدَمَيْها؛ لأنَّها لا تُباعُ. وكان الحسنُ يُحِبُّ للأَمَةِ إذا [عَهِدَها سَيِّدُها -يعنى وَطِئَها](1) - أَنْ لا تُصَلِّىَ إِلَّا مُجْتَمِعَةً. وإِنْ صَلَّتْ مكْشُوفَةَ الرَّأْسِ، أَجْزَأَها؛ لأنَّها أمَةٌ، حكمُها حكمُ (2) الإِماءِ. قال إبراهيمُ: تُصَلِّى أُمُّ الولدِ بغيرِ قِناعِ، وإِنْ كانَتْ بنتَ سِتِّينَ سَنَةً. وقد رُوِىَ عن أحمدَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، رِوايةٌ أُخْرَى، أَنَّ عَوْرَتَها عَوْرَةُ الحُرَّةِ. وذكرنا ذلك فى كتابِ الصَّلاةِ (3). والصحيحُ أنّ حُكْمَها حكمُ الإِماءِ، وإنَّما خالَفَتْهُنَّ فى اسْتِحْقاقِها للعِتْقِ، وامْتِناعِ نَقْلِ المِلْكِ فيها، وهذا لا يوجِبُ تغَيُّرَ الحكمِ فى عَوْرَتِها، كالمُدَبَّرَةِ، ولأنَّ الأَصْلَ بقاءُ حُكْمِها فى إباحَةِ كشفِ رَأْسِها، ولم يُوجَدْ ما يَنْقُلُ عنه مِن نَصٍّ، ولا ما فى مَعْناه، فيَبْقَى الحكمُ على ما كان عليه.
2027 - مسألة؛ قال: (وَإِذَا قَتلَتْ أمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا، فعَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا)
وجملتُه أَنَّ أُمَّ الولدِ إذا قَتَلَتْ سَيِّدَها، عَتَقَتْ؛ لأنَّها لا يُمْكِنُ نَقْلُ المِلْكِ فيها، وقد زالَ مِلْكُ سَيِّدِها بقَتْلِه، فصارَتْ حُرَّةً، كما لو قَتَلَه غيرُها، وعليها قِيمَةُ نَفْسِها، إِنْ لم يجبِ
(1) فى ب: "إذا وطئها". وسقط من: الأصل، أ:"يعنى وطئها".
(2)
فى الأصل، أ، ب:"أحكامها".
(3)
تقدم فى 2/ 331 - 333.
القِصاصُ عليها. وهذا قولُ أبى يوسفَ. وقال الشافِعِىُّ: عليها الدِّيَةُ؛ لأنَّها تَصِيرُ حُرَّةً. وكذلك (1) لَزِمَها مُوجَبُ جِنايَتِها، والواجِبُ على الحُرِّ بقَتلِ الحُرِّ دِيَتُه (2). ولَنا، أنَّها جِنايَةٌ من أُمِّ ولدٍ، فلم يَجِبْ بها أكثرُ مِن قِيمَتِها، كما لو جَنَتْ على أَجْنَبِىٍّ، ولأنَّ اعْتبارَ الجِنايَةِ فى حَقِّ الجانِى بحالِ الجِنايَةِ، بدليلِ ما لو جَنَى على عَبْدٍ فأَعْتَقَه سَيِّدُه، وهى فى حالِ الجنايَةِ أَمَهٌّ، فإنَّها إنَّما عَتَقَتْ بالموتِ الحاصِلِ بالجنايَةِ، فيكونُ عليها فِداءُ نَفْسِها بقِيمَتِها، كما يَفْدِيها سَيِّدُها إذا قَتَلَت غيرَه، ولأنَّها ناقِصَةٌ بالرِّقِّ، أشْبَهَتِ القِنَّ، وتُفارِقُ الحُرَّ، فإنَّه جَنَى وهو كامِلٌ، وإنَّما تعَلَّقَ مُوجَبُ الجنايَةِ بها؛ لأنَّها فوَّتَتْ رِقَّها بقَتْلِها لسَيِّدِها، فأشْبَهَ ما لو فَوَّتَ المُكاتَبُ الجانِى رِقَّه بأدائِه. وأما إِنْ قَتَلَتْ سَيِّدَها عَمْدًا، ولم يكُنْ [له منها](3) ولَدٌ، فعليها القِصاصُ لورَثَةِ سَيِّدِها، وإِنْ كان له منها وَلدٌ، وهو الوارثُ وَحْدَه، فلا قصاصَ عليها، لأَنَّها لو وجَبَ، لَوَجَبَ لولدِها، ولا يجبُ للولَدِ على أُمِّهِ قِصاصٌ. وقد توقَّفَ أحمدُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، عن هذه المَسْأَلَةِ، فى رِوايَةِ مُهَنَّا، وقال: دَعْنا مِن هذه المسائِلِ. وقِياسُ مَذْهَبه ما ذَكَرْناه. وإِنْ كان لها منه ولَدٌ، وله أولادٌ من غيرِها، لم يجِبِ القصاصُ أيضًا؛ لأنَّ حَقَّ ولدِها من القصاصِ يسْقُطُ، فيسْقُطُ كلُّه. وقد نَقَلَ مُهَنَّا عن أحمدَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه يقْتُلُها أولادُه مِن غيرِها. وهذه الرِّوايَةِ تُخالِفُ أُصولَ مذهبِه. والصَّحِيحُ أنَّه لا قِصاصَ عليها، ويجبُ عليها فِداءُ نَفْسِها بقِيمَتِها، كما لو عَفَا بعضُ مُسْتَحِقِّى القِصاصِ عن حَقِّه منه، واللَّهُ أَعْلَم. [والْحَمْدُ للَّه وَحْدَهُ](4).
قال الشيخُ المُصَنِّفُ لهذا الكتابِ، [أحْسَنَ اللَّه جَزاءَه](5)، ونفَعنا به، وأجْزَلَ ثَوابَه، ورزَقَه الفِرْدَوْسَ الأعْلَى، بمَنِّه وكَرَمِه، وجَمَعنَا وإيَّاه فى دارِ كَرامتِه: هذا آخِرُ الكتابِ، والحمدُ للَّهِ العزيزِ الوَهَّابِ {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} (6).
(1) فى ب، م:"ولذلك".
(2)
فى م: "دية".
(3)
فى م: "لها منه".
(4)
سقط من: أ. وفى م بعده: "وصلى اللَّه على محمد". ولم يرد فيه الختام التالى.
(5)
فى ب: "رضى اللَّه عنه".
(6)
سورة الرعد 30.