الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَصرُّفاتُهم، كما لو تَصرَّفَ السَّيِّدُ فى العَبدِ الجانِى ولم يَقْضِ دَيْنَ الجِنايةِ. وعلى الرِّوايةِ الأُخْرَى، تَصرُّفاتُهم فاسدةٌ؛ لأنَّهم تَصرَّفوا فيما لم يَمْلِكوهُ.
فصل:
إذا خَلَّفَ ثَلاثَةَ بَنِينَ وأبَوْينِ، فادَّعَى البَنونَ أَنَّ أباهم وَقَفَ دارَه عليهم فى صِحَّتِه، وأقاموا بذلك شاهِدًا واحدًا، حلَفُوا معه، وصارَتْ وَقْفًا عليهم، وسقطَ حقُّ الأَبَوَيْن، وإن لم يَحْلِفُوا معه، ولم يَكُنْ على الميِّتِ دَيْنٌ ولا له وَصِيَّةٌ، حلَفَ الأبَوَان، وكان نَصِيبُهما طَلْقًا لهما، ونَصِيبُ البَنينِ وَقْفًا عليهم بإقْرارِهم؛ لأنَّه يَنفُذُ بإقْرارِهم. وإن كان على المَيِّتِ دَينٌ، أو وَصَّى بشَىءٍ، قُضِىَ دَيْنُه، ونَفَذَتْ وَصِيَّتُه، وما بَقِىَ بينَ الوَرثةِ، فما حصَلَ للبَنينَ كان وَقْفًا عليهم بإقْرارِهم. وإن حَلَفَ واحدٌ منهم، كان ثُلثُ الدَّارِ وَقْفًا عليه، والباقى يُقْضَى منه الدَّينُ وما فَضَلَ يَكونُ مِيراثًا، فىا حصَلَ للابْنَيْنِ منه كان وَقْفًا عليهما، ولا يَرِثُ الحالفُ شيئًا؛ لأنَّه يَعْترِفُ أنَّه لا يَسْتحِق منها شيئًا سِوَى ما وُقِفَ عليه. وإن حَلَفُوا كلُّهم، فثَبَتَ الوَقْفُ عليهم، لم يَخْلُ مِن أن يكونَ الوَقْفُ مُرَتَّبًا على بَطْنٍ، ثم على بَطْنٍ بعدَ بَطْنٍ أبدًا، أو مُشْتَرَكًا، فإن كان مُرَتَّبًا، فإذا انْقَرَضَ الأولادُ الثلاثةُ، انَتقلَ الوقفُ إلى البَطنِ الثانى، بغيرِ يَمِينٍ؛ لأنَّه قد ثبَتَ كونُه وَقْفَا بالشَّاهِدِ (13) ويَمِينِ الأَوْلادِ، فلم يَحْتَجْ من انْتقَلَ (14) إليه إلى بَيِّنَةٍ، كما لو ثبَتَ بشاهِدَينِ، وكالمالِ المَوْرُوثِ. وكذاك إذا انْقرضَ الأولادُ، ورَجَع إلى المساكينِ، لم يَحْتاجُوا فى ثُبوتِه لهم إلى يَمِينٍ؛ لما ذكرْناه. وإن انْقرضَ أحدُ الأولادِ، انتقلَ نَصِيبُه منه إلى إخْوتِه، أو إلى مَن شَرَطَ الواقفُ انتقَالَه (15) إليه، بغَيْرِ يَمِينٍ؛ لما ذكرْنا. فإن امْتنَعَ البَطْنُ الأوَّلُ من اليَمِينِ، فقد ذكرْنا أَنَّ نَصِيبَهم يكونُ وَقْفًا عليهم بإقْرارِهم، فإذا انْقَرَضُوا، كان ذلك وَقْفًا على حَسْبِ ما أقرُّوا به، فإن كان إقْرارُهم أنَّه وَقْفٌ عليهم، ثم على أولادِهم، فقال أولادُهم: نحن نَحْلِفُ مع شاهدِنا، لتكونَ جميع الدَّارِ وَقْفًا لنا. فلهم ذلك؛ لأنَّهم يَنْقُلونَ الوَقفَ من الواقِفِ، فلهم إثْباتُه، كالبَطْنِ الأوَّلِ. فأمَّا إن حلَفَ أحدُ البنينَ، ونَكَلَ أخَواهُ، ثم مات الحالِفُ؛ نَظَرْتَ، فإن ماتَ بعدَ مَوْتِ إخْوَتِه، صُرِفَ نصيبُه إلى أولادِه، وَجْهًا واحدًا.
(13) فى الأصل، ب، م:"بالشاهدين".
(14)
فى الأصل: "ينتقل".
(15)
سقط من: ت.
وإن ماتَ فى حياةِ إخْوَتِه، ففيه ثَلاثةُ أوْجُهٍ؛ أحدُها، يَنْصرِفُ إلى إخْوتِه؛ لأنَّه لا يَثْبُتُ للبطْنِ الثانى شىءٌ مع بَقاءِ أحدٍ من البَطنِ الأوَّلِ. والثانى، يَنْتقِلُ إلى أولادِه؛ لأنَّ أَخَويه أسْقَطَا حَقَّهما بنُكولِهما، فصارا كالمَعْدُومَيْنِ. والثالث، يُصْرَفُ إلى أقربِ عَصَبَةِ الواقفِ، [لأنَّه لم يُمْكِنْ صَرْفُه إلى الأخوَيْنِ، ولا إلى البَطنِ الثانى، لما ذكرْنا، فيُصْرَفُ إلى أقْربِ عَصَبةِ الواقفِ](16)، إلى أن يَمُوتَ الأخَوانِ، ثم يعودُ إلى البَطْنِ الثانى. والأَوَّلُ أصحُّ؛ لأنَّ الأخَوَيْنِ لم يُسْقِطا حُقوقَهما، وإنَّما امْتَنَعَا من إقامةِ الحُجَّةِ عليه، ولذلك لو اعْتَرف لهما الأبَوانِ، ثبَتَ الوَقْفُ من غيرِ يَمِينٍ، وههُنا قد حصَلَ الاعْترافُ من البَطنِ الثانى، فوجبَ أن يَنْصَرِفَ إليهما؛ لحُصولِ الاتِّفاقِ من الجميعِ على استحقاقِهما له (17). فإن قيل: فإذا كان البَطْنُ الثانى صِغارًا، فما حصَلَ الاعْتِراف منهم. قُلْنا: قد حصَلَ الاعْترافُ من الحالِفِ الذى ثَبتَتِ الحُجَّةُ بيَمِينِه، وبالبَيِّنَةِ التى ثبَتَ بها الوَقْفُ، وبها يَسْتَحِقُّ البطنُ الثانى، فاكْتُفِىَ بذلك فى انْتِقالِه إلى الأخَويْنِ، كما يُكْتفَى به فى انْتقالِه إلى البطنِ الثانى بعدَ انْقراضٍ الأخَوَيْنِ، ويَدُلُّ على صِحَّةِ هذا، أنَّنا اكْتفَيْنا بالبَيِّنَةِ فى أصْلِ الوَقْفِ، وفى كَيفيَّتِه، وصِفتِه، وتَرْتِيبه، فيما عدا هذا المختلَفَ فيه، فيجِبُ أن يُكْتفَى به فيه. فأَما إن كان شَرْطُ الواقِفِ (18) أَنَّ مَن ماتَ منهم عن ولدٍ، انْتقَلَ نَصِيبُه إليه، انْتَقلَ إلى أولادِه، وَجْهًا واحدًا؛ لأنَّه (19) لا مُنازِعَ لهم فيه. وإن ماتَ عن (20) غيرِ ولدٍ، انْتقَلَ إلى أخَوَيْهِ (21)، على الوَجْهِ الصَّحِيحِ، ويُخَرَّجُ فيه الوَجْهانِ الآخَرانِ. الحال الثانى، إذا كانَ الوقفُ مُشْتَرَكًا، وهو أن يَدَّعُوا أَنَّ أبَاهم وَقَفَ دارَه على وَلدِه، ووَلَدِ ولدِه ما تَناسَلوا، فقد شَرَّكَ بين البُطونِ، ففى هذه الحالِ، إذا حلَفَ أولادُه الثَّلاثةُ مع شاهدِهم، ولم يكُنْ أحدٌ من أولادِهم معهم مَوجودًا، ثبَتَ الوَقفُ على الثَّلاثةِ. وإن كان مْن أوْلادِهم أحدٌ مَوجُودًا، فهو شَرِيكُهم، فإن كانَ كبيرًا حلَفَ واسْتحقَّ، وإن لم يَحلِفْ كان نَصيبُه مِيراثًا
(16) سقط من: ب. نقل نظر.
(17)
سقط من: ب.
(18)
فى ب: "الوقف".
(19)
فى ب: "لأنهم". وسقط من: الأصل.
(20)
فى الأصل، ب، م:"من".
(21)
فى الأصل: "إخوته".
تُقْضَى منه الدُّيونُ، وتَنْفُذُ الوَصايَا، وباقِيه للوَرثةِ؛ لأنَّه يأْخُذُ الوقفَ ابتداءً من الواقفِ بغَيرِ واسِطَةٍ، فهو كأحَدِ البَنِينَ. وإن كانَ صغيرًا، أو حدَثَ لأحدِ البَنِينَ ولدٌ يُشارِكُهم فى الوَقْفِ، أو كان أحدُ البَنِينَ صَغيرًا، أُوقفَ (22) نَصِيبُه مِن الوَقفِ عليه، ولا يُسلَّمُ إلى وَلِيِّه حتى يَبْلُغَ، فيَحْلِفَ أو يَمْتنِعَ؛ لأنَّه يَتلقَّى الوقفَ من غيرِ واسِطَةٍ. فإن قيل: فلِمَ لم يَسْتحِقَّ بغيرِ يَمِين، لكَوْنِ البَنِينَ المُسْتحِقِّينَ مُعْترِفينَ له بذلك، فيُكْتفَى باعْترافِهم، كما لو كان فى أيديهم دارٌ فاعْترَفُوا لصَغيرٍ منها بشِرْكٍ، فإنَّه يُسَلَّمُ إلى وَلِيِّه؟ قُلْنا: الفرقُ بينَهما أَنَّ الدَّارَ التى فى أيْدِيهم لم يَكُنْ لهم فيها مُنازِعٌ، ولا يُوجَبُ على أحدٍ منهم فيها يَمِينٌ، وهذه يُنازِعُهم فيها الأبوَانِ، وأصْحابُ الدُّيونِ والوَصايا، وإنَّما يَأْخُذونَها بأَيْمانِهم، فإذا أقَرُّوا بمُشارِكٍ لهم، فقد اعْترَفُوا بأنَّه كواحدٍ منهم، لا يَسْتحِقُّ إِلَّا بيَمِينِه، كما لا يَسْتحِقُّ واحدٌ منهم إِلَّا بالْيَمِينِ. ويُفارِقُ ما إذا كانَ الوقفُ مُرَتَّبًا على بَطنٍ بعدَ بَطنٍ، فإنَّه لا يُشارِكُهم أحدٌ من البَطْنِ الثانى. فإذا بلغَ الصَّغيرُ الموقوفُ نَصِيبُه، فحلَفَ، كان له، وإنِ امْتَنعَ نَظَرْتَ، فإن كانَ (23) مَوجودًا حينَ الدَّعْوَى، أو قبلَ حَلِفِهم، كان نَصِيبُه مِيراثًا، كما لو كان بالِغًا، فامْتنَعَ منِ اليَمينِ، فإذا (24) حدثَ بعدَ أيْمانِهم وثُبوتِ الوقفِ نَماءٌ، كان له نَصِيبُه أيضًا؛ لأنَّ الوَقف ثبَتَ فى جميعِ الدَّارِ بأيْمانِ البَنِينَ، فلا يَبْطُلُ بامْتِناعِ مَن حدثَ، إِلَّا أنَّه إِنْ أقَرَّ أنَّها ليست وَقْفًا، وكذَّبَ البَنِينَ فى ذلك، كان نَصِيبُه من الغَلَّةِ مِيراثًا، حكمُه حُكْمُ (25) نَمَاءِ المِيراثِ، وإن لم يُكَذِّبْهِم، فنَصِيبُه وَقْفٌ له. وقال القاضى: إن امْتنَعَ من اليَمِينِ، رُدَّ نَصِيبُه إلى الأولادِ الثَّلاثةِ، ولم يُفرَّقْ بين مَن كان موجودًا حالَ الدَّعوَى والحادِثِ بعدَها؛ لأنَّه لا يجوزُ أن يَسْتَحِقَّ شيئًا بغيرِ يَمِينِه، ولا يجوزُ أن يَبْطُلَ الوقفُ الثَّابتُ بأيْمانِهم، فتعيَّنَ رَدُّ نَصِيبِه إليهم. ولَنا، أنَّه إن كانَ مَوجودًا حالَ الدَّعْوَى وحَلِفِهم، فهو شَرِيكُهم حين يَثْبُتُ الوقفُ، فلم يَجُزْ أن يَثْبُتَ الوَقفُ فى نَصِيبِه بغَيرِ يَمِينِه، كالبالِغِ، وإن كان حادِثًا بعدَ ثُبوتِ الوَقفِ بأيْمانِهم، فهم مُقِرُّون له بمالٍ، ولأنَّهم يُقِرُّون
(22) فى أ، ب، م:"وقف".
(23)
سقط من: الأصل.
(24)
فى أ: "فإن". وفى ب: "وإن".
(25)
سقط من: أ.