الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقدمة في الاحتجاج بالسنة النبوية
السنة النبوية هي الأصل الثاني من أصول التّشريع الإسلامي، وقد أجمع من يعتد به من أهل العلم على أنها مستقلة بتشريع الأحكام، وأنها كالقرآن في تحليل الحلال، وتحريم الحرام.
قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الآية
(1)
(2)
. وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} الآية
(3)
.
وروى الإِمام مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"تركت فيكم أمرين: لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه"
(4)
.
وفي السنن عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا ندري ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه"
(5)
.
(1)
الآية 7 من سورة الحشر.
(2)
الآية 63 من سورة النور.
(3)
الآية 59 من سورة النساء.
(4)
رواه مالك في الموطأ 2/ 899.
(5)
رواه أبو داود رقم 4605، الترمذي رقم 2665، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه رقم 13، الحاكم في المستدرك 1/ 108 - 109.
وفي رواية: "وأن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله"
(1)
.
وقال الإمام الشافعي: وإذا ثبت عن رسول الله الشيء فهو اللازم لجميع من عرفه، لا يقويه ولا يوهنه شيء غيره، بل الفرض الذي على الناس اتباعه، ولم يجعل الله لأحد معه أمرًا يخالف أمره
(2)
.
وقال السيوطي: من أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولًا كان أو فعلًا بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام، وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة، روى الإمام الشافعي رضي الله عنه يومًا حديثًا، وقال: إنه صحيح، فقال له قائل: أتقول به يا أبا عبد الله؟ فاضطرب وقال: يا هذا أرأيتني نصرانيًا، رأيتني خارجًا من كنيسة، أرأيت في وسطي زنارا. أروي حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول به؟!
(3)
.
والحاصل أن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في دين الإسلام
(4)
.
وأما ما ورد عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إِن رحا الإِسلام دائرة قال: فكيف يصنع يا رسول الله؟ قال: أعرضوا حديثي على الكتاب، فما وافقه
(1)
سنن الترمذي رقم 2666.
(2)
الرسالة للإمام الشافعي ص 330.
(3)
مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة للسيوطي ص 2 - 3 المطبوع مع المجلد الثاني من مجموعة الرسائل المنيرية.
(4)
انظر: إرشاد الفحول للشوكاني ص 33.
فهو مني وأنا قلته"
(1)
.
فقد قال الخطابي: هو حديث باطل لا أصل له، وقال يحيى بن معين: هذا حديث وضعته الزنادقة
(2)
.
وكون السنة كالقرآن في تحليل الحلال وتحريم الحرام لا يعني أنَّهما في درجة واحدة من حيث الثبوت، فإن السنة تختلف عن الكتاب في هذا، لأن الكتاب كله قطعي الثبوت، ولا مجال للاختلاف فيه من هذا الجانب، أما السنة فإن فيها ما هو قطعي وهو المتواتر، وحكمه إفادة العلم القطعي الضروري
(3)
، وفيها ما هو ظني وهو الآحاد على خلاف في الصحيح لذاته هل يوجب العلم أو الظن؟
(4)
.
وأما الحسن: فإنه وإن أفاد الظن إلا أنه موجب للعمل كالصحيح عند الجماهير لترجح جانب الإصابة فيه
(5)
.
وأما الحديث الضعيف، فلما كان مترددا بين أن يكون راويه قد حفظه وأداه على وجهه، وبين أن يكون قد أخل فيه لضعف ضبطه وسوء
(1)
الحديث: رواه الطبراني في معجمه الكبير 2/ 94، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 170: فيه يزيد بن ربيعة وهو متروك منكر الحديث. وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على الرسالة للإمام الشافعي ص 224: هذا المعنى لم يرد فيه حديث صحيح ولا حسن، بل وردت فيه ألفاظ كثيرة كلها موضوع أو بالغ الغاية في الضعف حتى لا يصلح شيء منها للاحتجاج أو الاستشهاد.
(2)
معالم السنن لأبي سليمان الخطابي 7/ 9، وانظر: عون المعبود 2/ 356 - 357، الأحكام لابن حزم 2/ 197 - 200.
(3)
انظر: ص 26، 28 من هذه الرسالة.
(4)
انظر: ص 39، 41 من هذه الرسالة.
(5)
انظر: ص 42 من هذه الرسالة.
حفظه، كان مثار اختلاف كبير بين العلماء في قبوله ورده، وهذا الاختلاف وإن تناول الأحكام والفضائل والتفسير والمغازي والسير وغيرها، فإنه لا يتناول العقائد كمعرفة الله تعالى وتوحيدة وأسمائه وصفاته وجزائه وقضائه وقدره، وإذ لا قائل به في ذلك، وقد اختلفوا في قبول خبر الآحاد وإن صح في هذا المجال، أولًا يقبل فيه إلا المتواتر، لكن الراجح في هذه المسألة هو قبول خبر الآحاد إذا صح في العقائد
(1)
، ولذلك نجد ابن القيم يقسم الأخبار المقبولة في باب الأمور الخبرية -أي: العقائدية- إلى أربعة أقسام:
أحدها: متواتر لفظًا ومعنى.
الثاني: أخبار متواترة معنى، وإن لم تتواتر بلفظ واحد.
الثالث: أخبار مستفيضة متلقاة بالقبول بين الأمة.
الرابع: أخبار آحاد مروية بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط عن مثله حتى تنتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
.
فالحديث الضعيف لا مدخل له في مجال العقائد، فاقتصرت في بحثي على حكم الاحتجاج بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، والأحكام والتفسير والمغازي والسير، وقد قسمته إلى فصلين:
الفصل الأول: في حكم الاحتجاج بالحدبث الضعيف في الفضائل والأحكام.
الفصل الثاني: في حكم الاحتجاج بالضعيف في التفسير والقراءة لكتاب الله، والمغازي.
(1)
انظر: لوامع الأنوار البهية للسفاريني 1/ 19 - 20.
(2)
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم 2/ 470، اختصار الشيخ الفاضل محمد بن الموصلي رحمه الله.