الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحد، وهو الضم فقط فيهما، حيث يقول: لم أسمع أحدا من العرب يقول:
يطعن بالرمح، ولا في الحسب، إنما سمعت يطعن
(1)
-يعني بالضم- والمراد بالطعن -هنا-: جرح الراوي باللسان، والتكلم فيه من ناحية عدالته ودينه، ومن ناحية ضبطه وحفظه وتيقظه.
تنبيه:
الكلام في الرواة ليس من الغيبة المحرمة، بل هو أمر جائز بإجماع أهل العلم
(2)
، وقد أوجبه بعضهم للحاجة إليه
(3)
، قال الحسن بن علي الإسكافي
(4)
: سألت أحمد بن حنبل عن معنى الغيبة؟ فقال: إذا لم ترد عيب الرجل. قلت: فالرجل يقول: فلان لم يسمع، وفلان يخطئ؟ قال: لو ترك الناس هذا لم يعرف الصحيح من غيره
(5)
.
والكلام في الرجال قديم قدم الحديث نفسه، فقد تكلم الرسول صلى الله عليه وسلم
= صنف: معاني القرآن، الآثار في القراءات، وغيرهما، مات بالري سنة تسع وثمانين ومائة.
انظر: المعارف لابن قتيبة ص 545، أنباه الرواة للقفطي 2/ 256 - 274.
(1)
تهذيب اللغة 2/ 177، لسان العرب مادة "طعن".
(2)
نقل الإجماع على ذلك النووي في "رياض الصالحين" ص 581، وانظر: الرفع والتكميل في الجرح والتعديل ص 45.
(3)
عده العز بن عبد السلام في قواعده 2/ 173 من البدع الواجبة.
(4)
هو: الحسن بن علي بن الحسن بن علي الإسكافي أبو علي، جليل القدر، عنده عن الإمام أحمد مسائل صالحة حسان كبار، أغرب فيها على أصحابه، ولم أقف على سنة وفاته.
انظر: طبقات الحنابلة 1/ 136 - 137، المنهج الأحمد 1/ 283.
(5)
انظر: طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 1/ 137، المسودة في أصول الفقة لآل تيمية ص 280.
فيهم، من ذلك قوله:"بئس أخو العشيرة"
(1)
. كما تكلم فيهم كثير من الصحابة والتابعين، لكنه بقلة، لقلة الضعف في أهل تلك الأزمان، فلا يكاد يوجد في القرن الأول الذي انقرض فيه الصحابة وكبار التابعين ضعيف إلَّا الواحد بعد الواحد
(2)
، ثم ازداد بعد ذلك وانتشر حتى أصبح علما مستقلا صنفت فيه المصنفات العظيمة.
كلّ هذا لا يعني إطلاق عنان اللسان بجرح الرجال من غير حاجة، فإن ذلك إنما جوز للضرورة الشرعية، ولهذا حكم العلماء بأنه لا يجوز الجرح بما فوق الحاجة، قال السخاوي: لا يجوز التجريح بشيئين إذا حصل بواحد
(3)
.
ولهذا تجنب العلماء الكلام في كثير من المتأخرين الذين لا يترتب على معرفتهم صحة حديث أو ضعفه، لذلك نجد الذهبي
(4)
في مقدمة الميزان يقول: لا أورد من قد تكلم فيه من المتأخرين إلَّا من قد تبين ضعفه، واتضح أمره من الرواة، إذ العمدة في زماننا ليس على الرواة؛ بل على المحدثين والمقيدين، والذين عرفت عدالتهم وصدقهم في ضبط أسماء
(1)
هذا جزء من حديث أخرجة البخاري مطولا 9/ 452، 471 مع الفتح، ومسلم 16/ 144 مع النووي، وأبو داود رقم 4792، وأحمد في المسند 6/ 38.
(2)
انظر: فتح المغيث للسخاوي 3/ 318 نقلا عن المذهبي.
(3)
المصدر السابق 3/ 325.
(4)
هو الإمام الحافظ محدث العصر، وخاتمة الحفاظ، ومؤرخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني ثم الدمشقي.
له: تاريخ الإسلام، سير أعلام النبلاء، تذكرة الحفاظ، ميزان الاعتدال، وغيرها. توفي سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.
انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي ص 517 - 518.
السامعين
…
والحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر هو رأس سنة ثلاثمائة
(1)
.
إذا علم أنه ليس كلّ شخص ينبغي أن يعرض على ميزان الجرح والتعديل، فكذلك ليس كلّ شخص مؤهلا لأن يجرح ويعدل، بل لا بد من توافر شروط اشترطها العلماء في الناقد للرجال، والمتكلم فيهم، كالعلم والتقوى والورع والصدق والتجنب عن التعصب، ومعرفة أسباب الجرح والتزكية
(2)
.
قال الحافظ ابن حجر: ينبغي أن لا يقبل الجرح والتعديل إلا من عدل متيقظ
(3)
. وقال أيضًا: إن صدر الجرح من غير عارف بالأسباب لم يعتبر به
(4)
.
وقال الشيخ عبد العلي اللكنوى
(5)
: لا بد للمزكي أن يكون عدلا عارفا بأسباب الجرح والتعديل، وأن يكون منصفا ناصحا، لا أن يكون متعصبا ومعجبا بنفسه، فإنه لا اعتداد بقول المتعصب
(6)
.
(1)
مقدمة الميزان 1/ 4، مقدمة المغني في الضعفاء 1/ 4.
(2)
انظر: الرفع والتكميل في الجرح والتعديل ص 52.
(3)
شرح نخبة الفكر ص 154.
(4)
المصدر السابق ص 155.
(5)
هو: عبد العلي محمد بن نظام الدين محمد اللكنوي أبو العباس الملقب ببحر العلوم، الفقيه الحنفي الأصولي المنطقي.
من مؤلفاته: فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت، تنوير المنار، رسائل الأركان في الفقه، وغيرها. توفي سنة ثمانين ومائة وألف.
انظر: الفتح المبين في طبقات الأصوليين 3/ 132.
(6)
فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 2/ 154 مع المستصفى.
إذا علم هذا كله؛ فينبغي أن يعلم أنه ليس كل جرح مقبولا؛ إذ لابد أن يكون الجرح مفسرا مبينا سببه، وذلل لأن الناس مختلفون في أسباب الجرح، فيطلق أحدهم الجرح بناء على ما اعتقده جرحا، وليس بجرح في نفس الأمر
(1)
، نقل هذا الخطيب البغدادي عن الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده، كالبخاري ومسلم وأبي داود، وصوبه الخطيب، واختاره ابن الصلاح والنووي
(2)
.
لكن اختار جمع من أهل العلم أنه لا يجب ذكر السبب إذا كان الجارح أو المعدل عالما بأسباب الجرح والتعديل، ومن هؤلاء: الحافظ ابن كثير، والعراقي، والبلقيني، والسخاوي
(3)
.
أما الحافظ ابن حجر، فقد اختار تفصيلا حسنا، وهو: إن كان من جرح مجملا قد وثقه أحد من أئمة هذا الشأن لم يقبل الجرح فيه من أحد كائنا من كان إلا مفسرا، لأنه قد ثبتت له رتبة الثقة، فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي، وإن خلا عن التعديل قبل الجرح فيه غير مفسر إذا صدر من
(1)
عقد الخطيب البغدادي في الكفاية ص 181 - 186 بابا ذكر فيه بعض أخبار من استفسر في الجرح، فذكر ما لا يسقط العدالة.
من ذلك أنه قيل لشعبة: لم تركت حديث فلان؟ قال: رأيته يركض على برذون فتركت حديثه. ومعلوم أن هذا ليس بجرح موجب لتركه.
وأورد ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" 2/ 153 - 163 شيئًا منها وحكم بأنه لا يلتفت إليها، ولا يعرج عليها، وحمل بعضها على أنها خرجت عن غضب من قائلها.
(2)
انظر: الكفاية ص 179، علوم الحديث لابن الصلاح ص 96 - 97، والتقريب للنووي مع التدريب ص 202.
(3)
انظر: اختصار علوم الحديث لابن كثير ص 79، التقييد والإيضاح للعراقي ص 141، محاسن الاصطلاح ص 221، فتح المغيث 3/ 328.