الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاختلاط: هو عدم انتظام القول
(1)
.
وفائدة دراسة الرواة المختلطين تمييز المقبول من حديثهم من غير المقبول، لذلك نبهوا على أن هذا فن عزير مهم
(2)
.
حكم رواية سيء الحفظ:
إن كان سيء الحفظ من النوع الأول الملازم، فحديثه مردود، هذا ما ذهب إليه المحققون، قال يحيى بن سعيد: إذا حدثكم المعتمر بن سليمان
(3)
بشيء فأعرضوه، فإنه سيء الحفظ
(4)
.
وإن كان من النوع الثاني، وهو المختلط، فإن تمييز ما حدث به قبل الاختلاط قبل؛ وإن لم يتميز توقف فيه، وكذا من اشتبه الأمر فيه.
ويعرف ذلك باعتبار الآخذين عنه ليعلم متى أخذوا، أو أين أخذوا، وكيف أخذوا، فمنهم من سمع قبل الاختلاط فقط، ومنهم من سمع بعد الاختلاط فقط، ومنهم من سمع في الحالين مع التمييز
(5)
. فحديث الأول: مقبول، وحديث الثاني: مردود، والثالث: فيه تفصيل.
(1)
انظر: الحاوي في الطب لأبي بكر الرازي 1/ 333.
(2)
فتح المغيث للسخاوي 3/ 331.
(3)
هو: المعتمر بن سليمان التيمي أبو محمد البصري، يلقب بالطفيل، أحد الأعلام، وثقه أبو حاتم، مات سنة سبع وثمانين ومائة.
انظر: التقريب 2/ 263، الخلاصة 3/ 83.
(4)
الكفاية للخطيب الغدادي ص 333.
(5)
انظر: شرح النخبة ص 104 - 105، وشرحه ص 162، والاغتباط ص 366 مع المجموعة الكمالية رقم 2.
ومثال ذلك: عطاء بن السائب
(1)
، اختلط في آخر عمره.
فيمن سمع منه قبل الاختلاط شعبة وسفيان الثوري.
وممن سمع منه بعد الاختلاط جرير بن عبد الحميد
(2)
.
وممن سمع منه في الحالين معا أبو عوانة
(3)
، فلم يحتج بحديثه عنه
(4)
.
فإذا عرفنا أن حديث سيء الحفظ مردود، فليعلم أنه قابل للانجبار، والارتفاع إلى درجة القبول، وذلك بورود متنه من طريق آخر، سواء كان بلفظه أو معناه، فيصير من قبيل الحسن لغيره، لا لذاته، بل باعتبار مجموع الطرق، لأن مع كل واحد منهم احتمال كون روايته صوابًا أو غير صواب على حد سواء، فإذا جاءت من المعتبرين رواية موافقة لأحدهما رجح أحد الجانبين من الاحتمالين المذكورين، ودل ذلك على أن الحديث
(1)
هو: عطاء بن السائب الثقفي الكوفي أحد الإعلام على لين فيه، قال أحمد: ثقة ثقة، رجل صالح يختم القرآن كل ليلة، مات سنة ست وثلاثين ومائة.
انظر: الكاشف للذهبي 2/ 265.
(2)
هو: جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها، ثقة صحيح الكتاب، قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه، مات سنة ثمان وثمانين ومائة.
انظر: تقريب التهذيب 1/ 127.
(3)
هو: أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري مولى زيد بن عطاء الواسطي، يقال: إنه من سبي جرجان، قال ابن مهدي: كتاب أبي عوانة أثبت من حفظ هشيم، وقال أبو زرعة: ثقة إذا حدث من كتابه، مات سنة سبعين ومائة.
انظر: تاريخ جرجان للسهمي ص 557 - 558، تهذيب الكمال للمزي الورقة 731 مخطوط.
(4)
انظر: الكفاية ص 219، تهذيب التهذيب 7/ 205، شرح شرح النخبة ص 162.
محفوظ
(1)
.
ومثال ذلك: ما رواه الترمذي عن عاصم بن عبيد الله
(2)
، قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة
(3)
عن أبيه
(4)
: أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ قالت: نعم. فأجاز
(5)
.
قال الترمذي: وفي الباب عن عمر وأبي هريرة وعائشة وأبي حدرد
(6)
. وعاصم بن عبيد الله ضعيف لسوء حفظه
(7)
، وقد حسن الترمذي له هذا الحديث لمجيئه من غير وجه.
ومثل سيء الحفظ: فاحش الغلط، وكثير الغفلة، والمدلس،
(1)
انظر: شرح النخبة ص 105.
(2)
هو: عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، قال ابن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم: منكر الحديث مضطرب الحديث، مات في أول خلافة أبي العباس السفاح.
انظر: التاريخ لابن معين 3/ 183، تهذيب التهذيب 5/ 46 - 49.
(3)
هو: عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي -بسكون النون- حليف بني عدي، صحابي صغير، مات سنة خمس وثمانين.
انظر: الإصابة 4/ 138 - 139، الخلاصة 2/ 69.
(4)
هو: عامر بن ربيعة العنزي العدوي أسلم قديما بمكة، وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة وشهد بدرا وسائر المشاهد، توفي سنة ثلاث وثلاثين.
انظر: الاستيعاب 2/ 790 - 791، تجريد أسماء الصحابة 1/ 284.
(5)
رواه الترمذي رقم 1113، وابن ماجه رقم 1888، وأحمد 3/ 445 - 446.
(6)
هو: أبو حدرد الأسلمي قيل: اسمه سلامة بن عمير بن أبي سلامة وقيل: عبد، وقيل: عتبة، له صحبة يعد في أهل الحجاز، مات سنة إحدى وسبعين.
انظر: أسد الغابة 6/ 69 - 70، الإصابة 7/ 86 - 87.
(7)
انظر: المجروحين لابن حبان 2/ 127.
والمرسل وغيرهم ممن كان ضعفه بسبب حفظ راويه الصدوق الأمين.
أما إذا كان الضعف في الحديث لفسق الراوي أو كذبه، فهذا النوع لا يؤثر فيه موافقة غيره له، إذا كان الآخر مثله، لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن أن يرفعه إلى درجة الحسن
(1)
.
أما الضعيف لجهالة راويه، فإنه يرتقي إلى درجة الاحتجاج بعمل السلف، وسكوتهم عند اشتهار روايته كعملهم، إذ لا يسكتون عن منكر
(2)
يستطيعون إنكاره
(3)
.
وخلاصة القول: أن العدالة والضبط إما أن يجتمعا في الراوي أو ينتفيا عنه، أو يوجد فيه العدالة وحدها، أو الضبط وحده.
فإن انتفيا لم يقبل حديثه أصلًا. وإن اجتمعا فيه قبل.
وإن وجدت فيه العدالة دون الضبط، توقف القبول فيه على شاهد أو متابع ليجبر ما فات من صفة الضبط.
وإن وجد فيه الضبط دون العدالة -كالفاسق- لم يقبل حديثه، لأن العدالة هي الركن الأكبر في الرواية
(4)
.
وبهذا القدر وبانتهاء الكلام على مسالك الضعف في الحديث ينتهي الباب الأول، ويليه الباب الثاني في "حكم الاحتجاج بالحديث الضعيف"، ونسأل الله سبحانه وتعالى الإعانة على إتمامه بمنه وكرمه.
(1)
انظر: التحرير في أصول الفقه للكمال بن الهمام ص 318، تدريب الراوي ص 104.
(2)
التحرير في أصول الفقه لابن الهمام ص 318.
(3)
تيسير التحرير 3/ 51.
(4)
انظر: توجيه النظر ص 30.