الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيروونها عن كل أحد، وإنما يتشددون في أحاديث الأحكام
(1)
.
وقد تقدم ترجيح ما يراه الإمام مسلم وغيره من التسوية بين الأحكام والفضائل، وأنه لا يقبل فيها الضعيف
(2)
.
الجواب عن رواية كبار الأئمة عن الضعفاء:
لعل قائلا يقول بعد أن قرأ تشنيع الإِمام مسلم على الرواة عن الضعفاء ومخرجي الأحاديث الضعيفة: ما الفائدة التي تعود على الأمة الإِسلامية من رواية هذه الأحاديث الضعيفة وتخريجها في أمهات كتب الحديث باستثناء الصحيحين؟
فالجواب: أن رواية الضعيف مع بيان ضعفه له فوائد عديدة، منها:
1 -
أن أولئك الأئمة رووها ليعرفوها، وليبينوا ضعفها لئلا يلتبس عليهم في وقت آخر، أو على غيرهم، أو لئلا يتشكك أحد في صحتها.
قال سفيان الثوري: إني أحب أن أكتب الحديث على ثلاثة أوجه: حديث اكتبه أريد أن أتخذه دينا، وحديث رجل أكتبه فأوقفه لا أطرحه ولا أدين به، وحديث رجل ضعيف أحب أن أعرفه ولا أعبأ به
(3)
.
2 -
أن الضعيف يكتب حديثه ليعتبر به أو يستشهد، كما في المتابعات، وإن لم يحتج به على انفراده، قال أحمد: قد أكتب حديث الرجل لأعتبره، ومثل هذا بعبد الله بن لهيعة قاضي مصر
(4)
.
(1)
جامع بيان العلم وفضله 1/ 22.
(2)
انظر: ص 303 من هذه الرسالة.
(3)
جامع بيان العلم وفضله 1/ 76.
(4)
مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية 13/ 352.
3 -
أن روايات الراوي الضعيف يكون فيها الصحيح والضعيف والباطل، فيكتبونها ثم يميز أهل الحديث والإِتقان بعض ذلك من بعض، وذلك سهل عليهم معروف عندهم، وبهذا احتج سفيان الثوري حين نهي عن الرواية عن الكلبي، فقيل له: أنت تروي عنه؟ فقال: أنا أعرف صدقه من كذبه.
4 -
أنهم قد يروون عن الضعفاء أحاديث الترغيب والترهيب، وفضائل الأعمال والقصص وأحاديث الزهد ومكارم الاخلاق ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال والحرام وسائر الأحكام، وهذا الضرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل فيه، ورواية ما سوى الموضوع منه والعمل به
(1)
.
وقد تقدم أن الراجح هو التسوية بين أحاديث الأحكام والفضائل
(2)
.
قال الحاكم: ولعل قائلا يقول: وما الغرض في تخريج ما لا يصح سنده ويعدل رواته؟
الجواب في ذلك من أوجه، وهي: أن الجرح والتعديل يختلف فيهما، وربما عدل إمام وجرح غيره، وكذلك الإِرسال يختلف فيه، فمن الائمة الماضين كانوا يحدثون عن الثقات وغيرهم، فإذا سئلوا عنهم بينوا أحوالهم
…
ثم قال: وللأئمة في ذلك غرض ظاهر، وهو أن يعرفوا الحديث من أين مخرجه، والمنفود به عدل أو مجروح
…
إلخ
(3)
.
(1)
شرح النووي على مسلم 1/ 125 - 126، قواعد التحديث للقاسمي ص 914 - 116.
(2)
انظر: ص 303 من هذه الرسالة.
(3)
انظر: المدخل في أصول الحديث للحاكم ص 85 مع المجموعة الكمالية رقم 2.
وليعلم أن هذا التساهل من بعضهم مع ذكر السند، أما إذا حذف السند فيجب على كل مسلم أن يراعي الدقة في رواية الحديث الضعيف، فلا يرويه بصيغة الجزم كقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل بصيغة التمريض والتضعيف كروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أو بلغنا عنه كذا وكذا، أو ورد عنه، أو جاء عنه، أو روى بعضهم، وما أشبه ذلك، وهكذا الحكم فيما يشك في صحته وضعفه، وإنما يقال بصيغة الجزم فيما ظهرت صحته
(1)
.
ومراعاة الدقة في التعبير هي سمة المحدثين وصحيح البخاري خير شاهد لذلك، فنراه حينما يروي حديثًا بغير سند وهو صحيح يجزم بنسبته للرسول صلى الله عليه وسلم.
مثال ذلك: حديث: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه"
(2)
.
هكذا جزم البخاري بنسبة هذا العمل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لصحة الحديث، فقد رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه موصولا
(3)
.
وإذا علق حديثا وكان في نظره ضعيفا صدره بصيغة التمريض.
ومثال ذلك: قول الإِمام البخاري في باب مكث الإِمام في مصلاه بعد السلام: ولذكر عن أبي هريرة رفعه: "لا يتطوع الإِمام فىِ مكانه"، ولم يصح
(4)
.
(1)
انظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص 94، شرح النووي على مسلم 1/ 71.
(2)
صحيح البخاري 1/ 407 مع الفتح.
(3)
صحيح مسلم 4/ 68 مع النووي، سنن أبي داود رقم 18، الترمذي رقم 3381، ابن ماجه رقم 302.
(4)
تقدم تخريجه ص 72 من هذه الرسالة.