الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني حكم الرواية عن الضعفاء
يجد المطالع لكتب السنة النبوية أن بعض هذه الكتب يورد أحاديث ضعيفة من غير بيان لضعفها غالبا، ويندر أن يذكر البعض درجة الحديث، لكن الكثير من العلماء يذكرونها بأسانيدها معتمدين على فهم القارئ ومقدرته على معرفة الصحيح من الضعيف، وتمييزه بين ما يحتج به وما لا يحتج به، وهم وإن كانوا معذورين بالنسبة لوقتهم ومعرفتهم بأهل زمانهم وثقتهم بهم، إلا أن المسلمين في الأوقات المتأخرة جلهم وغالبهم لا يحسن التصرف والبحث ليتوصل إلى الحكم على حديث ما بأنه صحيح أو ضعيف، حتى كثير ممن ينتسب إلى العلم منهم، وقد تنبه لذلك الإِمام مسلم رحمه الله وشنع على رواة الأحاديث الضعيفة والمنكرة الذين يقذفون بها إلى العوام، وأوجب رواية ما عرفت صحته، حيث يقول رحمه الله في مقدمة صحيحه: اعلم وفقك الله تعالى أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها من المتهمين، أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه والستارة
(1)
في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع، والدليل على أن الذي قلنا من هذا هو اللازم دون ما خالفه قول الله جل ذكره: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
(1)
الستارة بكسر السين هي ما يستتر به، وكذلك السترة، وهي هنا: إشارة إلى الصيانة.
انظر: شرح النووي على مسلم 1/ 60
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}
(1)
. وقال جل ثناؤه: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} الآية
(2)
. وقال عز وجل: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} الآية
(3)
. فدل بما ذكرنا من هذه الآي أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول، وأن شهادة غير العدل مردودة، والخبر وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه
(4)
فقد يجتمعان في أعظم معانيهما إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم، كما أن شهادته مردودة عند جميعهم، ودلت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار كنحو دلالة القرآن على نفي خبر الفاسق، وهو الأثر المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"
(5)
(6)
.
ولئن كان هذا ما يراه الإِمام مسلم فإن جمهور العلماء من المحدثين وغيرهم أجازوا رواية ما سوى الموضوع، وما يقاربه من غير بيان ضعفه، وذلك شريطة أن تكون في غير العقائد من أسماء الله وصفاته، وأحكام الحرام والحلال كأن تروى في الترغيب والترهيب والقصص والمواعظ ونحو ذلك
(7)
.
قال ابن عبد البر: أهل العلم بجماعتهم يتساهلون في الفضائل
(1)
الآية 6 من سورة الحجرات.
(2)
من الآية 282 من سورة البقرة.
(3)
الآية 2 من سورة الطلاق.
(4)
انظر: بعض الفروق بين الشهادة والرواية في كتاب "الرسالة" للإمام الشافعي ص 372 - 393.
(5)
تقدم تخريجه ص 269 من هذه الرسالة.
(6)
مقدمة صحيح مسلم 1/ 60 - 62 بشرح النووي.
(7)
انظر: علوم الحديث ص 93، فتح المغيث 1/ 267.