الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَال، فَدُفِعَ لِرَبِّهِ وَذَلِكَ إِنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ وَارِثٌ أَوْ غَيْرُهُ بِبَذْل قِيمَةِ الْمَال لِرَبِّهِ، وَإِلَاّ فَلَا يُنْبَشُ صَوْنًا لِحُرْمَتِهِ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ لِصَاحِبِ الْمَال، وَإِنْ بَلَعَ مَال الْغَيْرِ بِإِذْنِ رَبِّهِ فَلَا يُضْمَنُ الْمَال الَّذِي بَلَعَهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ، وَعَلَيْهِ فَلَا طَلَبَ لِرَبِّهِ عَلَى تَرِكَةِ الْمَيِّتِ؛ لأَِنَّهُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يُتَعَرَّضُ لِلْمَيِّتِ بِنَبْشٍ أَوْ شَقٍّ قَبْل أَنْ يَبْلَى جَسَدُهُ؛ لأَِنَّ مَالِكَ الْمَال هُوَ الْمُسَلِّطُ لَهُ عَلَى مَالِهِ بِالإِْذْنِ لَهُ فَهُوَ كَمَالِهِ (1) .
أَمَّا إِذَا بَلِيَ جَسَدُهُ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْمَال وَظُهُورُهُ وَتَخَلُّصُهُ مِنْ أَعْضَاءِ الْمَيِّتِ فَيَجُوزُ نَبْشُهُ وَإِخْرَاجُ الْمَال مِنَ الْقَبْرِ وَدَفْعُهُ إِلَى صَاحِبِهِ؛ لأَِنَّ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم قَال: " إِنَّ هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ وَكَانَ بِهَذَا الْحَرَمِ يَدْفَعُ عَنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ قَوْمَهُ بِهَذَا الْمَكَانِ فَدُفِنَ فِيهِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ إِنْ أَنْتُمْ نَبَشْتُمْ عَنْهُ أَصَبْتُمُوهُ مَعَهُ، فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فَاسْتَخْرَجُوا الْغُصْنَ "(2) ، وَلأَِنَّ تَرْكَهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَال (3) .
(1) كشاف القناع 2 / 145 - 146.
(2)
حديث: " هذا قبر أبي رغال. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 464 ط حمص)، وقال أبو الطيب: فيه بجير بن أبي بجير مجهول (عون المعبود 8 / 346 ط دار الفكر) .
(3)
كشاف القناع 2 / 145 - 146، والمغني لابن قدامة 2 / 552.
وَإِنْ بَلَعَ مَال نَفْسِهِ لَمْ يُنْبَشْ قَبْرُهُ قَبْل أَنْ يَبْلَى جَسَدُهُ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ اسْتِهْلَاكٌ لِمَال نَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ، وَأَشْبَهُ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيُنْبَشُ قَبْرُهُ وَيُشَقُّ جَوْفُهُ فَيُخْرَجُ الْمَال وَيُوَفَّى مِنْهُ دَيْنُهُ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمُبَادَرَةِ إِلَى تَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ مِنَ الدَّيْنِ (1) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَيُحْتَمَل - إِنْ بَلَعَ مَال نَفْسِهِ - أَنَّهُ إِنْ كَانَ يَسِيرًا تُرِكَ، وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَتُهُ شُقَّ بَطْنُهُ وَأُخْرِجَ؛ لأَِنَّ فِيهِ حِفْظَ الْمَال مِنَ الضَّيَاعِ وَنَفْعَ الْوَرَثَةِ الَّذِينَ تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِمَالِهِ بِمَرَضِهِ (2) .
ج -
نَبْشُ الْقَبْرِ مِنْ أَجْل كَفَنٍ مَغْصُوبٍ:
6 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ نَبْشِ قَبْرِ الْمَيِّتِ مِنْ أَجْل كَفَنٍ مَغْصُوبٍ كُفِّنَ بِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْبَشُ الْقَبْرُ إِذَا كُفِّنَ الْمَيِّتُ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ نَبْشُ قَبْرِ الْمَيِّتِ بِكَفَنٍ مَغْصُوبٍ بِشُرُوطٍ:
أَوَّلُهَا:
أَنْ يَمْتَنِعَ رَبُّ الْكَفَنِ مِنْ أَخْذِ قِيمَتِهِ.
الثَّانِي:
عَدَمُ تَغَيُّرِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ الْمَيِّتُ أُجْبِرَ رَبُّ الْكَفَنِ عَلَى أَخْذِ قِيمَتِهِ مِنَ الْوَارِثِ.
الثَّالِثُ:
أَنْ لَا تَطُول الْمُدَّةُ بِحَيْثُ يُعْلَمُ مِنْهَا
(1) كشاف القناع 2 / 146.
(2)
المغني لابن قدامة 2 / 552.
فَسَادُ الْكَفَنِ وَإِلَاّ فَلَا يُنْبَشُ، وَيُعْطَى رَبُّ الْكَفَنِ قِيمَتَهُ (1) .
وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي تَرْجِيحِ نَبْشِ الْقَبْرِ مِنْ أَجْل كَفَنٍ مَغْصُوبٍ أَقْوَالٌ:
قَال النَّوَوِيُّ: لَوْ دُفِنَ فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مَسْرُوقٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَصَحُّهَا: أَنَّهُ يُنْبَشُ كَمَا لَوْ دُفِنَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ، وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ نَبْشُهُ بَل يُعْطَى صَاحِبُ الثَّوْبِ قِيمَتَهُ؛ لأَِنَّ الثَّوْبَ صَارَ كَالْهَالِكِ؛ وَلأَِنَّ خَلْعَهُ أَفْحَشُ فِي هَتْكِ الْحُرْمَةِ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْعَبْدَرِيُّ، وَهُوَ قَوْل الدَّارِمِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ عَنِ الأَْصْحَابِ.
وَالثَّالِثُ: إِنْ تَغَيَّرَ الْمَيِّتُ وَكَانَ فِي نَبْشِهِ هَتْكٌ لِحُرْمَتِهِ لَمْ يُنْبَشْ وَإِلَاّ نُبِشَ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ لأَِنْفُسِهِمَا بَعْدَ حِكَايَتِهِمَا عَنِ الأَْصْحَابِ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الدَّارِمِيُّ.
قَال الإِْمَامُ النَّوَوِيُّ: وَلَوْ كُفِّنَ الرَّجُل فِي
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 602، وفتح القدير 2 / 101 - 102، وجواهر الإكليل 1 / 117، والخرشي مع العدوي 2 / 144 - 145.
ثَوْبٍ حَرِيرٍ، قَال الرَّافِعِيُّ: هُوَ كَالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ تَجْرِي فِي نَبْشِهِ هَذِهِ الأَْوْجُهُ - الثَّلَاثَةُ - وَلَمْ أَرَ هَذَا لِغَيْرِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ فِيهِ بِعَدَمِ النَّبْشِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّ نَبْشَهُ لِحَقِّ مَالِكِهِ، قَالُوا: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ لأَِنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَقُّ اللَّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ (1) .
وَقَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: لَوْ دُفِنَ فِي أَرْضٍ أَوْ ثَوْبٍ مَغْصُوبَيْنِ وَطَالَبَ بِهِمَا مَالِكُهُمَا فَيَجِبُ النَّبْشُ وَلَوْ تَغَيَّرَ الْمَيِّتُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَتْكُ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ، لِيَصِل الْمُسْتَحِقُّ إِلَى حَقِّهِ.
وَيُسَنُّ لِصَاحِبِهِمَا التَّرْكُ.
وَمَحَل النَّبْشِ فِي الثَّوْبِ إِذَا وُجِدَ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ، وَإِلَاّ فَلَا يَجُوزُ النَّبْشُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّا إِذَا لَمْ نَجِدْ إِلَاّ ثَوْبًا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِكِهِ قَهْرًا وَلَا يُدْفَنُ عُرْيَانًا، وَهُوَ مَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ، قَالَهُ الأَْذْرَعِيُّ (2) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كُفِّنَ الْمَيِّتُ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ وَطَلَبَهُ مَالِكُهُ لَمْ يُنْبَشِ الْقَبْرُ، وَغُرِّمَ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ؛ لإِِمْكَانِ دَفْعِ الضَّرَرِ مَعَ عَدَمِ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْغُرْمُ لِعَدَمِ تَرِكَةٍ
(1) المجموع للنووي 5 / 299، ومغني المحتاج 1 / 366.
(2)
مغني المحتاج 1 / 366.