الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما ادعاها دعوى
(1)
!.
الحديث الثالث:
" الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنة، وهي شفاء من السم".
هذا حديث صحيح أخرجه الترمذي
(2)
، وأخرج جزأه الأول البخاري ومسلم وأحمد والترمذي
(3)
.
ومع صحة سند هذا الحديث وجودته حيث لا يوجد فيه راو متهم ولا مجروح، فإن الكمأة مع ذلك جربت لأوجاع العين فوجدت نافعة لكثير من أمراضها، فهذا أبو هريرة يقول: أخذت ثلاثة أكمؤ أو خمسا أو سبعا فعصرتهن فجعلت ماءهن في قارورة فكحلت به جارية لي فبرأت
(4)
.
وها هو النووي يرى أن بعض علماء زمانه كان قد عمي وذهب بصره، فاكتحل بماء الكمأة مجردا فشفي، وهو شيخ له صلاح ورواية للحديث، وهو الشيخ العدل الأيمن الكمال بن عبد -ضد الحر- الدمشقي
(5)
(6)
.
(1)
عناية المحدثين بمتن الحديث مقال للدكتور محمود الطحان نشر في مجلة كلية أصول الدين العدد الأول سنة 1397 هـ ص 147 - 148.
(2)
سنن الترمذي رقم 2069.
(3)
البخاري 8/ 163، 303 مع الفتح، مسلم 14/ 3 مع النووي، الترمذي رقم 2068، المسند 1/ 188.
(4)
انظر: سنن الترمذي رقم 2070، وصحح الحافظ إسناده.
انظر: فتح الباري 10/ 165.
(5)
هو: كمال الدين بن عبد العزيز بن عبد المنعم بن الخضر يعرف بابن عبد -بغير إضافة- الحارثي الدمشقي، من أصحاب أبي طاهر الخشوعي، مات سنة اثنتين وسبعين وستمائة.
انظر: فتح الباري 10/ 165.
(6)
انظر: شرح النووي على مسلم 14/ 5، والكرماني على البخاري 17/ 8.
وقد بحثه الأطباء فاعترفوا بصحته، وقد نقل الذهبي إجماعهم على أن ماء الكمأة يجلو البصر
(1)
.
ونقل ابن القيم عن فضلاء الأطباء أن ماءها يجلو العين
(2)
.
وقال داود
(3)
في تذكرته: إن ماء الكمأة يجلو البياض كحلا
(4)
.
قال الدكتور مصطفى السباعي
(5)
: فها أنت ترى أن العلماء لم يقصروا في التجربة، وأن الأطباء لم يقصروا في البحث، ومع ذلك فلم يرض مؤلف "فجر الإِسلام" إلا أن يأتي كل مسلم إلى كمية من الكمأة ثم
(1)
انظر: الطب النبوي للذهبي ص 91 بهامش تسهيل المنافع.
(2)
انظر: زاد المعاد لابن القيم 4/ 361.
(3)
هو: الرئيس داود بن عمر الأنطاكي الأصل، رحل إلى الأناضول ثم إلى دمشق، فالقاهرة، الضرير.
له: تذكرة أولي الألباب، النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان وتعديل الأمزجة، تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشاق، شرح قصيدة ابن سينا في الروح، وغيرها، توفي سنة ثمان وألف.
انظر: ريحانة الألباء للخفاجي 2/ 117 - 119، تاريخ آداب اللغة 3/ 338 - 339.
(4)
تذكرة داود الأنطاكي في الطب 1/ 252.
(5)
هو: مصطفى بن حسني السباعي، ولد في حمص سنة 1333 هـ، وفيها نشأ وترعرع وتلقى تعليمه حتى ما قبل الجامعة، وأتم دراسته الجامعية في كلية الثسريعة بالأزهر، ونال شهادة الدكتوراه في التشريع الإسلامي عام 1368 هـ، درس في كلية الحقوق، وأسندت إليه عمادة كلية الشريعة بجامعة دمشق، وقاد العديد من الحركات الإسلامية في سوريا.
له: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، اشتراكية الإسلام، المرأة بين الفقه والقانون، هكذا علمتني الحياة وغيرها، توفي سنة 1964 م.
انظر: علماء ومفكرون عرفتهم للمجذوب ص 357 - 389.
يعصرها ويقطر عينه بمائها، فإن أصابهم العمى جميعا كان الحديث مكذوبا، وإلا كان صحيحا .. ونحن نسأله؟ أن أبا هريرة والنووي والأطباء قديما جربوا الكمأة فوجدوها نافعة للعين، فهل قام هو بمثل هذه التجربة فأصابه مكروه؟ أم هل سمع أن أحدا فعل ذلك فأصابه مكروه؟ وهل استقرأ جميع جزئيات الكمأة على اختلاف أنواعها فوجدها تخالف الحديث؟ ولو سلمنا أنه قام بمثل هذه التجربة فلم تنجح، أليس لنا أن نسأله: هل تحققت أن الكمأة التي حللتها وقمت بتجربتها هي عين الكمأة التي تنبت في أرض الحجاز في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي أخبر الحديث عن خاصيتها؟ وهل بلغ الطب اليوم نهايته حتى إذا خالف الحديث جاز لكم أن تحكموا بكذب الحديث ووضعه؟
(1)
.
وأخيرا ليس بغريب أن تتعرض سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمصدر الثاني من مصادر التشريع الإِسلامي لهذه الحملة المسعورة والهجوم العنيف من أعداء الإِسلام فقد وجد هذا في عصر الرسالة المحمدية، والرسول صلى الله عليه وسلم حي، فهذه قريش تنهى عبد الله بن عمرو بن العاص عن الكتابة معللة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا، فأمسك عن الكتابة، وقد تولى الرسول صلى الله عليه وسلم الإِجابة بنفسه عن هذه الشبهة قائلا لعبد الله بن عمرو:"اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إِلا حق"
(2)
. يعني: فمه.
وهذا الإِمام الشافعي يذكر أن بعض من ينتسب إلى العلم ناقشه في مسألة السنة والاحتجاج بها زاعما أن القرآن يكفي مستدلا بقوله تعالى:
(1)
السنة ومكانتها في التشريع ص 286.
(2)
رواه أحمد 2/ 192، وأبو داود رقم 3646، والدارمي 1/ 103، والخطيب البغدادي في تقييد العلم ص 74 - 83، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1/ 71.
{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} الآية
(1)
. على أن القرآن قد حوى كل شيء فلسنا بحاجة إلى غيره.
وقد أجاب الإِمام الشافعي عن هذه الشبهة: بإن الله تعالى قد نص على السنة في كتابه الكريم في قوله: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} الآية
(2)
.
والحكمة هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالقرآن الكريم قد احتوى على سنته عليه الصلاة والسلام حين نص على أنها جزء من التبليغ للرسالة. فإذا كان القرآن قد اشتمل على السنة؛ وجب علينا أن نأخذ بها؛ وألا نكون كمن آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعضه:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} الآية
(3)
إلخ
(4)
.
وما زالت الاتهامات تتابع على السنة، والأقواس تسدد في نحرها على مر العصور حتى تسلم زمام حلبة هذا الصراع الملاحدة المتأخرون، ومن يسمون بالمستشرقين، ولا عجب أن يصدر منهم هذا، لأن قصدهم النيل من الإِسلام وتشكيك أهله فيه، لكن الأمر المستغرب أن ينزج في هذه الحلبة ثلة ممن يدعون الإِسلام فيقلدون أولئك المغرضين بلا بصيرة ولا تدبر ومن غير فهم لمراد أولئك.
(1)
الآية 89 من سورة النحل.
(2)
الآية 2 من سورة الجمعة.
(3)
الآية 85 من سورة البقرة.
(4)
جماع العلم للشافعي المطبوع مع الأم له 7/ 273 - 274.