الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوَصِيَّةِ لعَمْرٍو، ووَصَّى لبكرٍ بثُلثِ مالِه، صَحَّتِ الشّهاداتُ (108) كُلُّها، وكانتِ الوَصِيَّةُ لبكرٍ، سَواءٌ كانتِ البَيِّنَتَان من الوَرَثَةِ، أو لم تكُنْ؛ لأَنَّه لا تُهْمَةَ فى حَقِّهم. وإِنْ كانتْ شهادَةُ البَيِّنَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّه رَجَعَ عن إِحْدَى الوَصِيَّتَيْن، لم تُفِدْ هذه الشّهادَةُ شَيْئًا (109)؛ لأنَّه قد ثَبَتَ بالبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ أنَّه رَجَعَ عن وَصِيَّة زيدٍ، وهى إحْدَى الوَصِيَّتَيْن. فعلى هذا، تثْبُتُ الوَصِيَّةُ لعَمْرٍو. وإنَّ كانتِ البَيِّنَةُ الثَّانِيَة شَهِدتْ بالوَصِيَّةِ لعَمْرٍو، ولم تَشْهَدْ بالرُّجُوعِ عن وَصِيَّةِ زيدِ، فشَهِدَتِ الثَّالِثَةُ برُجوعِه (110) عن إحْدَى الوَصِيَّتَيْن لا بعَيْنِها، فقال القاضى: لا تَصِحُّ الشَّهادةُ. وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّهما لم يُعَيِّنا المَشْهُودَ عليه، ويصيرُ كما لو قَالَا: نشْهَدُ أَنَّ لهذا على أحدِ هذَين ألْفًا. أو أَنَّ (111) لأحَدِ هذَيْن على هذا ألْفًا. ويكونُ الثُّلُثُ بينَ الجميعِ أثْلاثًا. وقال أبو بكر: قياسُ قوْلِ أبى عبدِ اللَّه، أنَّه يصِحُّ الرُّجوعُ عن إِحْدَى الوَصِيَّتَيْن، ويُقْرَعُ بينَهما، فمَنْ خَرجَتْ له قُرْعَةُ الرُّجُوعِ عن وَصِيَّتِهِ، بَطَلَتْ وَصِيَّتُه. وهذا قَوْلُ ابن أبى موسى. وإذا صَحَّ الرُّجُوعُ عن إحْداهما بغيرِ تَعْيِينٍ، صَحَّتِ الشَّهادةُ به كذلك. ووَجْهُ ذلك، أَنَّ الوَصِيَّةَ تَصِحُّ بالمَجْهولِ، وتصِحُّ الشَّهادةُ فيها بالمَجْهُول، فجازَتْ فى الرُّجُوعِ من غيرِ تَعْيِينِ المَرْجُوعِ عن وَصِيَّتِه.
فصل:
وإِنْ شَهِدَ شاهِدَان أنَّه وَصَّى لزيدٍ بثُلثِ مَالِه، وشَهِدَ واحِدٌ أنَّه وَصَّى لعمرٍو بثُلثِ مالِه، انْبنَى هذا على أَنَّ الشَّاهِدَ واليَمِينَ هل يُعارِضُ الشَّاهِدَيْن أو لا؟ فيه وَجْهان؛ أحدُهما، يُعارِضُهما، فيَحْلِفُ عمرٌو مع شَاهِدِه، ويُقْسَمُ الثُّلُثُ بينهما؛ لأنَّ الشَّاهِدَ واليَمِينَ حُجَّةٌ فى المالِ، فأشْبَهَ الشَّاهِدَيْن. والثَّانى، لا يُعارِضُهما؛ لأنَّ الشَّاهِدَيْن أقْوَى، فيَرْجُحان على الشَّاهِد واليَمِينِ. فعلى هذا، يَنْفَرِدُ زيدٌ بالثُّلُثِ، وتَقِفُ وَصِيَّةُ عَمْرٍو على إجازَةِ الوَرَثَةِ. فأَمَّا إِنْ شَهِدَ واحِدٌ أنَّه رَجَعَ عن وَصِيَّةِ زيدٍ، ووَصَّى لعمرٍو بثُلثِه، فلا تَعارُضَ بينَهما، ويحْلِفُ عَمْرٌو مع شَاهِدِه، وتثْبُتُ الوَصِيَّةُ لعَمْرٍو. والفَرْقُ بين المَسْأَلتَيْن، أَنَّ فى الأُولى، تَقابَلَتِ البَيِّنَتَان، فقَدَّمْنا أقْواهُما، وفى الثَّانِيةِ لم يَتَقابَلا،
(108) فى الأصل: "الشهادتان".
(109)
سقط من: الأصل، أ، ب.
(110)
فى م: "بالرجوع".
(111)
فى م: "وأن".
وإنَّما يثْبُتُ الرُّجوعُ، وهو يثْبُتُ بالشَّاهِدِ واليَمِينِ؛ لأنَّ المَقْصُودَ به المالُ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ. واللَّهُ أعْلَمُ.
1938 -
مسألة؛ قال: (وَلَوْ كَانَ (1) فِى يَدهِ دَارٌ، فَادَّعَاهَا رَجُلٌ، فَأَقَرَّ بِهَا لِغيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ بِهَا (2) حَاضِرًا، جُعِلَ الخَصْمَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، وَكَانَتْ لِلْمُدَّعِى بَيِّنَةٌ، حُكِمَ بِهَا لِلْمُدَّعِى بِبَيِّنَتِه، وَكَانَ الغائِب عَلَى خصُومَتِهِ مَتَى حَضرَ)
وجملتُه أَنَّ الإِنسانَ إِذَا ادَّعَى دَارًا فى يدِ غيرِه، فقال الذى هى فى يَدِه: ليستْ لى، إنَّما هى لفلانٍ. وكان المُقَرُّ له بها حاضِرًا، سُئِلَ عن ذلك، فإنْ صَدَّقَه، صارَ الخَصْمَ فيها، وكان صاحِبَ اليَدِ؛ لأنَّ مَنْ هى فى يَدِه اعْتَرَفَ أَنَّ يدَه نائِبَةٌ عن يَدِه، وإقْرَارُ الإِنْسانِ بما فى يَدِه إقْرَارٌ صَحيحٌ، فيصيرُ خَصْمًا للمُدَّعِى، فإنْ كانتْ للمُدَّعِى بَيِّنَةٌ، حُكِمَ له بها، وإِنْ لم تَكُنْ له بَيِّنَةٌ، فاِلقَوْلُ قولُ المُدَّعَى عليْه مع يَمِينِه. وإِنْ قال المُدَّعِى: أحْلِفُوا لى (3) المُقِرَّ الذى كانتِ العَيْنُ فى يَدِه، أنَّه لا يَعْلَمُ أنَّها لى. فعليه اليَمِينُ؛ لأنَّه (4) لو أَقَرَّ له بها [بعدَ اعْتِرَافِه](5)، لَزِمَه الغُرْمُ، كما لو قال: هذه العَيْنُ لزيدٍ. ثمَّ قال: هى لعمرٍو. فإنَّها تُدْفَعُ إلى زيدٍ، ويَغْرَمُ (6) قِيمتَها لعمرٍو. ومَنْ لَزِمَه الغُرْمُ مع الإِقْرَارِ، لَزِمَتْه اليَمِينُ (7) مع الإِنْكارِ (8)، فإنْ رَدَّ المُقَرُّ له الإِقْرَارَ، وقال: ليْسَتْ لى، وإنَّما هى للمُدَّعِى. حُكِمَ له بها. وإِنْ لم يَقُلْ: هى للمُدَّعِى، ولكن قال: ليستْ لى. فإنْ كانتْ للمُدَّعِى بَيِّنَةٌ، حُكِمَ له بها، وإِنْ لم تَكُنْ له بَيِّنَةٌ، ففيه وَجْهَان؛ أحدُهما، تُدْفَعُ إلى المُدَّعِى؛ لأنَّه
(1) فى أ: "كانت".
(2)
سقط من: ب.
(3)
سقط من: أ، ب.
(4)
فى ب: "فإنه".
(5)
سقط من: الأصل، أ، ب.
(6)
فى م: "ويدفع".
(7)
فى ب: "القيمة".
(8)
فى ب: "الإمكان".
يَدَّعِيها، ولا مُنَازِعَ له فيها، ولأنَّ مَنْ هى فى يَدِه لو ادَّعَاها، ثمَّ نَكَلَ، قَضَيْنَا له (9) بها (10)، فمع عَدَمِ إدِّعَائِه لها أَوْلَى. والثَّانى، لا تُدْفَعُ إليه؛ لأنَّه بريثْبُتْ لها مُسْتَحِقٌّ؛ لأنَّ المُدَّعِىَ لا يَدَ له، ولا بَيِّنَةَ، وصَاحِبُ اليَدِ مُعْتَرِفٌ أنَّها ليست له، فيأْخُذُها الإِمامُ فيحْفَظُها لصاحِبِها. وهذا الوجْهُ الذى (11) ذَكَرَه القاضى. والأَوَّلُ أَوْلَى؛ لما ذَكَرْنا من (12) دَلِيلِه. ولأصْحَابِ الشَّافِعِىِّ وَجْهان كهذَيْن، ووَجْهٌ ثالِثٌ، أَنَّ المُدَّعِىَ يَحْلِفُ (13) أَنَّها له، وتُسَلَّمُ إليه. ويتخَرَّجُ لنا مِثْلُه؛ بِناءً على القوْلِ برَدِّ اليَمِين إذا نكلَ المُدَّعَى عليه. وإِنْ قالَ المُقَرُّ له: هى لثالثٍ (14). انتَقَلَتِ الخُصُومَةُ إليه، وصَارَ بمَنْزِلَةِ صاحِبِ اليَدِ؛ لأنَّه أقَرَّ له بها مَن اليَدُ له (15) حُكْمًا. وأمَّا إِنْ أَقَرَّ بها المُدَّعَى عليه لمَجْهُولٍ، قِيلَ له: ليس هذا بجَوابٍ. فإنْ أقْرَرْتَ بها لمَعْرُوفٍ، وإلَّا جَعَلْنَاك ناكِلًا، وقَضَيْنَا عليك. فإنْ أصَرَّ، قُضِىَ عليه بالنُّكُولِ. وإِنْ أقَرَّ بها (16) لغَائِبٍ (17)، أو لغير مُكلَّفٍ مُعَيَّن، كالصَّبِىِّ والمَجْنُون (18)، صَارَتِ الدَّعْوَى عليه. فإنْ لم تكُنْ للمُدَّعِى بَيِّنَةٌ، لم يُقْضَ له بها؛ لأنَّ الحاضِرَ يعْتَرِفُ أنَّها ليستْ له، ولا يُقْضَى على الغائِبِ بمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، ويَقِفُ الأمْرُ حتَّى يَقْدَمَ الغَائِبُ، ويصيرَ غيرُ المُكلَّفِ مُكَلَّفًا، فتكونَ الخُصُومَةُ معه. فإنْ قال المُدَّعِى: أحْلِفُوا لى المُدَّعَى عليه. أحْلَفْنَاه؛ لما تَقَدَّمَ. وإِنْ أقَرَّ بها للمُدَّعِى، لم تُسَلَّمْ إليه؛ لأنَّه اعْتَرَفَ أَنَّها لغيرِه، ويَلْزَمُه أَنْ يَغْرَمَ له قِيمتَها؛ لأنَّه فَوَّتَها عليه بإقْرَارِه بها لغيرِه.
(9) سقط من: م.
(10)
فى م زيادة: "للمدعى".
(11)
فى م: "الثانى".
(12)
سقط من: ب.
(13)
سقط من: أ.
(14)
فى م: "الثالث".
(15)
سقط من: الأصل.
(16)
سقط من: الأصل، أ، ب.
(17)
فى م: "الغائب".
(18)
فى ب: "أو المجنون".
وإِنْ كان للمُدَّعِى (19) بَيِّنَةٌ، [سَمِعَها الحاكمُ، وقَضَى بها، وكان الغَائِبُ على خُصُومَتِه، متى حَضَرَ، له أَنْ يَقْدَحَ فى بَيِّنَةِ المُدَّعِى، وأنْ يقِيمَ بَيِّنَةً](20) تَشْهَدُ بانْتقِالِ المِلْكِ إليه من المُدَّعِى. وإن أقامَ بَيِّنَةً أنَّها مِلْكُه، فهل يُقْضَى بها؟ على وَجْهَيْن؛ بِناءً على تقْدِيمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِل أو الخَارِجِ (21)؛ فإنْ قُلْنا: تُقدَّمُ بَيِّنَةُ الخَارِجِ. فأقَامَ الغَائِبُ بَيِّنَةً تشْهَدُ له بالمِلْكِ والنِّتاجِ، أو سَبَبٍ من أَسْبابِ المِلْكِ، فهل تُسْمَعُ بَيِّنَتُه، ويُقْضَى بها؟ على وَجْهَيْن. وإِنْ كان مع المُقِرِّ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بها للغَائِبِ، سَمِعَها الحاكمُ، ولم يَقْضِ بها؛ لأنَّ البَيِّنَةَ. للغَائِبِ، والغَائِبُ لم يَدَّعِها هو ولا وَكِيلُه، وإنَّما سَمِعَها الحاكمُ؛ لما فيها من الفائِدَةِ، وهو زَوَالُ التُّهْمَةِ عن الحاضِرِ، وسُقُوطُ اليَمِينِ عنه، إذا ادَّعَى عليه أَنَّك تعْلَمُ أنَّها لى. ويتخَرَّجُ أَنْ يُقضَى بها، إذا قُلْنا بتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، وإنَّ للمُودَعِ المخَاصَمَةَ فى الوَدِيعَةِ إذا غُصِبَتْ. ولأنَّها بَيِّنَةٌ مَسْمُوعَةٌ، فيُقْضى بها، كبَيِّنَةِ المُدَّعِىٍ إذا لم تُعَارِضْها بَيِّنَةٌ أُخْرَى. فإنْ ادَّعَى مَنْ هى فى يَدِه، أنَّها معه بإجَارَةٍ أو عَارِيَّةٍ، وأقامَ بَيِّنَةً بالمِلْكِ للغائِبِ، لم يُقْضَ بها؛ لوَجْهَيْن؛ أحدُهما، أَنَّ ثُبُوتَ الإِجَارَةِ والعَارِيَّةِ يتَرَتَّبُ على المِلْكِ للمُؤْجِرِ، [ولا يُمْكِنُ ثُبوت المِلْكِ للمُؤْجِرِ](22) بهذه البَيِّنَةِ، فلا تثْبُتُ الإِجَارَةُ المتَرَتِّبَةُ عليها. والثانى، أَنَّ بَيِّنَةَ الخَارِجِ مُقَدَّمَةٌ على بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، ويتَخَرَّجُ (23) القَضاءُ بها على رِوايةِ (24) تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، وكوْنِ الحَاضِرِ له فيها حَقٌّ؛ [فإنَّه يُقضَى بها، وَجْهًا واحِدًا](25). ومتى عاد المُقِرُّ بها لغيْرِه، فادَّعاها لنَفْسِه، لم تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لأنَّه أَقَرَّ بأنَّه لا يمْلِكُها، فلا يُسْمَعُ منه الرُّجُوعُ عن إِقْرَارِهِ. والحكْمُ فى غيرِ المُكَلَّفِ، كالحُكْمِ فى الغَائِبِ، على ما ذكَرْنَا.
(19) فى أ، ب، م:"مع المدعى".
(20)
سقط من: ب. نقل نظر.
(21)
فى الأصل، ب، م:"والخارج".
(22)
سقط من: م. نقل نظر.
(23)
فى م: "ويخرج".
(24)
سقط من: ب، م.
(25)
سقط من: الأصل، أ، ب.