الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ بَقِيَا مَعًا بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ ضَرَّا عَلَى الصَّحِيحِ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِمَا عَلَى بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَالثَّانِي لَا يَضُرُّ لاِغْتِفَارِهِمَا مُنْفَرِدَيْنِ، فَكَذَا مُجْتَمِعَيْنِ (1) .
وَقَسَّمَ الْحَنَابِلَةُ النَّجَاسَةَ مِنْ حَيْثُ تَطْهِيرُهَا إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الأَْوَّل: نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَيَكُونُ تَطْهِيرُهَا بِالْغَسْل سَبْعَ مَرَّاتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ.
وَالثَّانِي: نَجَاسَةُ بَوْل الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَأْكُل الطَّعَامَ، وَيُطَهَّرُ مَحَل النَّجَاسَةِ مِنْ هَذَا الْبَوْل بِنَضْحِهِ أَيْ غَمْرِهِ بِالْمَاءِ.
الثَّالِثُ: بَقِيَّةُ النَّجَاسَاتِ، وَتُطَهَّرُ بِسَبْعِ غَسَلَاتٍ مُنْقِيَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا تُرَابٌ (2) .
ج ـ - النَّجَاسَاتُ الْمَعْفُوُّ عَنْهَا:
53 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُعْفَى فِي النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ عَنْ أُمُورٍ: فَيُعْفَى قَدْرَ الدِّرْهَمِ وَزْنًا فِي النَّجَاسَةِ الْكَثِيفَةِ وَقُدِّرَ بِعِشْرِينَ قِيرَاطًا، وَفِي النَّجَاسَةِ الرَّقِيقَةِ أَوِ الْمَائِعَةِ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ مِسَاحَةً، وَقُدِّرَ بِمُقَعَّرِ الْكَفِّ دَاخِل مَفَاصِل الأَْصَابِعِ، وَالْمَقْصُودُ بِعَفْوِ الشَّارِعِ
(1) مُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 85.
(2)
كَشَّاف الْقِنَاع 1 / 183 - 189، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 1 / 97، 101
عَنْهَا: الْعَفْوُ عَنْ فَسَادِ الصَّلَاةِ، وَإِلَاّ فَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ بَاقِيَةٌ إِجْمَاعًا إِنْ بَلَغَتِ الدِّرْهَمَ، وَتَنْزِيهًا إِنْ لَمْ تَبْلُغْ.
وَيُعْفَى عَنْ بَوْل الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَخُرْئِهِمَا فِيمَا تَظْهَرُ فِيهِ حَالَةُ الضَّرُورَةِ، فَيُعْفَى عَنْ خُرْءِ الْفَأْرَةِ إِذَا وَقَعَ فِي الْحِنْطَةِ وَلَمْ يَكْثُرْ حَتَّى يَظْهَرَ أَثَرُهُ، وَيُعْفَى عَنْ بَوْلِهَا إِذَا سَقَطَ فِي الْبِئْرِ لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَصَابَ أَحَدُهُمَا ثَوْبًا أَوْ إِنَاءً مَثَلاً فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ لإِِمْكَانِ التَّحَرُّزِ، وَيُعْفَى عَنْ بَوْل الْهِرَّةِ إِذَا وَقَعَ عَلَى نَحْوِ ثَوْبٍ لِظُهُورِ الضَّرُورَةِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَصَابَ خُرْؤُهَا أَوْ بَوْلُهَا شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ.
وَيُعْفَى عَنْ بُخَارِ النَّجِسِ وَغُبَارِ سِرْقِينٍ، فَلَوْ مَرَّتِ الرِّيحُ بِالْعَذِرَاتِ وَأَصَابَتِ الثَّوْبَ لَا يَتَنَجَّسُ إِلَاّ أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ، وَقِيل: يَتَنَجَّسُ إِنْ كَانَ مَبْلُولاً لاِتِّصَالِهَا بِهِ.
وَيُعْفَى عَنْ رَشَاشِ الْبَوْل إِذَا كَانَ رَقِيقًا كَرُءُوسِ الإِْبَرِ بِحَيْثُ لَا يُرَى وَلَوْ مَلأََ الثَّوْبَ أَوِ الْبَدَنَ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ كَالْعَدَمِ لِلضَّرُورَةِ، وَمِثْلُهُ الدَّمُ الَّذِي يُصِيبُ الْقَصَّابَ فَيُعْفَى عَنْهُ فِي حَقِّهِ لِلضَّرُورَةِ، فَلَوْ أَصَابَ الرَّشَاشُ ثَوْبًا ثُمَّ وَقَعَ ذَلِكَ الثَّوْبُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ تَنَجَّسَ الْمَاءُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ حِينَئِذٍ، وَمِثْل هَذَا أَثَرُ الذُّبَابِ الَّذِي وَقَعَ عَلَى نَجَاسَةٍ ثُمَّ أَصَابَ ثَوْبَ الْمُصَلِّي فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ.
وَيُعْفَى عَمَّا يُصِيبُ الْغَاسِل مِنْ غُسَالَةِ الْمَيِّتِ مِمَّا لَا يُمْكِنُهُ الاِمْتِنَاعُ عَنْهُ مَا دَامَ فِي تَغْسِيلِهِ.
وَيُعْفَى عَنْ طِينِ الشَّوَارِعِ وَلَوْ كَانَ مَخْلُوطًا بِنَجَاسَةٍ غَالِبَةٍ مَا لَمْ يُرَ عَيْنُهَا.
وَيُعْفَى فِي النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ عَمَّا دُونَ رُبُعِ الثَّوْبِ كُلِّهِ أَوْ رُبُعِ الْبَدَنِ كُلِّهِ.
وَإِنَّمَا تَظْهَرُ الْخِفَّةُ فِي غَيْرِ الْمَائِعِ، لأَِنَّ الْمَائِعَ مَتَى أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ تَنَجَّسَ، لَا فَرْقَ بَيْنَ مُغَلَّظَةٍ وَمُخَفَّفَةٍ، وَلَا عِبْرَةَ فِيهِ لِوَزْنٍ أَوْ مِسَاحَةٍ.
وَيُعْفَى عَنْ بَعْرِ الإِْبِل وَالْغَنَمِ إِذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ أَوْ فِي الإِْنَاءِ، مَا لَمْ يَكْثُرْ كَثْرَةً فَاحِشَةً أَوْ يَتَفَتَّتْ فَيَتَلَوَّنَ بِهِ الشَّيْءُ الَّذِي خَالَطَهُ.
وَالْقَلِيل الْمَعْفُوُّ عَنْهُ هُوَ مَا يَسْتَقِلُّهُ النَّاظِرُ إِلَيْهِ، وَالْكَثِيرُ عَكْسُهُ.
وَأَمَّا رَوْثُ الْحِمَارِ وَخَثْيُ الْبَقَرِ وَالْفِيل فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى، سَوَاءٌ كَانَ يَابِسًا أَوْ رَطْبًا (1) .
54 -
وَعَدَّ الْمَالِكِيَّةُ مِنَ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ مَا يَأْتِي: أ - سَلَسُ الأَْحْدَاثِ كَبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ مَذْيٍ أَوْ وَدْيٍ أَوْ مَنِيٍّ إِذَا سَال شَيْءٌ مِنْهَا بِنَفْسِهِ، فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ عَنِ الْبَدَنِ أَوِ الثَّوْبِ أَوِ الْمَكَانِ الَّذِي لَا يُمِكُنُ
(1) حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 1 / 210، وَمَرَاقِي الْفَلَاح ص 84، 85، 188 - 190.
التَّحَوُّل عَنْهُ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ إِذَا حَصَل شَيْءٌ مِنْهَا وَلَوْ كُل يَوْمٍ مَرَّةً.
ب - بَلَل الْبَاسُورِ إِذَا أَصَابَ يَدَ صَاحِبِهِ أَوْ ثَوْبِهِ كُل يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً، وَأَمَّا يَدُهُ فَلَا يُعْفَى عَنْ غَسْلِهَا إِلَاّ إِذَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا فِي إِرْجَاعِهِ بِأَنْ يَزِيدَ عَنْ مَرَّتَيْنِ كُل يَوْمٍ، وَإِنَّمَا اكْتُفِيَ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْيَوْمِ وَلَمْ يُكْتَفَ فِي الْيَدِ إِلَاّ بِمَا زَادَ عَلَى اثْنَتَيْنِ لأَِنَّ الْيَدَ لَا يَشُقُّ غَسْلُهَا إِلَاّ عِنْدَ الْكَثْرَةِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ.
ج - مَا يُصِيبُ ثَوْبَ أَوْ بَدَنَ الْمُرْضِعَةِ مِنْ بَوْل أَوْ غَائِطِ رَضِيعِهَا - وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِيدَهَا - إِذَا اجْتَهَدَتْ فِي التَّحَرُّزِ عَنْهُمَا حَال نُزُولِهِمَا، وَلَكِنْ يُنْدَبُ لَهَا إِعْدَادُ ثَوْبٍ لِلصَّلَاةِ.
د - مَا يُصِيبُ ثَوْبَ أَوْ بَدَنَ الْجَزَّارِ وَنَازِحِ الْمَرَاحِيضِ وَالطَّبِيبِ الَّذِي يُعَالِجُ الْجُرُوحَ، وَلَكِنْ يُنْدَبُ لَهُمْ إِعْدَادُ ثَوْبٍ لِلصَّلَاةِ.
هـ - مَا يُصِيبُ ثَوْبَ الْمُصَلِّي أَوْ بَدَنَهُ أَوْ مَكَانَهُ مِنْ دَمِهِ أَوْ دَمِ غَيْرِهِ، آدَمِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ خِنْزِيرًا، إِذَا كَانَتْ مِسَاحَتُهُ لَا تَزِيدُ عَنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ، وَهُوَ الدَّائِرَةُ السَّوْدَاءُ الَّتِي تَكُونُ فِي ذِرَاعِ الْبَغْل، وَلَا عِبْرَةَ بِالْوَزْنِ، وَمِثْل الدَّمِ فِي ذَلِكَ الْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ.
و مَا يُصِيبُ ثَوْبَهُ أَوْ بَدَنَهُ أَوْ مَكَانَهُ مِنْ بَوْل أَوَرَوْثِ خَيْلٍ أَوْ بِغَالٍ أَوْ حَمِيرٍ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُبَاشِرُ
رَعْيَهَا أَوْ عَلْفَهَا أَوْ رَبْطَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَيُعْفَى عَنْهُ لِمَشَقَّةِ الاِحْتِرَازِ.
ز - أَثَرُ ذُبَابٍ أَوْ نَامُوسٍ أَوْ نَمْلٍ صَغِيرٍ يَقَعُ عَلَى النَّجَاسَةِ وَيَرْفَعُ شَيْئًا مِنْهَا فَيَتَعَلَّقُ بِرِجْلِهِ أَوْ فَمِهِ، ثُمَّ يَقَعُ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ لِمَشَقَّةِ الاِحْتِرَازِ، أَمَّا أَثَرُ النَّمْل الْكَبِيرِ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ لِنُدْرَتِهِ.
ح - أَثَرُ دَمِ مَوْضِعِ الْحِجَامَةِ بَعْدَ مَسْحِهِ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا، فَيُعْفَى عَنْهُ إِلَى أَنْ يَبْرَأَ فَيَغْسِلَهُ.
ط - مَا يُصِيبُ ثَوْبَهُ أَوْ رِجْلَهُ مِنْ طِينِ الْمَطَرِ أَوْ مَائِهِ الْمُخْتَلِطِ بِنَجَاسَةٍ مَا دَامَ مَوْجُودًا فِي الطُّرُقِ وَلَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْمَطَرِ، فَيُعْفَى عَنْهُ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَوَّلاً: أَنْ لَا تَكُونَ النَّجَاسَةُ الْمُخَالِطَةُ أَكْثَرَ مِنَ الطِّينِ أَوِ الْمَاءِ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا.
ثَانِيًا: أَنْ لَا تُصِيبَهُ النَّجَاسَةُ بِدُونِ مَاءٍ أَوْ طِينٍ.
ثَالِثًا: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الإِْصَابَةِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الطِّينِ أَوِ الْمَاءِ، كَأَنْ يَعْدِل عَنْ طَرِيقٍ خَالِيَةٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَى طَرِيقٍ فِيهَا ذَلِكَ.
ي - الْمِدَّةُ السَّائِلَةُ مِنْ دَمَامِل أَكْثَرَ مِنَ الْوَاحِدِ، سَوَاءٌ سَالَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ بِعَصْرِهَا وَلَوْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ، لأَِنَّ كَثْرَتَهَا مَظِنَّةُ الاِحْتِيَاجِ إِلَى الْعَصْرِ، فَيُعْفَى عَمَّا سَال عَنْهَا وَلَوْ زَادَ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَأَمَّا الدُّمَّل الْوَاحِدُ فَيُعْفَى
عَمَّا سَال مِنْهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعَصْرٍ احْتِيجَ إِلَيْهِ، فَإِنْ عُصِرَ بِغَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا يُعْفَى إِلَاّ عَنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ.
ك - خُرْءُ الْبَرَاغِيثِ وَلَوْ كَثُرَ، وَإِنْ تَغَذَّتْ بِالدَّمِ الْمَسْفُوحِ، فَخُرْؤُهَا نَجِسٌ وَلَكِنْ يُعْفَى عَنْهُ.
وَأَمَّا دَمُهَا فَإِنَّهُ كَدَمِ غَيْرِهَا لَا يُعْفَى عَمَّا زَادَ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ.
ل - الْمَاءُ الْخَارِجُ مِنْ فَمِ النَّائِمِ إِذَا كَانَ مِنَ الْمَعِدَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ أَصْفَرَ مُنْتِنًا فَإِنَّهُ نَجِسٌ، وَلَكِنْ يُعْفَى عَنْهُ إِذَا لَازَمَ.
م - الْقَلِيل مِنْ مَيْتَةِ الْقُمَّل فَيُعْفَى مِنْهُ عَنْ ثَلَاثَةٍ فَأَقَل.
ن - أَثَرُ النَّجَاسَةِ عَلَى السَّبِيلَيْنِ بَعْدَ إِزَالَةِ عَيْنِ النَّجَاسَةِ بِمَا يُزِيلُهَا مِنْ حَجَرٍ وَنَحْوِهِ فَيُعْفَى عَنْهُ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ مَا لَمْ يَنْتَشِرْ كَثِيرًا، فَإِنِ انْتَشَرَ تَعَيَّنَ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ، كَمَا يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِي إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْ قُمَّل الْمَرْأَةِ (1) .
وَقَالُوا فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ: إِنَّ رَمَادَ نَجِسٍ طَاهِرٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَلَتِ النَّارُ النَّجَاسَةَ أَكْلاً قَوِيًّا أَوْ لَا.
وَأَمَّا دُخَانُ النَّجَاسَةِ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ نَجِسٌ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَالتُّونُسِيُّ
(1) حَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 1 / 71 - 78.
وَالْمَازِرِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَرَفَةَ، قَال بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَاخْتَارَ ابْنُ رُشْدٍ طَهَارَةَ دُخَانِ النَّجَاسَةِ كَالرَّمَادِ (1) .
وَقَالُوا: يُعْفَى عَمَّا تَعَلَّقَ بِذَيْل ثَوْبِ الْمَرْأَةِ الْيَابِسِ مِنَ الْغُبَارِ النَّجِسِ (2) .
55 -
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُعْفَى عَنْ أُمُورٍ: مِنْهَا مَا لَا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ الْمُعْتَدِل مِنَ النَّجَاسَةِ وَلَوْ مُغَلَّظَةً.
وَمِنْهَا الأَْثَرُ الْبَاقِي بِالْمَحَل بَعْدَ الاِسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ، فَيُعْفَى عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِصَاحِبِهِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِنْجَاء ف 23) .
وَمِنْهَا طِينُ الشَّارِعِ الْمُخْتَلِطُ بِالنَّجَاسَةِ الْمُحَقَّقَةِ، فَإِذَا شَكَّ فِي نَجَاسَةِ ذَلِكَ الطِّينِ أَوْ ظَنَّ كَانَ طَاهِرًا، لَا نَجِسًا مَعْفُوًّا عَنْهُ، وَإِنَّمَا يُعْفَى عَنْهُ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ: أَوَّلاً: أَنْ لَا تَظْهَرَ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ.
ثَانِيًا: أَنْ يَكُونَ الْمَارُّ مُحْتَرِزًا عَنْ إِصَابَتِهَا، بِحَيْثُ لَا يُرْخِي ذَيْل ثِيَابِهِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِرَشَاشٍ نَحْوَ سِقَاءٍ.
ثَالِثًا: أَنْ تُصِيبَهُ النَّجَاسَةُ وَهُوَ مَاشٍ أَوْ
(1) حَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 1 / 57، 58.
(2)
حَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 1 / 74.
رَاكِبٌ، أَمَّا إِذَا سَقَطَ عَلَى الأَْرْضِ فَتَلَوَّثَتْ ثِيَابُهُ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ لِنُدْرَةِ الْوُقُوعِ.
رَابِعًا: أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ فِي ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ.
وَمِمَّا يُعْفَى عَنْهُ عِنْدَهُمُ الدَّمُ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ وَعِظَامِهِ، فَقِيل: إِنَّهُ طَاهِرٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَلِيمِيِّ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ نَجِسٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ.
وَمِنْهَا دُخَانُ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَعَنْ يَسِيرِهِ عُرْفًا.
وَمِنْهَا بُخَارُ النَّجَاسَةِ إِنْ تَصَاعَدَ بِوَاسِطَةِ نَارٍ فَنَجِسٌ، لأَِنَّ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ تَفْصِلُهَا النَّارُ بِقُوَّتِهَا لَكِنْ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ، وَإِلَاّ بِأَنْ كَانَ كَالْبُخَارِ الْخَارِجِ مِنْ نَجَاسَةِ الْكَنِيفِ فَطَاهِرٌ.
وَصَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ مِنَ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ غُبَارَ النَّجَاسَةِ الْيَابِسَةِ.
وَمِنْهَا الْمَاءُ السَّائِل مِنْ فَمِ النَّائِمِ إِنْ كَانَ مِنَ الْمَعِدَةِ، كَأَنْ خَرَجَ مُنْتِنًا بِصُفْرَةٍ فَنَجِسٌ، لَا إِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ شَكَّ فِي أَنَّهُ مِنْهَا فَطَاهِرٌ.
وَقِيل: إِنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا فَنَجِسٌ وإِلَاّ فَطَاهِرٌ، فَإِنِ ابْتُلِيَ بِهِ شَخْصٌ لِكَثْرَتِهِ مِنْهُ قَال فِي الرَّوْضَةِ:
فَالظَّاهِرُ الْعَفْوُ (1) .
56 -
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُعْفَى عَنِ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ لأَِجْل مَحَلِّهَا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا: مَحَل الاِسْتِنْجَاءِ، فَيُعْفَى فِيهِ عَنْ أَثَرِ الاِسْتِجْمَارِ بَعْدَ الإِْنْقَاءِ وَاسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ.
الثَّانِي: أَسْفَل الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ إِذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ فَدَلَّكَهَا بِالأَْرْضِ حَتَّى زَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إِحْدَاهَا: يُجْزِئُ دَلْكُهُ بِالأَْرْضِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الأُْولَى كَمَا قَال ابْنُ قُدَامَةَ، وَالثَّانِيَةُ: يَجِبُ غَسْلُهُ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، وَالثَّالِثَةُ: يَجِبُ غَسْلُهُ مِنَ الْبَوْل وَالْعَذِرَةِ دُونَ غَيْرِهِمَا.
الثَّالِثُ: إِذَا جَبَّرَ عَظْمَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ فَانْجَبَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَلْعُهُ إِذَا خَافَ الضَّرَرَ، لأَِنَّهَا نَجَاسَةٌ بَاطِنَةٌ يَتَضَرَّرُ بِإِزَالَتِهَا، فَأَشْبَهَتْ دِمَاءَ الْعُرُوقِ.
وَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِ دَمٍ وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ، وَالْيَسِيرُ مَا يَعُدُّهُ الإِْنْسَانُ فِي نَفْسِهِ يَسِيرًا، وَإِنَّمَا يُعْفَى عَنِ الْيَسِيرِ إِذَا أَصَابَ غَيْرَ مَائِعٍ وَمَطْعُومٍ.
وَمِمَّا يُعْفَى عَنْهُ يَسِيرُ سَلَسِ بَوْلٍ بَعْدَ تَمَامِ التَّحَفُّظِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ.
(1) مُغْنِي الْمُحْتَاج 1 / 79 - 81، 192، وَالْمَنْثُور فِي الْقَوَاعِدِ 3 / 266.
وَمِنْهَا دُخَانُ نَجَاسَةٍ وَغُبَارُهَا وَبُخَارُهَا مَا لَمْ تَظْهَرْ لَهُ صِفَةٌ.
وَمِنْهَا قَلِيل مَاءٍ تَنَجَّسَ بِمَعْفُوٍّ عَنْهُ.
وَمِنْهَا النَّجَاسَةُ الَّتِي تُصِيبُ عَيْنَ الإِْنْسَانِ وَيَتَضَرَّرُ بِغَسْلِهَا.
وَمِنْهَا الْيَسِيرُ مِنْ طِينِ الشَّارِعِ الَّذِي تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ بِمَا خَالَطَهُ مِنَ النَّجَاسَةِ (1) .
(1) الْمُغْنِي مَعَ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ 1 / 725 - 729، وَالْمُغْنِي 1 / 411 - 412 ط دَار الْفِكْرِ، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 1 / 102 - 103، وَكَشَّاف الْقِنَاع 1 / 192.