الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى ضوء هذا الاختلاف تنازع الحافظ أبو العلاء الهمذاني
(1)
، والشيخ أبو الفرج بن الجوزي، هل في مسند الإمام أحمد بن حنبل حديث موضوع أم لا؟ فأنكر أبو العلاء أن يكون في المسند حديث موضوع، وأثبت ذلك أبو الفرج، وبين أن فيه أحاديث قد علم أنها باطلة.
ولا منافاة بين القولين، فإن اصطلاح ابن الجوزي عدم اشتراط تعمد الكذب بخلاف أبي العلاء الهمداني، فإنه يريد بالموضوع المختلق المصنوع الذي تعمد صاحبه الكذب، ومثل هذا فإن الإمام أحمد لم يروه في مسنده عنه، بخلاف من قد يغلط في الحديث، ولا يتعمد الكذب، فإن هؤلاء توجد الرواية عنهم في السنن، ومسند الإمام أحمد ونحوه
(2)
.
حكم الكذب على رسول الله:
أجمع من يعتد بقوله من المسلمين على تحريم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحكم بأنه من كبائر الذنوب، لما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم من قوله:"من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"
(3)
.
(1)
هو: الحافظ المقرئ شيخ الإسلام الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن مسهل العطار، شيخ همذان، أبو العلاء، قال السمعاني: حافظ متقن ومقرئ فاضل حسن السيرة، مرضي الطريقة، عزيز النفس، سخي بما يملكه، مكرم للغرباء.
له تصانيف، منها: زاد المسافر، مات سنة تسع وستين وخمسمائة.
انظر: تذكرة الحفاظ اللذهبي 4/ 1324 - 1328.
(2)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 1/ 248 - 249.
(3)
تقدم تخريجه ص 23 من هذه الرسالة، وانظر -أيضًا- ص 124.
بل نقل أبو المعالي الجويني
(1)
عن أبيه
(2)
تكفير من يضع الحديث، لكن أبا المعالي، ضعف هذا القول، وقال: إنه لم يره لأحد من الأصحاب وأنه هفوة عظيمة
(3)
.
وقد نقل الذهبي عن ابن الجوزي قوله: ولا ريب أن الكذب على الله وعلى رسوله في تحليل حرام أو تحريم حلال كفر محض، وإنما الشأن في الكذب عليه فيما سوى ذلك
(4)
.
ولا عبرة بما ذهب إليه محمد بن كرام السجستاني
(5)
من إباحة وضع الأحاديث المتضمنة للترغيب في الطاعة، والتنفير من المعصية، دون ما يتعلق به حكم من أحكام الشريعة، مؤولين حديث: "من كذب
(1)
هو: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني إمام الحرمين الحبر البحر النظار الأصولي المتكلم.
من تصانيفه: الشامل في أصول الدين، البرهان، الورقات في أصول الفقه، الإرشاد، وغيرها. توفي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
انظر: الطبقات الكبرى للسبكي 5/ 165 - 222.
(2)
هو: عبد الله بن يوسف بن عبد الله الجويني، الإمام الفقيه الأصولي الأديب، المفسر، أوحد زمانه.
له: التبصرة والتذكرة، ومختصر المختصر، التفسير الكبير، توفي سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة. انظر: تبيين كذب القري لابن عساكر ص 257 - 258، وطبقات الشافعية الكبرى 5/ 73 - 93.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 69.
(4)
الكبائر للذهبي ص 70، الزواجر لابن حجر الهيثمي 1/ 97.
(5)
هو: محمد بن كرام السجستاني أبو عبد الله العابد، امام الكرامية، ورد نيسابور، فحبسه طاهر بن عبد الله، ثم ذهب إلى ثغور الشام، ثم عاد إلى نيسابور فحبسه محمد بن طاهر، فطال حبسه، مات سنة خمس وخمسين ومائتين.
انظر: الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل 1/ 296.
عليّ
…
" الحديث. بقولهم: إنا نكذب له، ولسنا نكذب عليه.
ومستدلين بما ورد في بعض طرق الحديث من زيادة، وهي: "من كذب عليّ ليضل به الناس
…
" الحديث
(1)
.
ولا شك أن هذا قول متهافت عرضه يكفي عن الرد عليه، لأن تأويلهم للحديث جهل باللغة العربية مع مناقضته لإجماع من يعتد بإجماعه من المسلمين، ومع ذلك فهو في غاية السخف، فإن الدين الإسلامي ليس بحاجة إلى كذابين ودجالين ليروجوه، فقد أكمله الله تعالى قبل وفاة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى {
…
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ
…
} الآية
(2)
.
وأما الزيادة التي استدلوا بها، فهي غير ثابتة، وعلى تقدير ثبوتها، فليست اللام فيها للعلة، بل للصيرورة، كما فسر قوله تعالى: {
…
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ
…
} الآية
(3)
. والمعنى: أن مآل أمره إلى الإضلال، أو هو من تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر، فلا مفهوم له، كقوله تعالى: {
…
لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً .... } الآية
(4)
. وقوله {
…
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} الآية
(5)
.
فإن قتل الأولاد، ومضاعفة الربا، والإضلال في هذه الآياتِ إنما هو
(1)
أخرجه البزار من حديث ابن مسعود./ انظر كشف الأسَتار من زوائد البزار 1/ 114، مجمع الزوائد 1/ 144.
(2)
الآية 3 من سورة المائدة.
(3)
الآية 944 من سورة الأنعام.
(4)
الآية 130 من سورة آل عمران.
(5)
الآية 151 من سورة الأنعام.
لتأكيد الأمر فيها، لا لاختصاص الحكم
(1)
.
قال الغزالي: وقد ظن ظانون أنه يجوز وضع الأحاديث في فضائل الأعمال، وفي التشديد في المعاصي، وزعموا أن القصد منه صحيح، وهو خطأ محض؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم:"من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار". وهذا لا يرتكب إلا لضرورة، ولا ضرورة إذ في الصدق مندوحة عن الكذب، ففيما ورد من الآيات والأخبار كفاية عن غيرها، وقول القائل: إن ذلك قد تكرر على الأسماع، وسقط وقعه، وما هو جديد فوقعه أعظم، فهذا هوس، إذ ليس هذا من الأغراض التي تقاوم محذور الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الله تعالي، ويؤدي فتح بابه إلى أمور تشوش الشريعة، فلا يقاوم خير هذا شره أصلا، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر التي لا يقومها شيء، نسأل الله العفو عنا وعن جميع المسلمين
(2)
.
إذا تقرر هذا، فمن كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدا في حديث واحد فسق، وردت رواياته كلها، وبطل الاحتجاج بها جميعا.
فإن تاب من ذلك فقد اختلف العلماء في قبول روايته على قولين:
الأول: ذهب جماعة من العلماء، منهم الإمام أحمد بن حنبل، وأبو
(1)
انظر: فتح الباري 1/ 200.
(2)
إحياء علوم الدين للغزالي 3/ 136، وانظر: شرحه إتحاف السادة المتقين 7/ 527 - 528.
بكر الحميدي
(1)
-شيخ البخاري-، وأبو بكر الصيرفي
(2)
إلى أن توبته لا تؤثر في ذلك، ولا تقبل روايته أبدا، بل يحتم جرحه دائما
(3)
.
الثاني: يرى آخرون، أن توبته صحيحة، وروايته مقبولة إذا صحت توبته، ورجحه الإمام النووي، وقال: أنه الجاري على قواعد الشرع، وقاسه على رواية الكافر إذا أسلم، وضعف الرأي الأول
(4)
.
إذا كان سبب الطعن في الراوي هو الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن حديثه يسمى: الموضوع المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زورا وبهتانا. وقد استنكر العلماء على الخطابي وابن الصلاح قولهما: إنه شر الأحاديث الضعيفة
(5)
، لأن الموضوع ليس من الحديث النبوي
(6)
،
(1)
هو: عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي الحميدي المكي أبو بكر ثقة حافظ فقيه، أجل أصحاب ابن عيينة، كان البخاري إذا وجد حديثا عنده لا يعدوه إلى غيره، مات سنة تسع عشرة ومائتين.
انظر: تقريب التهذيب 1/ 415.
(2)
هو: أبو بكر محمد بن عبد الله البغدادىِ الصيرفي، كان إماما في الفقه والأصول، قال القفال الشاشي: كان الصيرفي أعلم الناس بأصول الفقه بعد الشافعي.
من تصانيفه: شرح الرسالة، كتاب في الإجماع، آخر في الشروط، توفي سنة ثلاثين وثلاثمائة انظر: طبقات الشافعية للسبكي 3/ 186 - 187، ولابن هداية الله ص 63.
(3)
انظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص 104.
(4)
شرح النووي على مسلم 1/ 69 - 70.
(5)
انظر: معالم السنن للخطابي 1/ 11، علوم الحديث ص 89.
(6)
بل هو على العكس من ذلك، فإنه أشد خطرا على الدين، وأنكى ضررا بالمسلمين من تعصب أهل المشرقين والمغربين، لأنه يبعث على التطرف الذي يزيح الأمة الإسلامية عن =