الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم رواية المبتدع:
اختلف العلماء في الرواية عن المبتدعة كالمرجئة، والقدرية، والخوارج
(1)
والرافضة
(2)
، وغيرهم، وفي الاحتجاج بما يروونه علي أقوال:-
الأول: يرى جماعة من أهل العلم أن رواية أهل البدع لا تقبل مطلقا؛ وذلك لأنهم إما كفار، وإما فساق بما ذهبوا إليه، وكل من الكافر والفاسق مردود الرواية.
وقد روي هذا القول عن الإمام مالك
(3)
، والقاضي أبي بكر الباقلاني
(4)
، واختاره الآمدي
(5)
، وجزم به ابن الحاجب
(6)
.
(1)
الخوارج: هم الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- رضي الله عنه وفارقوه بسبب التحكيم، وكانوا اثني عشر ألفا، فأرسل إليهم ابن عباس-رضي الله عنهما فجادلهم ووعظهم فرجع بعضهم وأصر الباقون على المخالفة، وهم سبع فرق.
انظر: الملل والنحل للشهرستاني 1/ 114 - 138، لوامع الأنوار البهية للسفاريني 1/ 86 - 89
(2)
الرافضة: فرقة من الشيعة، سموا بذلك لأنهم رفضوا زيد بن علي بعد أن قالوا له: تبرأ من الشيخين -أبي بكر وعمر- فأبى، وقال: كانا وزيري جدي فتركوه، والنسبة إليهم رافضي، وهم فرق كثيرة.
انظر القاموس المحيط مادة "رفض"، الفرق بين الفرق ص 21 - 24.
(3)
انظر: الكفاية ص 194، شرح تنقيح الفصول للقرافي ص 360.
(4)
هو: محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر القاضي أبو بكر البصري، كان ثقة عارفا بالكلام، صنف الرد على الرافضة، المعتزلة والخوارج والجهمية، والتمهيد، وغيرهما. توفي سنة ثلاث وأربعمائة.
انظر: وفيات الأعيان 4/ 269 - 270، الوافي بالوفيات 3/ 177.
(5)
انظر: الأحكام للآمدي 2/ 83، منتهى السول له 1/ 80.
(6)
انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 62 - 63 مع شرح العضد وحواشيه.
واحتج لهذا الرأي بأن في الرواية عن المبتدع ترويجا لأمره، وتنويها بذكره
(1)
.
وقد رد الحافظ ابن الصلاح هذا الرأي، وقال: إنه مباعد للشائع عن أئمة الحديث، فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة
(2)
.
الثاني: يرى جماعة من أهل النقل والمتكلمين أن أخبار أهل الأهواء كلها مقبولة، سواء كانوا فساقا أو كفارا بالتأويل
(3)
.
واختار هذا القول أبو الحسين البصري معللا بأن الظن بصدقه غير زائل
(4)
.
وقال الحافظ ابن حجر: التحقيق أن لا يرد كل مكفر ببدعته، لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة، وقد تبالغ فتكفر مخالفيها، فلو أخذ ذلك علي الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف
(5)
.
الثالث: يرى بعض أهل العلم التفصيل: فإن كانت البدعة صغرى، كغلو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرف، قبلت مروياته، وبه قال الذهبي وعلل قوله بأنه لو ردت مرويات هذا النوع، لذهب جملة
(1)
توضيح الأفكار للصنعاني 2/ 234.
(2)
علوم الحديث لابن الصلاح ص 104.
(3)
انظر: الكفاية للخطيب البغدادي ص 195.
(4)
المعتمد في أصول الفقه 2/ 618.
(5)
شرح النخبة ص 101، أما الحافظ ابن الصلاح فلم يدخل من كفر ببدعته في الخلاف.
انظر: علوم الحديث له ص 103، وقد نقل النووي الاتفاق على عدم قبول رواية من كفر ببدعته انظر: شرحه على صحيح مسلم 1/ 60.
من الآثار النبوية وفيه مفسدة بينة، لأن هذا النوع كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق.
وقال: وإن كانت البدعة كبرى كالرفض الكامل، والغلو فيه، والحط علي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة
(1)
.
الرابع: تفصيل أيضا: إن كان داعية إلئ مذهبه لم يقبل
(2)
، وإلا قبل إن لم يرو ما يقوي بدعته
(3)
، وهو مذهب أكثر العلماء
(4)
، ونسبه الخطيب البغدادي للامام أحمد بن حنبل
(5)
، ورجحه ابن الصلاح
(6)
.
لكن يضعف هذا الرأي رواية البخاري
(7)
عن عمران بن حطان
(8)
(1)
انظر: ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 5 - 6، وذكر فيه أن الشيعي الغالي في زمان السلف من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية، وطائفة ممن حارب عليا وتعرض لسبه.
(2)
انظر المجروحين لابن حبان 1/ 81 - 82.
(3)
شرح نخبة الفكر ص 103.
(4)
شرح النووي على مسلم 1/ 60، وانظر: الكرماني على البخاري 1/ 77.
(5)
انظر: الكفاية ص 195.
(6)
علوم الحديث ص 103 - 104، لكن ابن حزم خطأ هذا القول وقال: إنه قول بلا برهان، لأنه لا يخلو المخالف للحق أن يكون معذورا بأنه لم تقم عليه الحجة، أو غير معذور، لأنه قامت عليه الحجة .. فالداعية وغير الداعية سواء .. الخ.
انظر الإحكام في أصول الأحكام 4/ 581.
(7)
انظر: صحيح البخاري 10/ 285، 385 مع الفتح.
(8)
هو: عمران بن حطان السدوسي البصري الخارجي، قال الذهبي: صدوق في نفسه، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال قتادة: لا يتهم في الحديث. مات سنة أربع وثمانين.
انظر: ميزان الاعتدال للذهبي 3/ 235 - 236.
الذي قال فيه المبرد
(1)
: كان عمران رأس القعدية
(2)
من الصفرية
(3)
وخطيبهم وشاعرهم
(4)
. وقال ابن حجر: إنه كان داعية إلى مذهبه
(5)
.
الخامس: تفصيل أيضًا: وهو إن كان المبتدع يستحل الكذب لنصرة مذهبه لم يقبل، وإلا قبل، لأن اعتقاد حرمة الكذب يمنع من الإقدام عليه فيحصل صدقه.
وممن قال بهذا القول الإمام الشافعي، فقد روى عنه الخطيب البغدادي قوله: وتقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة،
(1)
هو: محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عمير الثمالي الأزدي البصري المعروف بالمبرد النحوي اللغوي الأديب أبو العباس.
له: الاشتقاق، معاني القرآن، الكامل، المقتضب، وغيرها. توفي سنة خمس وثمانين ومائتين.
انظر: مروج الذهب 4/ 264، معجم الأدباء 19/ 111 - 122.
(2)
القعدية أو القعدة: قوم من الخوارج قعدوا عن نصرة علي رضي الله عنه وعن مقاتلته.
انظر تاج العروس مادة "قعد".
(3)
الصفرية: طائفة من الخوارج ينسبون إلى زياد بن الأصفر، وهم أقرب فرق الخوارج إلى الحق، إذ لم يكفروا من يأتي كبيرة فيها حد بخلاف ما ليس فيه حد، واستدلوا بالإضافة إلى القرآن بالحديث.
انظر: الفرق بين الفرق ص 90 - 91، تاريخ الفرق الإسلامية ص 282.
(4)
الكامل للمبرد 3/ 895.
(5)
هدي الساري مقدمة فتح الباري ص 432، وقد أجيب عن تخريج البخاري حديث عمران بن حطان بأجوبة، منها:
أ- قيل: إنما خرج له ما حمل عنه قبل ابتداعه.
ب- وقيل: إنه رجع في آخر عمره عن رأي الخوارج.
جـ - وقيل: إنه خرج له في المتابعات، لا في الأصول، وهو المعتمد.
انظر: هدي الساري ص 433، فتح الباري 10/ 290، فتح المغيث 1/ 309.
لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم
(1)
.
وحكاه الخطيب عن ابن أبي ليلى
(2)
، وسفيان الثوري، وأبي يوسف القاضي
(3)
و
(4)
.
ونسبه الحاكم لأكثر أئمة الحديث
(5)
، وقال الفخر الرازي: إنه الحق
(6)
.
(1)
الكفاية ص 194 - 195، وانظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص 103، فتح المغيث 1/ 304 - 305، تدريب الراوي ص 217، الطرق الحكمية لابن القيم ص 173، شرح النووي على مسلم 7/ 160.
لكن الذي في آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم ص 187، والحلية لأبي نعيم 9/ 114، السنن الكبرى للبيهقي 10/ 208 عن الشافعي بلفظ: لم أر أحدا من أصحاب الأهواء أشهد بالزور من الرافضة.
وانظر: الأم للشافعي 6/ 205 - 206.
(2)
هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة، قال الثوري: فقهاؤنا ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، مات سنة ثمان وأربعين ومائة.
انظر: أخبار القضاة لوكيع 3/ 129 - 143، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 84.
(3)
هو: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي الإمام المجتهد العلامة المحدث صاحب أبي حنيفة وأنبل تلامذته وأعلمهم، قال ابن معين: ما رأيت في أصحاب الرأي أثبت في الحديث، ولا أحفظ ولا أصح رواية من أبي يوسف. توفى سنة اثنتين وثمانين ومائة.
انظر: أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري ص 90 - 102، سير أعلام النبلاء للذهبي 8/ 470 - 473.
(4)
انظر: الكفاية ص 195، أخبار القضاة لوكيع 3/ 133، وفيه: كان ابن أبي ليلى لا يجيز شهادة الرافضة.
(5)
انظر: المدخل للحاكم ص 96 مع المجموعة الكمالية رقم (2).
(6)
المحصول للرازي جـ 2 ق 1 ص 567 بتحقيق الدكتور/ طه العلواني.