الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَوَجْهُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ مِنْ لُزُومِ اسْتِئْنَافِ الصِّيَامِ بَعْدَ هَذَا الْفِطْرِ الْقِيَاسُ وَالْمَعْقُول.
أَمَّا الْقِيَاسُ فَوَجْهُهُ أَنَّ النَّاذِرَ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ التَّتَابُعِ، وَقَدْ صَحَّ هَذَا الإِْيجَابُ؛ لأَِنَّ صِفَةَ التَّتَابُعِ زِيَادَةُ قُرْبَةٍ، لِمَا يَلْحَقُ النَّاذِرَ بِمُرَاعَاتِهَا مِنْ زِيَادَةِ مَشَقَّةٍ، وَهِيَ صِفَةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا، وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْل وَالظِّهَارِ وَالإِْفْطَارِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَالْيَمِينِ، فَيَصِحُّ الْتِزَامُهَا بِالنَّذْرِ، فَتَلْزَمُ النَّاذِرَ كَمَا الْتَزَمَ، فَإِذَا تَرَكَ النَّاذِرُ هَذِهِ الصِّفَةَ، وَلَمْ يَأْتِ بِمَا الْتَزَمَهُ اسْتَقْبَل الصِّيَامَ، كَمَا فِي صِيَامِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْل (1) .
كَمَا أَنَّ النَّاذِرَ قَدْ تَرَكَ التَّتَابُعَ الْمَنْذُورَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، مَعَ إِمْكَانِ الإِْتْيَانِ بِهِ فَلَزِمَهُ فِعْلُهُ. كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمًا مُعَيَّنًا فَصَامَ قَبْلَهُ (2) .
وَأَمَّا الْمَعْقُول: فَإِنَّهُ لَوْ جَازَ لِلنَّاذِرِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الصِّيَامِ قَبْل فِطْرِهِ لَبَطَل التَّتَابُعُ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ وَذَلِكَ لِتَخَلُّل الْفِطْرِ فِيهِ (3) .
ب - فِطْرُ النَّاذِرِ لِعُذْرٍ فِي الصِّيَامِ الْمُتَتَابِعِ:
34 -
الْعُذْرُ الَّذِي يَقْتَضِي الْفِطْرَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ
(1) بدائع الصنائع 6 / 2893.
(2)
المغني 9 / 26، والكافي 4 / 426.
(3)
كشاف القناع 6 / 281.
الْمَنْذُورِ صِيَامُهَا عَلَى وَجْهِ التَّتَابُعِ قَدْ يَكُونُ مَانِعًا مِنَ الصِّيَامِ كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، أَوْ مُرَخِّصًا فِي الْفِطْرِ كَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ الْفِطْرُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ لِتَحْرِيمِ الشَّارِعِ صِيَامَ بَعْضِ الأَْيَّامِ فِيهَا كَيَوْمَيِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ النَّاذِرَ إِنْ أَفْطَرَ لِسَبَبٍ مِنَ الأَْسْبَابِ السَّابِقَةِ فَإِنَّ فِطْرَهُ هَذَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي الصِّيَامِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ التَّتَابُعُ، وَيَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الصِّيَامِ بَعْدَ الْفِطْرِ؛ لأَِنَّ النَّاذِرَ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا نَذَرَ، وَقَدِ الْتَزَمَ فِي نَذْرِهِ التَّتَابُعَ فِي الصِّيَامِ، فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ آتِيًا بِمَا نَذَرَ فَيَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الصِّيَامِ لِيَأْتِيَ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ فِطْرَ يَوْمَيِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، لاِسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ شَرْعًا، إِلَاّ أَنَّهُ يَقْضِيهَا مُتَوَالِيَةً مُتَّصِلَةً بِمَا صَامَهُ عَمَلاً بِمَا شَرَطَهُ مِنَ التَّتَابُعِ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ إِلَاّ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا عَلَى النَّاذِرِ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ.
فَإِنْ كَانَ الْفِطْرُ بِسَبَبِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ لِعَدَمِ التَّحَرُّزِ عَنْ ذَلِكَ، إِلَاّ أَنَّ فِي وُجُوبِ قَضَاءِ أَيَّامِ الْفِطْرِ قَوْلَيْنِ: الْقَوْل الأَْظْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ
(1) رد المحتار 3 / 71، وبدائع الصنائع 6 / 2893.
الْقَضَاءُ لِقَبُول زَمَنِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لِلصَّوْمِ فِي ذَاتِهِ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ، كَمَا لَوْ أَفْطَرَتِ النَّاذِرَةُ رَمَضَانَ لأَِجْلِهِمَا. وَقَال النَّوَوِيُّ: بَل الأَْظْهَرُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ عَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ صَحَّحَ هَذَا الْقَوْل الأَْخِيرَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبِ، وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْل أَنَّ أَيَّامَ الْحَيْضِ أَوِ النِّفَاسِ لَمَّا لَمْ تَقْبَل الصَّوْمَ، وَلَوْ لِعُرُوضِ ذَلِكَ الْمَانِعِ، لَمْ يَشْمَلْهَا النَّذْرُ.
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْفِطْرَ بِسَبَبِ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ أَيْضًا؛ لأَِنَّهُ فِطْرٌ لِعُذْرٍ، إِلَاّ أَنَّهُمْ خَيَّرُوا مَنْ أَفْطَرَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: اسْتِئْنَافُ الصِّيَامِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا؛ لإِِتْيَانِهَا بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ، أَوِ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صِيَامٍ قَبْل فِطْرِهَا، وَتُكَفِّرُ لِمُخَالَفَتِهَا مَا نَذَرَتْهُ، إِذِ الْكَفَّارَةُ تَلْزَمُ لِتَرْكِهَا الْمَنْذُورَ وَإِنْ كَانَتْ عَاجِزَةً عَنْهُ.
وَإِنْ كَانَ الْفِطْرُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ لِعُذْرِ الْمَرَضِ: فَعَلَى الأَْظْهَرِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ فِطْرَ النَّاذِرِ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، فَيَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الصِّيَامَ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ: لَا يَقْطَعُهُ، وَيَبْنِي النَّاذِرُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ صِيَامِهِ.
وَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ أَيَّامِ فِطْرِهِ الْقَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ.
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ النَّاذِرَ إِنْ أَفْطَرَ لِمَرَضٍ يَجِبُ مَعَهُ الْفِطْرُ بِأَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ التَّلَفَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّ فِطْرَهُ هَذَا لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ حُكْمًا؛ لأَِنَّهُ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ، إِلَاّ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الصِّيَامَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ؛ لإِِتْيَانِهِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ، وَبَيْنَ الْبِنَاءِ عَلَى صِيَامِهِ قَبْل الْفِطْرِ، وَتَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَفَّارَةٌ لِمُخَالَفَتِهِ فِيمَا نَذَرَهُ؛ لأَِنَّ الْكَفَّارَةَ تَلْزَمُ مَنْ تَرَكَ الْمَنْذُورَ.
فَإِنْ كَانَ الْفِطْرُ بِسَبَبٍ يُبِيحُهُ كَالسَّفَرِ: فَعَلَى الْقَوْل الأَْظْهَرِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ، وَوَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ هَذَا الْفِطْرَ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ، وَيَلْزَمُ النَّاذِرَ اسْتِئْنَافُ الصِّيَامِ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ أَفْطَرَ بِاخْتِيَارِهِ.
وَثَمَّةَ قَوْلٌ آخَرُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ هَذَا الْفِطْرَ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ؛ لأَِنَّ النَّاذِرَ قَدْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ يَقْتَضِي الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ، فَأَشْبَهَ الْمَرَضَ الَّذِي يَجِبُ مَعَهُ الْفِطْرُ، إِلَاّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ أَيَّامِ فِطْرِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلٍ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.
وَالْقَوْل الثَّانِي فِي مَذْهَبِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ ذَلِكَ (1) .
(1) روضة الطالبين 3 / 310 - 312، ونهاية المحتاج 8 / 225 - 226، والمغني 9 / 25 - 26، وكشاف القناع 6 / 282.