الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
وإن شَهِدَا على امرأةٍ بنكِاحٍ، فحَكمَ به الحاكمُ، ثم رَجَعا، نَظَرْتَ؛ فإن طلَّقها الزَّوْجُ قبلَ دُخُولِه بها، لم يَغْرَما شيئًا؛ لأنَّهما لم يُفَوِّتا عليها شيئًا. وإن دخلَ بها، وكان الصَّداقُ المُسَمَّى بقَدْرِ مَهْرِ المِثْلِ، أو أكثرَ منه، ووصَلَ إليها، فلا شىءَ عليهما؛ لأنَّها أخَذتْ عِوَضَ ما فَوتَّاه عليها، وإن كان دُونَه، فعليهما ما بينَهما، وإن لم يَصلْ إليها (14)، فعليهما ضَمانُ مَهْرِ مِثْلِها؛ لأنَّه عِوَضُ ما فَوتَّاهُ عليها.
فصل: وإن شَهِدَا بكتابةِ عَبْدِه، ثم رجَعا، نظرتَ؛ فإن عجَزَ، ورُدَّ فى الرِّقِّ، فلا شىءَ عليهما. وإِنْ أدَّى، وعَتَقَ، فعليهما ضَمانُ جميعِه؛ لأنَّهما فَوَّتاه عليه بشهادتِهما، ويَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهما ما بين قِيمَتِه وما قَبَضَه من كِتابتِه. والأَوَّلُ أوْلَى؛ لأنَّ ما قَبَضَه مِن كَسْبِ عَبْدِه، فلا يُحْسَبُ عليه، وإن أرادَ تَغْرِيمَهما (15) قبلَ انْكِشافِ الحالِ؛ فيَنْبَغِى أن يُغَرِّمَهُما ما بينَ قِيمَتِه سليمًا ومُكاتَبًا. وإن شَهِدَا باسْتيلاد أمتِه، ثم رجَعا، فيَنْبغِى أن يَرْجِعَ عليهما بما نَقصَتْها الشَّهادةُ مِن قِيمَتِها. وإن عَتقَتْ بمَوْتِه، رجعَ الورثةُ بما بَقِىَ من قِيمَتِها.
فصل: وكلُّ مَوْضِعٍ وجبَ الضَّمانُ على الشُّهودِ بالرجوعِ، فإنَّه (16) يُوزَّعَ بينهم على عدَدِهم، قلُّوا أو كَثُرُوا. قال أحمدُ، فى روايةِ إسحاقَ بنِ منصورٍ: إذا شهِدَ بشهادةٍ، ثم رجَعَ وقد أتْلَفَ مالًا، فإنَّه ضامِنٌ بقَدْرِ ما كانوا فى الشَّهادةِ، فإنْ كانوا اثْنَيْنِ، فعليه [النِّصْفُ، وإن كانوا ثلاثةً، فعليه](17) الثُّلثُ. وعلى هذا لو كانوا عشرَةً، فعليه العُشرُ، وسواءٌ رجعَ وحْدَه، أو رجَعُوا جميعًا، وسواءٌ رجعَ الزَّائدُ عن القَدْرِ الكافِى فى الشَّهادةِ، أو مَن ليس بزائدٍ، فلو شهدَ أربعةٌ بالقِصاصِ، فرَجَعَ واحدٌ منهم، وقالَ: عَمَدْنا قَتْلَه. فعليه القِصاصُ. وإن قال: أخْطَأْنا فعليه رُبعُ الدِّيَةِ. وإن رجعَ اثنان، فعليهما القِصاصُ أو نِصْفُ الدِّيَةِ. وإن شهِدَ ستَّةٌ بالزِّنَى على مُحْصَنٍ، فرُجِمَ بشَهادتِهم، ثم رجَعَ واحدٌ، فعليه القِصاصُ، أو سُدسُ الدِّيةِ. وإن رجَعَ اثنانِ، فعليهما القِصاصُ أو ثلثُ الدِّيَةِ. وبهذا قالَ أبو عُبَيْدٍ. وقالَ أبو حنيفةَ: إن رجَعَ واحدٌ أو اثنان، فلا شىءَ عليهما؛ لأنَّ بَيِّنَةَ
(14) فى أ، ب، م:"إليهما".
(15)
فى أ، م زيادة:"بشهادتهما ويحتمل أن يلزمهما". تكرار.
(16)
فى م: "وجب أن".
(17)
سقط من: أ. نقل نظر.
الزِّنَى قائمةٌ، فَدَمُه غيرُ مَحْقُونٍ. وإن رجعَ ثلاثةٌ، فعليهم رُبْعُ الدِّيَةِ. وإن رجَعَ أربعةٌ، فعليهم نِصْفُ الدِّيَةِ. وإن رجعَ خمسةٌ، فعليهم ثلاثةُ أرباعِها. وإن رجَعَ السِّتَّةُ، فعلى كلِّ واحدٍ منهم سُدسُها. ومَنْصوصُ الشَّافعىِّ فيما إذا رجَعَ اثْنان، كمذهبِ أبى حنيفةَ. واخْتلَفَ أصحابُه فيما إذا شَهِدَ بالقِصاصِ ثلاثةٌ، فرجَعَ أحدُهم، فقال أبو إسحاقَ (18): لا قِصاصَ عليه؛ لأنَّ بَيِّنَةَ القِصاص قائمةٌ، وهل يجبُ عليه ثُلثُ الدِّيَةِ؟ على وَجْهَين. وقال ابنُ الحَدَّادِ (19): عليه القِصاصُ. وفرَّقَ بينَه وبينَ الرَّاجعِ مِن شُهودِ الزِّنَى إذا كان زائدًا، بأنَّ (20) دمَ المشْهودِ عليه بالزِّنَى غيرُ مَحْقُونٍ، وهذا دمُه مَحْقونٌ. وإنَّما أُبِيحَ دَمُه لولىِّ القِصاص وحْدَه. واخْتلَفوا فيما إذا شَهِدَ بالمالِ ثلاثةٌ، فرجعَ أحدُهم، على وَجْهَين؛ أحدُهما، يَضْمنُ الثُّلثَ. والثانى، لا شىءَ عليه. ولَنا، أَنَّ الإِتْلافَ حصَلَ بشَهادتِهم، فالرَّاجعُ مُقِرٌّ بالمُشاركةِ فيه عَمْدًا عُدْوانًا لمَن هو مِثْلُه فى ذلك، فلَزِمَه القِصاصُ، كما لو أَقَرَّ بمُشاركتِهم فى مُباشرةِ قَتْلِه، ولأنه أحدُ مَن قُتِلَ المشْهودُ عليه بشَهادتِه، فأشْبَهَ الثَّانىَ مِن شُهودِ القِصاصِ، والرابعَ من شُهودِ الزِّنَى، ولأنَّه أحدُ مَن حصَلَ الإتْلافُ بشَهادتِه، فلَزِمَه مِن الضَّمانِ بقِسْطِه، كما لو رجَعَ الجميعُ، ولأنَّ ما تضمَّنَه كلُّ واحدٍ مع اتِّفاقِهم على الرُّجوعِ، يَضْمَنُه إذا انْفَرَدَ بالرُّجوعِ، كما لو كانوا أربعةً. وقولُهم: إِنَّ دَمه غيرُ مَحْقونٍ. غيرُ صَحيحٍ، فإِنَّ الكلامَ فيما إذا قُتِلَ، ولم يَبْقَ له دمٌ يُوصَفُ بحَقنٍ ولا عَدَمِه، وقيامُ الشَّهادةِ لا يَمْنَعُ وجوبَ القِصاصِ، كما لو شَهِدَتْ لرجلٍ باسْتِحْقاقِ القِصاصِ، فاسْتَوْفاهُ، ثم أقر بأنَّه قَتَلَه ظُلْمًا، وأنَّ الشُّهودَ [شُهودُ زُورٍ](21). والتَّفْريقُ بينَ القِصاصِ والرَّجْمِ بكَوْنِ دمِ القاتلِ غيرَ مَحْقُونٍ، لا يَصِحُّ؛ لأنَّه غيرُ مَحْقُونٍ بالنِّسْبةِ إلى مَن قتلَه، ولأنَّ كلَّ واحدٍ مُؤاخَذٌ بإقْرارِه. ولا يُعْتبَرُ قولُ شرَيكِه، ولهذا لو أقَرَّ
(18) أى: الشيرازى، إبراهيم بن على بن يوسف، أحد كبار الفقهاء الشافعية، وصاحب التصانيف، توفى سنة ست وسبعين وأربعمائة. طبقات الشافعية الكبرى 4/ 215 - 256.
(19)
أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد، ابن الحداد، المصرى، الشافعى الإمام، توفى سنة خمس وأربعين وثلاثمائة. طبقات الشافعية الكبرى 3/ 79 - 98.
(20)
فى الأصل، أ، م:"فإن".
(21)
فى ب، م:"شهدوا بالزور".