الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يؤمن أن يستهتر في نقل الحديث النبوي
(1)
.
فهذه الخصال إذا توافرت في الراوي، عرفت عدالته، وكان صادقا، لأنها إذا اجتمعت حملت صاحبها على الصدق، وصرفته عن الكذب، لما اجتمع فيه من الدوافع الدينية والاجتماعية والنفسية، مع الإدراك التام بتصرفاته وتحمل المسئولية.
ثبوت العدالة:
تثبت العدالة للراوي بأحد أمرين: -
الأول: أن ينص علماء الجرح والتعديل على عدالته، وهل يكفي في التعديل قول واحد، أو لا بد من اثنين؟ فيه قولان لأهل العلم: -
1 -
اختار الخطيب البغدادي، وغيره أنه يكفي قول واحد، لأن العدد لم يشترط في قبول الخبر، فلم يشترط في جرح راويه وتعديله. وقال ابن الصلاح: هو الصحيح
(2)
.
2 -
يرى بعض الفقهاء أنه لا يقبل في التزكية إلا اثنان، سواء كانت التزكية للشهادة أو للرواية
(3)
.
والذي يظهر لي: الاكتفاء بواحد فيمن لا جرح فيه؛ لاسيما إذا كان المعدل من الأئمة المعتدلين في تعديلهم، لا من المتسامحين، ولا
(1)
انظر: المستصفى للغزالي ص 182، وتيسير التحرير 3/ 44، وانظر: الشروط مجملة في علوم الحديث لابن الصلاح ص 94، وقارن به الرسالة للإمام الشافعي ص 370 - 371.
(2)
الكفاية للخطيب البغدادي ص 161، علوم الحديث لابن الصلاح ص 98 - 99.
(3)
الكفاية ص 160، التقييد والإيضاح ص 142.
المتشددين
(1)
.
أما من اجتمع فيه جرح وتعديل، فإن كانا مبهمين، قدم التعديل، وإن كان الجرح مفسرا والتعديل مبهما، قدم الجرح، لأن مع الجارح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل، وإن كان التعديل مفسرا أيضًا بأن يقول المعدل: عرفت السبب الذي ذكره الجارح، ولكنه تاب وحسنت حالته، فإنه حينئذ يقدم التعديل
(2)
.
الثاني: تثبت العدالة بالاستفاضة والشهرة، فإذا اشتهر الراوي بالصدق واستقامة الأمر، والبصيرة، والفهم؛ فلا يحتاج أن يسأل عنه أئمة الجرح والتعديل؛ وذلك كالإمام مالك بن أنس، والسفيانين، وشعبة، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، ومن جرى مجراهم في نباهة الذكر واشتهار الأمر
(3)
.
أما ما يراه ابن عبد البر من أن كل حامل علم معروف العناية به، فأمره محمول على العدالة حتى يتبين جرحه
(4)
، محتجا بما روي عنه عليه الصلاة والسلام: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف
(1)
يعد الإمام أحمد بن حنبل، والدارقطني، وابن عدي من المعتدلين، كما يعد الترمذي، والحاكم من المتسامحين، ويعد يحيى القطان، وأبو حاتم، والنسائي من المتشددين.
انظر: قواعد في علوم الحديث للتهانوي ص 178 - 179، فتح المغيث 3/ 325 - 326، وانظر: فتح الباري 11/ 441.
(2)
تدريب الراوي للسيوطي ص 204 - 205.
(3)
انظر: الكفاية ص 147، والتحرير لابن الهمام ص 317، قواعد في علوم الحديث ص 210 - 211.
(4)
انظر: التمهيد لابن عبد البر 1/ 28.
الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"
(1)
.
ووافقه على هذا القول ابن المواق
(2)
من المتأخرين
(3)
.
فهو قول غير مرضي، لأن الحديث غير صحيح، قال الحافظ ابن حجر: قد أورد ابن عدي
(4)
هذا الحديث من طرق كلها ضعيفة
(5)
.
وعلى تقدير ثبوته، إنما يصح الاستدلال به لو كان خبرا، ولا يصح حمله على الخبرية، لوجود من يحمل العلم، وهو غير عدل، وغير ثقة، فيلزم من هذا الخلف في الخبر، فلم يبق له محمل إلا على الأمر، والمعنى ليحمل هذا العلم، ففيه أمر للثقات بحمل العلم، لأن العلم إنما
(1)
الحديث وصله ابن عبد البر في التمهيد 1/ 58 - 60، والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث ص 28 - 29، ونسبه العجلوني في كشف الخفاء 1/ 119 للطبراني، وانظر: مقدمة الكامل لابن عدي ص 231 - 233.
(2)
هو: عبد الله بن المواق المغربي المحدث الحافظ الأصولي.
من تآليفه: بغية النقاد في أصول الحديث. مات سنة سبع وتسعين وثمانمائة.
انظر: معجم المؤلفين 6/ 157.
(3)
انظر: تدريب الراوي ص 199.
(4)
هو: أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد الحافظ المتقن الذي لم يكن في زمانه مثله. له: الانتصار على أبواب مختصر المزني، الكامل في ضعفاء الرجال، وغيرها، توفي سنة خمس وستين وثلاثمائة.
انظر: تاريخ جرجان للسهمي ص 287 - 292، تذكرة الحفاظ للذهبي 3/ 940 - 942.
(5)
انظر: الإصابة في ترجمة إبراهيم بن عبد الرحمن العذري 1/ 225 - 226، وقال السيوطي في التدريب ص 200: والحديث من الطريق الذي أورده ابن عبد البر مرسل أو معضل، وإبراهيم الذي أرسله، قال فيه ابن القطان: لا نعرفه البتة، ومعان أيضًا ضعفه ابن معين، وأبو حاتم، وابن حبان، وابن عدي، والجوزجاني. أ. هـ.
يقبل عنهم، لأن المفروض أن العلم الشرعي لا يشتغل به إلا من يريد به وجه الله والدار الآخرة، الذي يحمله شعوره هذا على التزام الإسلام قولا وعملًا، ظاهرا وباطنا.
إذا توافرت شروط العدالة آنفة الذكر في شخص ما، فإنه يكون عدلا يقبل حديثه إذا انضم إليها صفة الضبط التي سيأتي الحديث عنها، أما إذا اختل شرط من شروط العدالة، فالراوي مطعون فيه، ضعيف عند المحدثين.
هذا وأوجه الطعن المتعلقة بانتفاء العدالة خمسة، هي: -
أولا: الكذب.
ثانيا: التهمة بالكذب.
ثالثا: الفسق.
رابعا: البدعة.
خامسا: الجهالة.
وإليك الكلام على هذه الأوجه واحدا تلو الآخر، وما يسمى به حديث كل واحد ممن اتصف بصفة من هذه الصفات: -