الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم تفسير القرآن الكريم بالحديث الضعيف:
السنة النبوية من أهم المصادر التي يعتمد المفسر عليها، بل هي المصدر الثاني من هذه المصادر، قال شيخ الإِسلام ابن تيمية: فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب: إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان، فإنه قد فسر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الأمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن
(1)
.
وقال أبو جعفر الطبري: إن مما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك تأويل جميع ما فيه من وجوه أمره -واجبه وندبه وإرشاده- وصنوف نهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعض خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من أحكام آية التي لم يدرك علمها إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، وهذا وجه لا يجوز لأحد القول فيه إلا ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له تأويله بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها دالة أمته على تأويله
(2)
.
بل قد جعل الزركشي
(3)
السنة هي المأخذ الأول من مآخذ طالب
(1)
مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص 93.
(2)
تفسير الطبري 1/ 74.
(3)
هو: محمد بن بهادر بن عبد الله التركي الأصل، المصري بدر الدين الزركشي، عني بالفقه والأصول والحديث.
له: البحر المحيط في أصول الفقه، وشرع في شرح البخاري ولم يكمله وشرح =
التفسير
(1)
.
فإذا كان الأمر كذلك، فهل نفسر القرآن الكريم بكل ما سمعنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كان صحيحا أو ضعيفا، أو نقتصر على ما صح من ذلك؟
الأخير هو ما أوصانا به علماؤنا الأجلاء، قال الزركشي: يجب الحذر من الضعيف في التفسير، والموضوع، فإنه كثير، وإن سواد الأوراق سواد في القلب، قال الميموني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ثلاث ليس لها أصول: المغازي والملاحم والتفسير
(2)
.
قال المحققون من أصحابه: ومراده أن الغالب أنها ليس لها أسانيد صحاح متصلة، وإلا فقد صح من ذلك كثير
(3)
.
وحمله على الغالب هو الصحيح، لأن كتب السنة والتفسير كالصحيحين والموطأ وسنن الترمذي ومسند الإمام أحمد بن حنبل وتفسير الطبري وتفسير ابن أبي حاتم فيها الكثير من المروي في التفسير بسند صحيح.
وقال ابن علان: تفسير كلام الله تعالى لا يكون إلا بحديث صحيح أو حسن
(4)
.
= الأربعين النووية، وغيرها، توفي سنة أربع وتسعين وسبعمائة.
انظر: الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 17 - 18، شذرات الذهب 6/ 335.
(1)
البرهان في علوم القرآن 2/ 156.
(2)
انظر: مقدمة الكامل لابن عدي ص 191.
(3)
البرهان في علوم القرآن 2/ 156.
(4)
الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية 1/ 86.
وقال الشيخ علوي مالكي: لا يحتج بالضغيف في تفسير كلام الله تعالى، لأنه يتوقف على اعتقاد أن الله قصد بهذا اللفظ هذا المعنى، وهذا لابد فيه من حديث قوي دون الضعيف
(1)
.
فينبغي للمفسر أن يحذر من إيراد الأحاديث الضعيفة والموضوعة ويقتصر على ما صح عن نبي الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وفي هذا يقول الشيخ محمد حسين الذهبي: أما تفسير القرآن بالقرآن، أو بما ثبت من السنة الصحيحة فذلك مما لا خلاف في قبوله، لأنه لا يتطرق إليه الضعف، ولا يجد الشك إليه سبيلا، وأما ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ضعيف في سنده أو متنه، فذلك مردود غير مقبول لم تصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
وقال الزرقاني
(3)
: التفسير بالمأثور نوعان:
أحدهما: ما توافرت الأدلة على صحته وقبوله، وهذا لا يليق بأحد رده، ولا يجوز إهماله وإغفاله، ولا يجمل أن نجعله من الصوارف عن هدي القرآن، بل هو على العكس عامل من أقوى العوامل على الاهتداء بالقرآن
ثانيهما: ما لم يصح، وهذا يجب رده، ولا يجوز قبوله، ولا
(1)
المنهل اللطيف لعلوى مالكي ص 7.
(2)
التفسير والمفسرون 1/ 156.
(3)
هو: محمد عبد العظيم الزرقاني من علماء الأزهر بمصر، تخرج بكلية أصول الدين، وعمل بها مدرسا لعلوم القرآن والحديث.
له: مناهل العرفان في علوم القرآن، بحث في الدعوة والإرشاد وغيرهما، توفي سنة سبع وستين وثلاثمائة وألف.
انظر: الأعلام للزركلي 6/ 210 الطبعة الرابعة سنة 1979 م.
الاشتغال به، اللهم إلا لتمحيصه والتنبيه إلى ضلاله وخطئه حتى لا يغتر به أحد
(1)
. ومع هذا كله، فإننا نجد الكثير مما يروى في التفسير منسوبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتريه الضعف، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
1 -
روى الترمذي بسنده عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {كالمهل}
(2)
. قال: كعكر الزيت، فإذا قربه إلى وجهه سقطت فروة وجهه فيه
(3)
.
2 -
روى الطبراني في الأوسط عن سعد -يعني بن أبي وقاص- قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}
(4)
. قال: هم الذين يؤخرونها عن وقتها
(5)
.
3 -
روى البزار عن أبي ذر رفعه: إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح من ذهب مصمت مكتوب فيه: عجبت لمن أيقن بالقدر: لِمَ نصب؟ وعجبت لمن ذكر النار: لِمَ ضحك؟ وعجبت لمن ذكر الموت لِمَ غفل؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله
(6)
.
(1)
مناهل العرفان للزرقاني 1/ 493.
(2)
في قوله تعالى في سورة الكهف: آية 29: {كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} . وفي قوله تعالى: {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45)} الآية رقم 45 من سورة الدخان.
(3)
رواه أحمد 3/ 70 - 71، الترمذي رقم 2584، 3319 وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث رشيدين بن سعد، ورشيدين قد تكلم فيه.
(4)
الآية 5 من سورة الماعون.
(5)
انظر: تفسير ابن كثير 7/ 381، مجمع الزوائد 7/ 143، قال الهيثمي: فيه عكرمة بن إبراهيم، وهو ضعيف جدا.
(6)
انظر: تفسير ابن كثير 4/ 415، مجمع الزوائد 7/ 53 - 54، وفيه بشر بن المنذر =
4 -
روى ابن أبي حاتم عمن سمع أبا العالية الرياحي
(1)
يحدث عن أبي بن كعب قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسنى
(2)
قال: " الحسنى: الجنة"
(3)
.
وهو حديث ضعيف للجهل بمن سمع أبا العالية.
5 -
أورد القرطبي في تفسيره عن علي رضي الله عنه قال: لما نزلت: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}
(4)
. قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: "ما هذه النحيرة التي أمرني الله بها؟ قال: ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين هم في السماوات السبع، وأن لكل شيء زينة، وإن زينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة"
(5)
.
هكذا أورد القرطبي بدون تعليق، ومن غير بيان لضعفه، وقد حكم ابن الجوزي بأنه موضوع
(6)
، أما السيوطي فقد اكتفى بتضعيفه فقط، وأنه
= قاضي المصيصة، قال العقيلي: في حديثه وهم./ انظر: ترجمته في لسان الميزان لابن حجر 2/ 34.
(1)
هو: رفيع بن مهران أبو العالية الرياحي البصري، مخضرم إمام من الأئمة، مات سنة تسعين على الصحيح.
انظر: خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 1/ 330 - 331.
(2)
أي في قوله تعالى: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} آية 6 من سورة الليل.
(3)
انظر: تفسير ابن كثير 7/ 305.
(4)
الآية 2 من سورة الكوثر.
(5)
تفسير القرطبي 20/ 219.
(6)
انظر: الموضوعات لابن الجوزي 2/ 98 - 99.
لا يصل إلى درجة الموضوع
(1)
.
ويرى الشيخ الزرقاني أن أسباب ضعف التفسير المأثور يرجع إلى الأشياء الآتية:
1 -
ما دسه أعداء الإِسلام مثل: زنادقة اليهود والفرس، فقد أرادوا هدم هذا الدين المتين عن طريق الدس والوضع، حينما أعيتهم الحيل في النيل منه عن طريق الحرب والقوة، وعن طريق الدليل والحجة.
2 -
ما لفقه أصحاب المذاهب المتطرفة ترويجا لتطرفهم، كشيعة علي المتطرفين الذين نسبوا إليه ما هو منه بريء، وكالمتزلفين الذين حطبوا في حبل العباسيين فنسبوا إلى ابن عباس ما لم تصح نسبته إليه، تملقا لهم واستدرارا لدنياهم.
3 -
نقل كثير من الأقوال المعزوة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين من غير إسناد ولا تحر، مما أدى إلى التباس الحق بالباطل، زد على ذلك أن من يرى رأيا صار يعتمده دون أن يذكر له سندا، ثم يجيء من بعده فينقله على اعتبار أن له أصلا، ولا يكلف نفسه البحث عن أصل الرواية، ولا من يرجع إليه هذا القول.
4 -
أن تلك الروايات مليئة بالإِسرائيليات، ومنها كثير من الخرافات التي يقوم الدليل على بطلانها، ومنها ما يتعلق بأمور العقائد التي لا يجوز الأخذ فيها بالظن، ولا برواية الآحاد
(2)
. بل لا بد من دليل قاطع فيها، كالروايات التي تتحدث عن أشراط الساعة، وأهوال القيامة،
(1)
انظر: اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 2/ 20.
(2)
تقدم ذكر الخلاف في الاحتجاج بخبر الآحاد في أمور العقائد.
وأحوال الآخرة، تذكر على أنها اعتقاديات في الإِسلام
(1)
.
ولما كان دخول الإسرائيليات في تفسير القرآن سببا في ضعف التفسير المأثور، فإنه يحسن بنا أن نشير إليها إشارة عابرة، فنقول:
يراد بالإِسرائيليات في اصطلاح علماء الإِسلام لفظ يطلق على القصص والأساطير التي تنسب إلى أصل يهودي أو نصراني.
وقد اختلفت وجهات نظر المفسرين تجاه هذه الإِسرائيليات، وما يروى عن أهل الكتاب، فنجد البرهان البقاعي
(2)
يرى أهميتها ويدافع عنها حيث يقول:
فإن أنكر منكر الاستشهاد بالتوراة أو الإِنجيل تلوت عليه قول الله تعالى استشهادا على كذب اليهود: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
(3)
. وقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} الآية
(4)
. في آيات من أمثال ذلك كثيرة.
= انظر: ص 248، 249 من هذه الرسالة.
(1)
انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن 1/ 491 - 492.
(2)
هو: إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط الخرباوي البقاعي برهان الدين أبو الحسن الشافعي، المحدث المفسر العلامة المؤرخ.
له: المناسبات القرآنية، عنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران، تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي، وغيرها، توفي سنة خمس وثمانين وثمانمائة.
انظر: الضوء اللامع للسخاوي 1/ 101 - 111، شذرات الذهب لابن العماد 7/ 339 - 340.
(3)
الآية 93 من سورة آل عمران.
(4)
الآية 48 من سورة المائدة.
وذكرته باستشهاد النبي صلى الله عليه وسلم بالتوراة في قصة الزاني
(1)
، وروى الشيخان عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تكون الأرض يوم القيامة خبزة نزلا لأهل الجنة، فأتى رجل من اليهود، فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: بلى، قال: تكون الأرض خبزة واحدة. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه"
(2)
. إلى آخر كلامه
(3)
.
وأما الحافظ ابن كثير فيرى أنه لا داعي لذكر الإسرائيليات، وإن في القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة، ويعلل ذلك بأنها لا تخلو من تبديل وتحريف وزيادة ونقصان
(4)
، لكنه رحمه الله لم يسلم منها، فقد أورد في تفسيره وتاريخه منها الشيء الكثير، إلا أنه كثيرا ما يتعقبها بالنقد والتفنيد.
وأما ابن عطية
(5)
فقد قلل من ذكر الإسرائيليات، فلم يذكر منها إلا بقدر ما يحتاج إليه، حيث يقول في مقدمة تفسيره: لا أذكر من القصص
(1)
أخرجها البخاري 12/ 166 مع الفتح، ومسلم 11/ 208 - 210 مع النووي، وأبو داود بالأرقام 4446 - 4455، والترمذي رقم 1436 مختصرا، وابن ماجة رقم 2558.
(2)
رواه البخاري 11/ 372 مع الفتح، ومسلم 17/ 135 مع النووي بنحوه.
(3)
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي 1/ 272 - 275.
(4)
انظر: تفسير ابن كثير 4/ 397.
(5)
هو: عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عطية المحاربي أبو محمد، فقيه حافظ محدث مشهور، أديب نحوي شاعر بليغ كاتب صاحب التفسير المشهور وغيره، توفي سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، وقيل: سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة.
انظر: بغية الملتمس للضبي ص 389 - 391، الصلة لابن بشكوال 2/ 386 - 387.
إلا مالا تنفك الآية إلا به
(1)
.
وقد حمل الشيخ شاكر على رواية الإِسرائيليات وبالذات في تفسير كتاب الله حملة مسعورة، ويرى أن ذكرها بجانب كلام الله يخالف ذكرها بجانب غيره من الكلام، حيث يقول: إن إباحة التحدث عنهم فيما ليس عندنا دليل على صدقه ولا كذبه شيء، وذكر ذلك في تفسير القرآن وجعله قولا أو رواية في معنى الآيات أو في تعيين ما لم يعين فيها، أو في تفصيل ما أجمل منها شيء آخر!! لأن في إثبات مثل ذلك بجوار كلام الله يوهم أن هذا الذي لا نعرف صدقه ولا كذبه مبين لمعنى قول الله سبحانه، ومفصل لما أجمل فيه، وحاشا لله ولكتابه من ذلك، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أذن بالتحدث عنهم أمرنا أن لا نصدقهم ولا نكذبهم
(2)
، فأي تصديق لرواياتهم وأقاويلهم أقوى من أن نقرنها بكتاب الله ونضعها منه في موضع التفسير أو البيان؟! اللهم غفرا
(3)
.
وهذا الرأي الذي ذهب إليه الشيخ أحمد شاكر رأي له قيمته، ووجاهته وأحرى بمن يتصدى لتفسير كتاب الله أن يلتزم به، وأن يحرص عليه.
(1)
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 1/ 5.
(2)
في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا". رواه البخاري 13/ 333 عن أبي هريرة.
(3)
عمدة التفسير لأحمد شاكر 1/ 15.