الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني في حكم الاحتجاج بالحديث الضعيف في قراءة شيء من كتاب الله وتفسيره والمغازي
أولا:
حكم إِثبات القراءة بالحديث الضعيف:
اتفق جميع من كتب في علوم القرآن على القراءة المقبولة لابد وأن تكون موافقة لأحد المصاحف العثمانية ولو تقديرا، مع موافقتها للعربية ولو بوجه
(1)
.
لكنهم اختلفوا في الشرط الثالث، وهو سند القراءة على قولين:
الأول: يرى أبو شامة المقدسي وابن الجزري
(2)
أنه يكفي أن يصح سند القراءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يرويها عدل تام الضبط عن مثله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من غير شذوذ ولا علة قادحة.
قال أبو شامة: ولا يلزم في ذلك تواتر، بل تكفي الآحاد الصحيحة،
(1)
انظر: الإبانة عن معاني القراءات لمكي بن أبي طالب القيسي ص 39، النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/ 9، الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 1/ 210، وغيرها.
(2)
هو محمد بن محمد بن علي بن يوسف بن الجزري أبو الخير العمري الدمشقي ثم الشيرازي الشافعي، مقرئ محدث حافظ فقيه مفسر.
له: شرح المصابيح، نشر القراء ات العشر، مختصره المسمى بالتقريب، وغيرها. توفي سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة.
انظر: غاية النهاية في طبقات القراء للمترجم 2/ 247 - 251، الشقائق النعمانية لطاش كبرى زادة ص 25 - 30.
مع الاستفاضة، وموافقة خط المصحف، وعدم المنكرين لها نقلا وتوجيها من حيث اللغة
(1)
.
الثاني: يرى جمع من العلماء منهم: السفاقسي
(2)
أن الآحاد لا يكفي في ثبوت القراءة -وإن صح- بل لابد من التواتر، وقال بعد أن أورد القول الأول: هذا قول محدث لا يعول عليه، ويؤدي إلى تسوية غير القرآن بالقرآن
(3)
.
ورد ابن الجزري على أصحاب الرأي الثاني بقوله: وقد شرط بعض المتأخرين التواتر، ولم يكتف فيه بصحة السند، وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وأن ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن، وهذا مما لا يخفى ما فيه، فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين
(4)
.
ويرى الشيخ أحمد شاكر أن التواتر شرط في إثبات القرآن، وأما القراءة فيكفي فيها صحة السند، مع موافقتها لرسم المصحف، ولو احتمالا، وكان لها وجه من العربية
(5)
.
ولسنا بصدد تقرير الراجح من القولين، فهذا لا يعنينا، أما الذي
(1)
المرشد الوجيز لأبي شامة ص 145.
(2)
هو: علي بن محمد بن سليم النوري أبو الحسن السفاقسي مقرئ محدث متكلم.
من آثاره: العقيدة النورية، تنبيه الغافلين، معين السائلين، وغيرها، توفي سنة سبع عشرة ومائة وألف.
انظر: معجم المؤلفين 7/ 201.
(3)
غيث النفع في القراءات السبع ص 17 بهامش سراج القارئ المبتدي.
(4)
النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/ 13.
(5)
انظر: شرح سنن الترمذي للشيخ أحمد شاكر 2/ 21 - 22.
يهمنا هو أننا لا نجد قائلا بجواز الاحتجاج بما ضعف سنده في إثبات القراءة.
قال السفاقسي في حكم القراءة الشاذة: اعلم أن الذي استقرت عليه المذاهب وآراء العلماء أنه إن قرأ بالشواذ غير معتقد أنه قرآن، ولا موهم أحدا ذلك، بل لما فيها من الأحكام الشرعية عند من يحتج بها، أو الأدبية، فلا كلام في جواز قراءتها، وعلى هذا يحمل كل من قرأ بها من المتقدمين، وكذلك أيضا يجوز تدوينها في الكتب، والتكلم على ما فيها، وإن قرأها باعتقاد قرآنيتها أو بإيهام قرآنيتها حرم ذلك، ونقل ابن عبد البر في تمهيده إجماع المسلمين على ذلك
(1)
.
ومع هذا كله، نجد القراءات الضعيفة والشاذة تملأ كتب التفسير والحديث، وإليك بعض الأمثلة على ذلك.
1 -
روى ابن جرير عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: {ومن عنده علم الكتاب}
(2)
. عند الله علم الكتاب
(3)
.
قال أبو جعفر: وهذا خبر ليس له أصل عند الثقات من أصحاب الزهري
(4)
.
2 -
روى ابن جرير أيضا عن الحسن، قال: رأيت عثمان بن عفان على
(1)
غيث النفع ص 18 - 19.
(2)
الآية 43 من سورة الرعد.
(3)
انظر: تفسير الطبري 16/ 506، تفسير ابن كثير 4/ 105، الدر المنثور للسيوطي 4/ 69، مجمع الزوائد 7/ 155.
(4)
تفسير الطبري 16/ 506.
منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه قميص قوهي
(1)
محلول الزر، وسمعته يأمر بقتل الكلاب، وينهى عن اللعب بالحمام، ثم قال: يا أيها الناس اتقوا الله في هذه السرائر، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي نفس محمد بيده ما عمل أحد قط سرا، إلا ألبسه الله رداءه علانية، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، ثم تلا هذه الآية:{ورياشا - ولم يقرأها وريشا - ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله}
(2)
قال: السمت الحسن"
قال ابن جرير: في إسناده نظر
(3)
.
3 -
روى أبو داود والترمذي عن عكرمة عن ابن عباس: {إِنه عمل غير صالح} الآية
(4)
. قال: كان مخالفا له في النية والعمل
(5)
.
4 -
روى الطبراني عن سلمان الفارسي أنه سئل عن قوله: {ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا} الآية
(6)
قال: الرهبان الذين في الصوامع، قال سلمان: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا)
(7)
.
(1)
القوهي: ثياب بيض تنسج في قوهستان - كورة بين نيسابور وهراة./ انظر: القاموس المحيط مادة "القاه".
(2)
الآية 26 من سورة الأعراف.
(3)
تفسير الطبري 12/ 363، 368.
(4)
الآية 46 من سورة هود.
(5)
سنن أبي داود رقم 3982، 3983، الترمذي رقم 2932، التاريخ الكبير للبخاري 1/ 1/ 286، 1/ 2/ 251، تفسير الطبري 15/ 348 - 351، مجمع الزوائد 7/ 155.
(6)
الآية 82 من سورة المائدة.
(7)
المعجم الكبير للطبراني 6/ 326، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 17: فيه يحيى =
5 -
ومن ذلك القراءة المنسوبة إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله التي جمعها أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي
(1)
، ونقلها عنه أبو القاسم الهذلي
(2)
، وغيره، فإنها لا أصل لها، قال أبو العلاء الواسطي
(3)
: إن الخزاعي وضع كتابا في الحروف نسبه إلى أبي حنيفة، فأخذت خط الدارقطني وجماعة أن الكتاب موضوع لا أصل له
(4)
.
قال ابن الجزري: وقد رويت الكتاب المذكور منه: {إِنما يخشى الله من عباده العلماء}
(5)
. برفع الهاء ونصب الهمزة، وقد راج ذلك على أكثر المفسرين، ونسبها إليه وتكلف توجيهها، وإن أبا حنيفة لبريء منها
(6)
.
= الحماني، ونصير بن زياد وكلاهما ضعيف.
(1)
هو: أبو الفضل محمد بن جعفر بن بديل الخزاعي، أحد القراء، له مصنفات في أسانيد القراءات، قال ابن حجر: ذكر لي بعض من يعتني بالقراءات أنه كان يخلط، ولم يكن مأمونا على ما يرويه.
انظر: لسان الميزان لابن حجر 5/ 107 - 108.
(2)
هو: أبو القاسم الهذلي يوسف بن علي بن جبارة بن محمد بن عقيل بن سوادة المقرئ البكري المشهور، قال الذهبي: له أغاليط كثيرة في أسانيد القراءات، وحشد في كتابه أشياء منكرة، لا تحل القراءة بها، ولا يصح لها إسناد.
انظر: معرفة القراء للذهبي 1/ 346 - 349، لسان الميزان لابن حجر 6/ 325 - 326.
(3)
هو: محمد بن علي بن أحمد بن يعقوب الواسطي أبو العلاء القاضي، نزيل بغداد، إمام محقق، وأستاذ متقن، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالعراق، مات سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.
انظر: غاية النهاية في طبقات القراء 2/ 199 - 200.
(4)
انظر: النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/ 16، لسان الميزان 5/ 107.
(5)
الآية 28 من سورة فاطر.
(6)
النشر في القراءات العشر 1/ 16.