الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني:
" من اصطبح كل يوم سبع تمرات من عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إِلى الليل".
هذا حديث صحيح أخرجه البخاري في كتاب الطب بلفظ: "من اصطبح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يضره سم ولا سحر ذلك اليوم إِلى الليل"
(1)
.
وفي كتاب الأطعمة بلفظ: "من تصبح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر"
(2)
.
وأحمد أمين في طعنه في هذا الحديث مسبوق، فقد قال المازري
(3)
: نفع التمر من السم لا يعقل معناه في حكم الطب، ولو قدر على أن يخرج له وجه من الطب لم يقدر على وجه تخصيص ذلك بالعجوة، ولا بعدد السبع، ولعل هذا كان لأهل زمنه أو لأكثرهم، إذ لم يثبت عندي استمرار وقوع الشفاء بذلك غالبا في زمننا، وإن وجد ذلك في زمننا في أكثر الناس حمل على أنه أراد وصف غالب الحال
(4)
.
(1)
صحيح البخاري 10/ 238 مع الفتح.
(2)
المصدر السابق 9/ 569، صحيح مسلم 14/ 2 مع النووي.
(3)
هو: محمد بن علي بن عمر بن محمد أبو عبد الله التميمي المازري الفقيه المالكي المحدث، أحد الأئمة الأعلام.
له: المعلم بفوائد صحيح مسلم، إيضاح المحصول في الأصول، وغيرهما، توفي سنة ست وثلاثين وخمسمائة.
انظر: الوافي بالوفيات للصفدي 4/ 151.
(4)
انظر: شرح الأبي على مسلم 5/ 353.
وقد وجه القاضي عياض تخصيص العدد بالسبع قائلا: وأما التخصيص بهذا العدد فجاء في الشرع منه كثير، فجاء في هذا، وفي قوله:"صبوا عليه من سبع قرب"
(1)
، وفي غسل الإِناء من ولوغ الكلب سبعا
(2)
، وفي قوله:{أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} الآية
(3)
. وهو مبالغة في كثرة عدد الأوتار والأشفاع، لأنه زاد على نصف العشرة، وفيه ثلاثة أشفاع، وأوتار أربعة، فجمع الوتر والشفع، كما أن السبعين مبالغة في كثرة العشرات في قوله تعالى:{إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} الآية
(4)
. كما أن السبعمائة مبالغة في كثرة المئين في قوله: "إلى سبعمائة ضعف"
(5)
، وقد توضع السبع موضع التكثير، ولا يراد بها السبع حقيقة
(6)
.
أما الإِمام النووي فقد رد هذين القولين -قول المازري والقاضي عياض- وأبطلهما، وأوصى بعدم الالتفات إليهما أو التعريج عليهما، وقال: إن تخصيص عدد السبع من الأمور التي علمها الشارع، ولا نعلم نحن حكمتها، فيجب الإِيمان بها واعتقاد فضلها والحكمة فيها، وهذا
(1)
رواه البخاري 1/ 302 مع الفتح بلفظ: "أهريقوا"، وأحمد 6/ 151.
(2)
أخرجه البخاري 1/ 274 مع الفتح، ومسلم 3/ 182 - 183، مع النووي، وأبو داود رقم 71 - 74، والترمذي رقم 91، والنسائي 1/ 54، وابن ماجه رقم 363، 364، وابن خزيمة 1 - 50/ 51.
(3)
الآية 261 من سورة البقرة.
(4)
الآية 80 من سورة التوبة.
(5)
في قوله صلى الله عليه وسلم: "الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف". الحديث رواه البخاري 1/ 98 مع الفتح، والنسائي 8/ 105 - 106، وابن ماجه رقم 1638، والإمام مالك في الموطأ 1/ 310.
(6)
انظر: الأبي على مسلم 5/ 354، فتح الباري 10/ 240.
كأعداد الصلوات، ونصب الزكاة وغيرها
(1)
.
وممن استشكل هذا الحديث من المعاصرين محمود أبو رية
(2)
، لكن رد عليه الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة حيث يقول: لم يذكر لنا فيلسوفنا وجه استنكاره، الأجل أن في العجوة شفاء من السم؟ وليته علم أن من عفن الخبز استخرج البنسلين الذي هو خير علاج للجروح، ومن تراب المقابر استخرج السلفانا ميد ومشتقاتها خير علافي للتعفنات أيضا
…
إلخ
(3)
.
وللعلماء في هذا الحديث مسالك:
فمنهم من جعل هذا الحديث خاصا بتمر المدينة عملا برواية مسلم: "من أكل سبع تمرات مما بين لا بتيها"
(4)
، قالوا: ولا مانع أن يخص الله بلدا بميزة لا تكون في غيرها، لتأثير يكون في تلك الأرض، أو ذلك الهواء ببركة النبي صلى الله عليه وسلم، وببركة يده الكريمة، لأنه روي أنه صلى الله عليه وسلم غرس العجوة بيده، وهذا مثل وضعه الجريدتين على قبور المعذبين في قبورهما
(5)
، وكان ببركة وضعه لهما تخفيف العذاب عنهما ما لم ييبسا
(6)
.
(1)
شرح النووي على مسلم 14/ 3.
(2)
انظر: أضواء على السنة ص 223، 226،
(3)
ظلمات أبي رية ص 225.
(4)
مسلم 14/ 2 بشرح النووي.
(5)
رواه البخاري 1/ 317 مع الفتح، ومسلم 3/ 200 - 201 مع النووي، وأبو داود رقم 20، والنسائي 1/ 28 - 30، والترمذي رقم 70، وابن ماجه رقم 347.
(6)
الطب النبوي للذهبي ص 49 - 50 بهامش تسهيل المنافع.
ومنهم من قال: هذا عام في كل عجوة، لأن السموم إنما تقتل لإِفراط برودتها، فإن داوم على التصبح بالعجوة تحكمت فيه الحرارة، وأعانتها الحرارة الغريزية، فقاوم ذلك برودة السم ما لم يستحكم
(1)
.
هذا وقد نشرت بعض البحوث العلمية التي تدل على أن البلح، ومنه العجوة فيه شفاء لكثير من الأمراض، ومن هذه الأبحاث مانشرته جريدة الأهرام تحت عنوان "البلح علاج لأمراض العيون والجلد والأنيميا والنزيف ولين العظام والبواسير، ويساعد على الولادة بسهولة" ثم قالت ما يلي: أثبتت الأبحاث العلمية التي أجريت أخيرا في المركز القومي للبحوث أن البلح غذاء كامل، ويفيد في وقاية الجسم وعلاجه من أمراض العيون وضعف البصر، وعلاج الأمراض الجلدية كالبلاجرا وأمراض الأنيميا وحالات النزيف ولين العظام والبواسير ويساعد المرأة الحامل على الولادة بسهولة
(2)
.
فإذا ثبتت هذه الخواص للتمر، فهل جرب الأستاذ أحمد أمين أو سمع من جرب بأن شخصا داوم على تناول سبع تمرات من العجوة كل يوم على الريق ثم دس له سم فأثر عليه ذلك السم؟ إذا كان هو لم يجرب ولم يرو لنا أن غيره جرب، فمن أين وصل إلى هذه النتيجة، وهي قوله: دلت المشاهدة التجريبية على أنه غير صحيح؟ سبحان الله أي مشاهدة تجريبية هذه التي دلته على ذلك، وهو لم يبين لنا متى كانت، ومع من كانت،
(1)
السنة ومكانتها في التشريع للدكتور مصطفى السباعي ص 283.
(2)
جريدة الأهرام العدد 27905 لسنة 89 بتاريخ 12/ 12/ 1382 هـ الموافق 6 مايو سنة 1963 م ص 4.