الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُنْفَقُ عَلَى وَلَدِهِ الْمُسْتَلْحَقِ مِنْ بَيْتِ الْمَال. (1)
الرُّجُوعُ عَنِ الإِْقْرَارِ بِالنَّسَبِ:
37 -
الإِْقْرَارُ الصَّحِيحُ بِالْبُنُوَّةِ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ؛ إِذْ لَا يَجُوزُ إِلْغَاءُ كَلَامِ الْمُكَلَّفِ بِلَا مُقْتَضٍ (2) وَانْظُرِ التَّفْصِيل فِي (إِقْرَار ف 67) .
نَسَبُ اللَّقِيطِ:
38 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى اللَّقِيطَ شَخْصٌ وَاحِدٌ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمُلْتَقِطَ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ رَجُلاً مُسْلِمًا حُرًّا لَحِقَ نَسَبُهُ بِهِ إِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بِأَنْ تَتَحَقَّقَ فِيهِ شُرُوطُ الاِسْتِلْحَاقِ؛ لأَِنَّ الإِْقْرَارَ مَحْضُ نَفْعٍ لِلطِّفْل لاِتِّصَال نَسَبِهِ، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ، فَقُبِل كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَلَهُمْ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (لَقِيط ف 11 - 14) .
ز - الْقُرْعَةُ:
39 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى عَدَمِ اسْتِعْمَال الْقُرْعَةِ فِي إِثْبَاتِ النَّسَبِ. وَالتَّفْصِيل فِي
(1) الفتاوى الهندية 5 / 61، وحاشية ابن عابدين 5 / 93 والشرقاوي على التحرير 2 / 138، وجواهر الإكليل 2 / 98، ونيل المآرب بشرح دليل الطالب 1 / 401.
(2)
بدائع الصنائع 7 / 232، وجواهر الإكليل 2 / 139، والشرقاوي على التحرير 2 / 140، والمغني 5 / 206.
مُصْطَلَحِ (قُرْعَة ف 19) .
ح - السَّمَاعُ:
40 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ بِالسَّمَاعِ لِلضَّرُورَةِ. قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَمَّا النَّسَبُ فَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْمِ مَنَعَ مِنْهُ، وَلَوْ مُنِعَ ذَلِكَ لَاسْتَحَالَتْ مَعْرِفَةُ الشَّهَادَةِ بِهِ؛ إِذْ لَا سَبِيل إِلَى مَعْرِفَتِهِ قَطْعًا بِغَيْرِهِ، وَلَا تَمْكُنُ الْمُشَاهَدَةُ فِيهِ، وَلَوِ اعْتُبِرَتِ الْمُشَاهَدَةُ لَمَا عَرَفَ أَحَدٌ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ وَلَا أَحَدًا مِنْ أَقَارِبِهِ (1)
وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ لِقَبُول الشَّهَادَةِ بِالتَّسَامُعِ أَنْ يَكُونَ النَّسَبُ مَشْهُورًا، جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ فِي النَّسَبِ وَغَيْرِهِ بِطَرِيقَتَيْنِ: الْحَقِيقَةُ وَالْحُكْمِيَّةُ. فَالْحَقِيقَةُ: أَنْ تُشْتَهَرَ وَتُسْمَعَ مِنْ قَوْمٍ كَثِيرٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَلَا تُشْتَرَطُ فِي
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 375، والفتاوى الهندية 3 / 458، وبدائع الصنائع 6 / 266، 267، ومواهب الجليل 6 / 194، وبلغة السالك 2 / 362 وما بعدها، والقوانين الفقهية لابن جزي 205، وتبصرة الحكام 1 / 349، والكافي لابن عبد البر 2 / 903 - 906، وتهذيب الفروق 4 / 101، 102، وجواهر الإكليل 2 / 242، 243، والتاودي مع التسولي على تحفة ابن العاصم 1 / 132 وما بعدها، وروضة الطالبين 11 / 266، وما بعدها، والمغني مع الشرح الكبير 12 / 24.
هَذِهِ الْعَدَالَةُ، وَلَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ بَل يُشْتَرَطُ التَّوَاتُرُ.
وَالْحُكْمِيَّةُ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عُدُولٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، هَذَا إِذَا شَهِدَا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِشْهَادِ هَذَا الرَّجُل، فَإِنَّهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ إِذَا لَقِيَ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَهُ عَلَى نَسَبِهِ وَعَرَفَا حَالَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَلَوْ أَقَامَ هَذَا الرَّجُل عِنْدَهُ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى نَسَبِهِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَشْهَدَ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً نَزَل بَيْنَ ظَهَرَانَيْ قَوْمٍ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ وَقَال: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، قَال مُحَمَّدٌ: لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى نَسَبِهِ حَتَّى يَلْقَوْا مِنْ أَهْل بَلَدِهِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فَيَشْهَدَانِ عِنْدَهُمْ عَلَى نَسَبِهِ، قَال الْجَصَّاصُ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ. (1)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا: وَلَا يَشْهَدُ أَحَدٌ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ بِالإِْجْمَال إِلَاّ فِي عَشَرَةٍ مِنْهَا النَّسَبُ، فَلَهُ الشَّهَادَةُ بِهِ إِذَا أَخْبَرَهُ بِهِ مَنْ يَثِقُ الشَّاهِدُ بِهِ مِنْ خَبَرِ جَمَاعَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ بِلَا شَرْطِ عَدَالَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ. (2)
41 -
قَال الْمَالِكِيَّةُ: الشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ جَائِزَةٌ فِي النَّسَبِ الْمَشْهُورِ.
(1) الفتاوى الهندية 3 / 458.
(2)
ابن عابدين 4 / 375.
وَقَال ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ نَسَبٌ، إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَال، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مُشْتَهَرًا مِثْل نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ. (1)
42 -
وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ الاِسْتِفَاضَةَ أَيْضًا؛ لأَِنَّ النَّسَبَ أَمْرٌ لَا مَدْخَل لِلرُّؤْيَةِ فِيهِ، وَغَايَةُ الْمُمْكِنِ رُؤْيَةُ الْوِلَادَةِ عَلَى الْفِرَاشِ، لَكِنَّ النَّسَبَ إِلَى الأَْجْدَادِ الْمُتَوَفَّيْنَ وَالْقَبَائِل الْقَدِيمَةِ لَا تَتَحَقَّقُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ، فَدَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى اعْتِمَادِ الاِسْتِفَاضَةِ، وَلَوْ مِنَ الأُْمِّ قِيَاسًا عَلَى الأَْبِ.
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ مِمَّا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ - وَهُوَ الاِسْتِفَاضَةُ - النَّسَبُ، وَقَال: يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالتَّسَامُعِ أَنَّ هَذَا الرَّجُل ابْنُ فُلَانٍ، أَوْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ - إِذَا عَرَفَهَا بِعَيْنِهَا - بِنْتُ فُلَانٍ، أَوْ أَنَّهُمَا مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا. وَيَثْبُتُ النَّسَبُ مِنَ الأُْمِّ بِالتَّسَامُعِ أَيْضًا عَلَى الأَْصَحِّ، وَقِيل: قَطْعًا كَالأَْبِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ إِمْكَانُ رُؤْيَةِ الْوِلَادَةِ.
ثُمَّ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَالأَْصْحَابُ فِي صِفَةِ التَّسَامُعِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْمَعَ الشَّاهِدُ الْمَشْهُودَ بِنَسَبِهِ، فَيُنْسَبُ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُل أَوِ الْقَبِيلَةِ، وَالنَّاسُ يَنْسُبُونَهُ إِلَيْهِ، وَهَل يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ التَّكْرَارُ وَامْتِدَادُ مُدَّةِ السَّمَاعِ؟ قَال كَثِيرُونَ: نَعَمْ، وَبِهَذَا أَجَابَ الصَّيْمَرِيُّ، وَقَال آخَرُونَ:
(1) التاج والإكليل 6 / 194.
لَا، بَل لَوْ سَمِعَ انْتِسَابَ الشَّخْصِ وَحَضَرَ جَمَاعَةً لَا يَرْتَابُ فِي صِدْقِهِمْ فَأَخْبَرُوهُ بِنَسَبِهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، جَازَ لَهُ الشَّهَادَةُ، وَرَأَى ابْنُ كَجٍّ الْقَطْعَ بِهَذَا، وَبِهِ أَجَابَ الْبَغَوِيُّ فِي انْتِسَابِهِ.
وَيُعْتَبَرُ مَعَ انْتِسَابِ الشَّخْصِ وَنِسْبَةِ النَّاسِ أَلَاّ يُعَارِضَهُمَا مَا يُورِثُ تُهْمَةً وَرِيبَةً، فَلَوْ كَانَ الْمَنْسُوبُ إِلَيْهِ حَيًّا وَأَنْكَرَ لَمْ تَجُزِ الشَّهَادَةُ، وَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا جَازَتْ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا لَوْ كَانَ مَيِّتًا. وَلَوْ طَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ النَّسَبِ، هَل يُمْنَعُ جَوَازُ الشَّهَادَةِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، لاِخْتِلَافِ الظَّنِّ.
وَالْمُعْتَبَرُ فِي الاِسْتِفَاضَةِ أَوْجُهٌ:
الأَْوَّل: وَهُوَ أَصَحُّهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ يَقَعُ الْعِلْمُ أَوِ الظَّنُّ الْقَوِيُّ بِخَبَرِهِمْ وَيُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْغَزَالِيُّ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ.
وَالثَّانِي: يَكْفِي عَدْلَانِ، اخْتَارَهُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ، وَمَال إِلَيْهِ الإِْمَامُ.
وَالثَّالِثُ: يَكْفِي خَبَرُ وَاحِدٍ إِذَا سَكَنَ الْقَلْبُ إِلَيْهِ، حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ. فَعَلَى الأُْولَى يَنْبَغِي أَلَاّ يُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ وَلَا الْحُرِّيَّةُ وَلَا الذُّكُورَةُ.
وَلَوْ سَمِعَ رَجُلاً لآِخَرَ: هَذَا ابْنِي وَصَدَّقَهُ الآْخَرُ أَوْ قَال: أَنَا ابْنُ فُلَانٍ، وَصَدَّقَهُ فُلَانٌ، قَال كَثِيرٌ مِنَ الأَْصْحَابِ: يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ عَلَى النَّسَبِ، وَكَذَا لَوِ اسْتَلْحَقَ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا وَسَكَتَ؛ لأَِنَّ السُّكُوتَ فِي النَّسَبِ كَالإِْقْرَارِ، وَفِي الْمُهَذَّبِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ عِنْدَ السُّكُوتِ إِلَاّ إِذَا تَكَرَّرَ عِنْدَهُ الإِْقْرَارُ وَالسُّكُوتُ، وَالَّذِي أَجَابَ بِهِ الْغَزَالِيُّ: أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّسَبِ بِذَلِكَ، بَل يَشْهَدُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَلَى الإِْقْرَارِ، وَهَذَا قِيَاسٌ ظَاهِرٌ. (1)
43 -
وَيُوَافِقُ الْحَنَابِلَةُ الشَّافِعِيَّةَ كَذَلِكَ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ أَوِ الاِسْتِفَاضَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّسَبِ. جَاءَ فِي الْمُغْنِي: وَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الأَْخْبَارُ وَاسْتَقَرَّتْ مَعْرِفَتُهُ فِي قَلْبِهِ شَهِدَ بِهِ، وَهُوَ مَا يَعْلَمُهُ بِالاِسْتِفَاضَةِ، وَأَجْمَعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى صِحَّةِ الشَّهَادَةِ بِهَا فِي النَّسَبِ وَالْوِلَادَةِ.
وَكَلَامُ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ يَقْتَضِي أَلَاّ يَشْهَدَ بِالاِسْتِفَاضَةِ حَتَّى تَكْثُرَ بِهِ الأَْخْبَارُ وَيَسْمَعَهُ مِنْ عَدَدٍ كَثِيرٍ يَحْصُل بِهِ الْعِلْمُ، يَقُول الْخِرَقِيُّ: فِيمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الأَْخْبَارُ وَاسْتَقَرَّتْ مَعْرِفَتُهُ فِي الْقَلْبِ، يَعْنِي حَصَل الْعِلْمُ بِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي
(1) روضة الطالبين 11 / 266 وما بعدها.