الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموضوع فجوزوا التساهل في إسناده وروايته من غير بيان لضعافه، إذا كان في غير الأحكام والعقائد، بل في الترغيب والترهيب من المواعظ والقصص وفضائل الأعمال ونحوها، أما إذا كان في الأحكام الشرعية من الحلال والحرام وغيرهما، أو في العقائد كصفات الله تعالي، وما يجوز وما يستحيل عليه، ونحو ذلك فلم يروا التساهل في ذلك
(1)
.
المراد بالضعيف عند هؤلاء الأئمة:
يرى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وابن علان
(2)
أن المراد بالضعيف في كلام الإمام أحمد وغيره هو الحديث الحسن، لا الضعيف الذي جرى عليه العلماء المتأخرون.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قولنا إن الحديث الضعيف خير من الرأي: ليس المراد به الضعيف المتروك، لكن المراد به الحسن، كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وحديث إبراهيم الهجري، وأمثالهما ممن يحسن الترمذي حديثه أو يصححه
(3)
.
وقال: وأول من عرف أنه قسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف
(1)
شرح ألفية العراقي له 1/ 291.
(2)
هو: محمد علي بن محمد بن إبراهيم بن علان البكري الصديقي الشافعي، أحد العلماء المفسرين والأثمة المحدثين.
له: ضياء السبيل إلى معالم التنزيل، شرح الأذكار، شرح رياض الصالحين، إعلام الإخوان بتحريم الدخان، وغيرها، توفي سنة سبع وخمسين وألف.
انظر: خلاصة الأثر للمحبي 4/ 184 - 189.
(3)
منهاج السنة النبوية لابن تيمية 2/ 191.
أبو عيسى الترمذي
(1)
.
وقال: والضعيف عندهم نوعان: ضعيف لا يحتج به، وهو الضعيف في اصطلاح الترمذي، والثاني: ضعيف يحتج به وهو الحسن في اصطلاح الترمذي، كما أن ضعف المرض عند الفقهاء نوعان:
نوع يجعل تبرعات صاحبه من الثلث، كما إذا صار صاحب فراش.
ونوع يكون تبرعات صاحبه من رأس المال كالمرض اليسير الذي لا يقطع صاحبه
(2)
.
وقال ابن القيم: ليس المراد بالضعيف عنده -يعني الإمام أحمد- الباطل ولا المنكر، ولا ما في رواته متهم بحيث لا يسوغ الذهاب إليه فالعمل به، فللحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح، وقسم من أقسام الحسن، ولم يكن يقسم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، بل إلى صحيح وضعيف
(3)
.
ونحو هذا الكلام لابن علان
(4)
.
ولي على هذا الكلام ملاحظتان:
الأولى: قولهم: المراد بالضعيف: الحسن فيه نظر، لأنه يلزم عليه أن هؤلاء الأئمة لا يحتجون بالحديث الحسن في الأحكام، وإنما يشترطون للأحكام الصحة، ويكتفون في أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب
(1)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام 18/ 23.
(2)
شرح حديث: "إنما الأعمال بالنيات" ص 11 - 12 المطبوع مع المجموعة الكمالية رقم 2.
(3)
إعلام الموقعين 1/ 31 - 32.
(4)
انظر: الفتوحات الربانية 1/ 86.
بالحديث الحسن، وهذا غير المعروف عن جماهير العلماء من الاحتجاج بالحديث الحسن في الأحكام وغيرها.
الثانية: قولهم: إن تقسيم الحديث إلى ثلاثة أقسام: صحيح وحسن وضعيف. لم يعرف قبل الإِمام الترمذي، وأن الحديث قبله إما صحيح، وإما ضعيف، ففيه نظر أيضًا، فقد ورد لفظ الحسن على لسان عدة من العلماء السابقين للترمذي من طبقة شيوخه وشيوخ شيوخه، وأمثلة ذلك كثيرة.
منها: قول علي بن المديني في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِني ممسك بحجزكم عن النار"
(1)
.
قال: هذا حديث حسن الإسناد
(2)
.
ومنها: قول الإمام البخاري في حديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من زرع في أرض قوم بغير إِذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته"
(3)
.
قال البخاري: هذا حديث حسن
(4)
.
ومنها: ما نقله ابن القيم عن الإمام أحمد من تحسين حديث ركانة في طلاقه امرأته ثلاثًا في مجلس واحد
(5)
.
(1)
رواه البخاري 11/ 316 مع الفتح، مسلم 15/ 49، 50 مع النووي، الترمذي رقم 2877 مطولا.
(2)
العلل لعلي بن المديني ص 102.
(3)
الحديث رواه أبو داود رقم 3403، الترمذي رقم 1366، وابن ماجة رقم 2466.
(4)
انظر: مقالة البخاري هذه في سنن الترمذي بعد روايته هذا الحديث.
(5)
رواه أبو داود رقم 2206، الترمذي رقم 1177، ابن ماجة رقم 2051.