الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَرُمَ سَقْيُ الدَّوَابِّ بِالنَّجِسِ حَرُمَ إِطْعَامُهَا بِهِ (1) .
وَأَجَازَ الْحَنَابِلَةُ إِطْعَامَ ذَلِكَ لِمَا لَا يُؤْكَل لَحْمُهُ مِنَ الدَّوَابِّ، وَلَمْ يُجِيزُوا إِطْعَامَهُ لِمَا يُؤْكَل مِنْهَا، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ إِذَا أَطْعَمَهُ لَمْ يُذْبَحْ حَتَّى يَكُونَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ عَلَى مَعْنَى الْجَلَاّلَةِ، فَقَدْ سُئِل أَحْمَدُ عَنْ خَبَّازٍ خَبَزَ خُبْزًا فَبَاعَ مِنْهُ، ثُمَّ نَظَرَ فِي الْمَاءِ الَّذِي عَجَنَ مِنْهُ فَإِذَا فِيهِ فَأْرَةٌ؟ فَقَال: لَا يَبِيعُ الْخُبْزَ مِنْ أَحَدٍ، وَإِنْ بَاعَهُ اسْتَرَدَّهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ صَاحِبَهُ تَصَّدَّقَ بِثَمَنِهِ، وَيُطْعِمُهُ مِنَ الدَّوَابِّ مَا لَا يُؤْكَل لَحْمُهُ، وَلَا يُطْعِمُ لِمَا يُؤْكَل إِلَاّ أَنْ يَكُونَ إِذَا أَطْعَمَهُ لَمْ يُذْبَحْ حَتَّى يَكُونَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ عَلَى مَعْنَى الْجَلَاّلَةِ (2)، قَال: لَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَيْتَةِ إِنَّمَا اشْتُبِهَ عَلَيْهِ، قِيل لَهُ: فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كَسْبِ الْحَجَّامِ يُطْعِمُ النَّوَاضِحَ، قَالَتْ هَذَا أَشَدُّ عِنْدِي لَا يُطْعِمُ الرَّقِيقَ لَكِنْ يَعْلِفُهُ الْبَهَائِمَ، قِيل لَهُ: أَيْنَ الْحُجَّةُ؟ قَال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ صَخْرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ قَوْمًا اخْتَبَزُوا مِنْ آبَارِ الَّذِينَ مُسِخُوا، فَأَمَرَهُمْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئَارِهَا، وَأَنْ يَعْلِفُوا الإِْبِل الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَ
(1) الْعِنَايَة بِهَامِش فَتْح الْقَدِير 8 / 157 ط الْمَطْبَعَة الْكُبْرَى الأَْمِيرِيَّة 1318 هـ.
(2)
الْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَة مَعَ الشَّرْحِ 11 / 88 دَار الْكِتَابِ الْعَرَبِيِّ.
تَرِدُهَا النَّاقَةُ (1) .
دَرَجَاتُ النَّجَاسَاتِ:
أ - النَّجَاسَاتُ الْمُغَلَّظَةُ:
51 -
الْمُغَلَّظُ مِنَ النَّجَاسَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا وَرَدَ فِي نَجَاسَتِهِ نَصٌّ وَلَمْ يُعَارِضْهُ آخَرُ وَلَا حَرَجَ فِي اجْتِنَابِهِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، لأَِنَّ الاِجْتِهَادَ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: مَا اتُّفِقَ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَلَا بَلْوَى فِي إِصَابَتِهِ.
وَالْقَدْرُ الَّذِي يَمْنَعُ الصَّلَاةَ مِنَ النَّجَاسَةِ الْغَلِيظَةِ أَنْ تَزِيدَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِسَاحَةً إِنْ كَانَ مَائِعًا وَوَزْنًا إِنْ كَانَ كَثِيفًا (2) .
وَقَالُوا: كُل مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الإِْنْسَانِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلتَّطْهِيرِ فَنَجَاسَتُهُ غَلِيظَةٌ كَالْغَائِطِ وَالْبَوْل وَالدَّمِ وَالصَّدِيدِ وَالْقَيْءِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ، كَذَلِكَ الْمَنِيُّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: إِنْ كَانَ رَطْبًا فَاغْسِلِيهِ، وَإِنْ كَانَ يَابِسَةً فَافْرُكِيهِ (3)
(1) حَدِيث: " فَأَمَرَهُمْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُهَرِيقُوا. . " سَبَقَ تَخْرِيجَهُ (ف 44) .
(2)
الاِخْتِيَار شُرِحَ الْمُخْتَار 1 / 31 ط مُصْطَفَى الْحَلَبِيِّ 1936.
(3)
حَدِيث: " إِنْ كَانَ رَطْبًا فَاغْسِلِيهِ وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَافْرُكِيهِ ". قَال ابْن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ (1 / 107 ط دَار الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ) : هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُعَرِّفُ وَإِنَّمَا الْمَنْقُول أَنَّهَا هِيَ كَانَتْ تَفْعَل ذ وَأَصِلُهُ فِي مُسْلِم (1 / 238) .
وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما: إِنَّمَا يُغْسَل الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ: وَذَكَرَ مِنْهَا الْمَنِيَّ (1) وَلَوْ أَصَابَ الْبَدَنَ وَجَفَّ، رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَطْهُرُ لأَِنَّ الْبَلْوَى فِيهِ أَعَمُّ، وَالاِكْتِفَاءَ بِالْفَرْكِ لَا يَدُل عَلَى طَهَارَتِهِ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يَقُل بِالْفَرْكِ، فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ حَتَّى إِذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ يَعُودُ نَجِسًا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا.
0 وَكَذَلِكَ الرَّوْثُ وَالإِْخْثَاءُ وَبَوْل مَا لَا يُؤْكَل لَحْمُهُ مِنَ الدَّوَابِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لأَِنَّ نَجَاسَتَهَا ثَبَتَتْ بِنَصٍّ لَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِي الرَّوْثَةِ: هِيَ رِجْسٌ (2) ، وَالإِْخْثَاءُ مِثْلُهُ، وَلأَِنَّهُ اسْتَحَال إِلَى نَتَنٍ وَفَسَادٍ وَهُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْ حَيَوَانٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَصَارَ كَالآْدَمِيِّ.
(1) حَدِيث: " إِنَّمَا يَغْسِل الثَّوْبَ مِنْ خَمْس. . " سَبَقَ تَخْرِيجَهُ ف 17.
(2)
حَدِيث: " هِيَ رِجْس ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (فَتْح الْبَارِي 1 / 256 ط السَّلَفِيَّة) وَابْن مَاجَهْ (1 / 114 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رضي الله عنه وَلَفَظَ الْبُخَارِيّ: " هَذَا رَكْس " بِالْكَاف.
وَكَذَلِكَ بَوْل الْفَأْرَةِ وَخُرْؤُهَا، لإِِطْلَاقِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْل (1) ، وَالاِحْتِرَازُ عَنْهُ مُمْكِنٌ فِي الْمَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ فَيُعْفَى عَنْهُ فِيهِمَا.
وَكَذَلِكَ بَوْل الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ أَكَلَا أَوْ لَا، لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ نَضْحِ بَوْل الصَّبِيِّ إِذَا لَمْ يَأْكُل فِيمَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: يُنْضَحُ بَوْل الْغُلَامِ، وَيُغْسَل بَوْل الْجَارِيَةِ (2) فَالنَّضْحُ يُذْكَرُ بِمَعْنَى الْغَسْل، قَال عليه الصلاة والسلام لِلْمِقْدَادِ بْنِ الأَْسْوَدِ لَمَّا سَأَلَهُ عَنِ الْمَذْيِ: تَوَضَّأْ وَانْضَحْ فَرْجَكَ (3) أَيِ اغْسِلْهُ فَيُحْمَل عَلَيْهِ تَوْفِيقًا.
وَالْبَطُّ الأَْهْلِيُّ وَالدَّجَاجُ نَجَاسَتُهُمَا غَلِيظَةٌ بِإِجْمَاعِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ (4) وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْمُغَلَّظَ مَا نَجُسَ بِمُلَاقَاةِ
(1) حَدِيث: " اسْتَنْزَهُوا مِنَ الْبَوْل. . " سَبَقَ تَخْرِيجَهُ ف 26.
(2)
حَدِيث: " يَنْضَحُ بَوْل الْغُلَامِ. . . " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (1 / 263 ط حِمْص) وَالتِّرْمِذِيّ (2 / 509 ط التِّجَارِيَّة الْكُبْرَى) وَصَحَّحَ إِسْنَاده ابْن حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ (1 / 187 ط دَار الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ) .
(3)
حَدِيث: " تَوَضَّأَ وَانَضْح فَرَجك ". أَخْرَجَهُ مُسْلِم (1 / 247 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) .
(4)
الاِخْتِيَار شَرْح الْمُخْتَار 1 / 32، 33 - 35 ط مُصْطَفَى الْحَلَبِيِّ 1936.