الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهَا، كَمَا اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ وَبِحَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَال: إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَوْفِ بِنَذْرِكَ (1) فَقَدْ أَمَرَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِالْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ إِذَا كَانَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَمَنِ الْتَزَمَ قُرْبَةً مِنَ الْقُرَبِ السَّابِقَةِ بِالنَّذْرِ فَقَدْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِالْقِيَاسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الشَّارِعَ قَدْ رَغَّبَ فِي هَذِهِ الْقُرَبِ وَحَضَّ عَلَى تَحْصِيلِهَا، وَالْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَهِيَ بِمَثَابَةِ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودَةِ (2) .
وَأَضَافُوا: إِنَّ هَذِهِ الْقُرَبَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ، إِلَاّ أَنَّهُ يَصِحُّ الْتِزَامُهَا بِالنَّذْرِ وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهَا قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَلْزَمَ النَّاذِرُ نَفْسَهُ أُضْحِيَةً أَوْ أَوْجَبَ هَدْيًا أَوِ اعْتِكَافًا أَوْ عُمْرَةً، فَإِنَّ هَذِهِ يَصِحُّ الْتِزَامُهَا بِالنَّذْرِ اتِّفَاقًا، وَلَيْسَتْ مِنَ الْفُرُوضِ (3)
(1) الْحَدِيثَانِ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُمَا ف 5.
(2)
نِهَايَة الْمُحْتَاجِ 8 / 235، وَزَاد الْمُحْتَاجِ 4 / 509.
(3)
الْمُغْنِي 9 / 3.
وَقَالُوا أَيْضًا إِنَّ النَّاذِرَ قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ قُرْبَةً عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّرِ فَتَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ، قِيَاسًا عَلَى الْتِزَامِهِ مَا لَهُ أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ، وَالَّذِي هُوَ مَوْضِعُ إِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ (1)
الْمَذْهَبُ الثَّانِي:
يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُ أَيٍّ مِنْ هَذِهِ الْقُرَبِ بِالنَّذْرِ، وَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ (2)
وَاسْتَدَل هَؤُلَاءِ بِأَنَّ هَذِهِ الْقُرَبَ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ، فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهَا بِالنَّذْرِ، إِذِ النَّذْرُ إِيجَابُ الْعَبْدِ، فَيُعْتَبَرُ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى، إِذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الإِْيجَابِ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا صَحَّحْنَا إِيجَابَهُ فِي مِثْل مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَحْصِيلاً لِلْمَصْلَحَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنَّذْرِ، كَمَا أَنَّ هَذِهِ الْقُرَبَ لَيْسَتْ عَلَى أَوْضَاعِ الْعِبَادَاتِ فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهَا بِالنَّذْرِ (3)
ج - نَذْرُ الْمَعْصِيَةِ:
16 -
نَذْرُ الْمَعْصِيَةِ: الْتِزَامُ مَا نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ كَنَذْرِ شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ نَذْرِ الْقَتْل، أَوِ الصَّلَاةِ فِي
(1) الْمَصْدَر السَّابِق.
(2)
بَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 4 286 - 2865، وَالدَّرّ الْمُخْتَار وَرَدّ الْمُحْتَارِ 3 / 67، وَرَوْضَة الطالِبين 3 / 303، وَنِهَايَة الْمُحْتَاجِ 8 / 235.
(3)
بَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 2865، الاِخْتِيَار 4 / 77، وَالدَّرّ الْمُخْتَار 3 / 67، وَنِهَايَة الْمُحْتَاجِ 8 / 235.
حَال الْحَدَثِ أَوْ ذَبْحِ الْوَلَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى عَدَمِ انْعِقَادِ هَذَا النَّذْرِ، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ. وَقَيَّدَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمَ انْعِقَادِ نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ بِمَا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ أَوْ لَيْسَ فِيهِ جِهَةُ قُرْبَةٍ، فَإِذَا كَانَ فِيهِ جِهَةُ قُرْبَةٍ: كَنَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّ النَّذْرَ بِهِ يَنْعَقِدُ، وَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِصَوْمِ يَوْمٍ آخَرَ، وَلَوْ صَامَهُ خَرَجَ عَنِ الْعُهْدَةِ.
وَمِنَ الْحَنَفِيَّةِ مَنْ قَال بِانْعِقَادِ نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ يَمِينًا، وَأَنَّ النَّاذِرَ يَلْزَمُهُ - وَالْحَال هَذِهِ - أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ كَالْحَانِثِ. قَال الطَّحَاوِيُّ: إِذَا أَضَافَ النَّذْرَ إِلَى الْمَعَاصِي كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُل فُلَانًا كَانَ يَمِينًا، وَلَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ.
وَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ نَذْرَ الْمَعْصِيَةِ مُنْعَقِدٌ وَصَحِيحٌ، إِلَاّ أَنَّهُ لَا يَحِل الْوَفَاءُ بِهِ (1)
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ (2)
(1) فَتْح الْقَدِير 4 / 26، وَرَدّ الْمُحْتَارِ 3 / 68، وَبَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 2864، وَالْمُقْدِمَات الْمُمَهِّدَات 1 / 404، وَشَرْح الزُّرْقَانِيّ عَلَى مُخْتَصَر خَلِيل 3 / 93، وَكِفَايَة الطَّالِب الرَّبَّانِيّ 3 / 55، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 3 / 300، وَنِهَايَة الْمُحْتَاجِ 8 / 223، وَزَاد الْمُحْتَاجِ 4 / 494 - 495، وَالْمُغْنِي 9 / 3، وَالْكَافِي 4 / 419، وَكَشَّاف الْقِنَاع 6 / 275.
(2)
حَدِيث: " مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ. . . " تَقَدَّمَ تَخْرِيجه فِقْرَة (5) .
وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (1)، وَمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ (2) وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذِهِ الأَْحَادِيثِ هُوَ أَنَّهَا أَفَادَتْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَزِمَ الْمَرْءُ بِالنَّذْرِ مَا يُعَدُّ مَعْصِيَةً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، كَمَا أَفَادَتْ هَذِهِ الأَْحَادِيثُ أَنَّهُ لَا يَحِل الْوَفَاءُ بِمِثْل هَذَا النَّذْرِ، فَهَذَا هُوَ مَا يَقْتَضِيهِ النَّهْيُ الْوَارِدُ فِيهَا عَنِ الْوَفَاءِ بِهِ.
وَقَدْ حَكَى ابْنُ قُدَامَةَ إِجْمَاعَ الْفُقَهَاءِ عَلَى عَدَمِ حِل الْوَفَاءِ بِنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ (3)
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِالْمَعْقُول مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَعْصِيَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَحِل فِي حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ هَذَا بِطَرِيقِ النَّذْرِ أَوْ بِغَيْرِهِ (4) ، وَبِأَنَّ حُكْمَ النَّذْرِ هُوَ وُجُوبُ الْمَنْذُورِ بِهِ، وَوُجُوبُ فِعْل الْمَعْصِيَةِ مُحَالٌ (5)
17 -
وَإِذَا كَانَ الْفُقَهَاءُ مُجْمِعِينَ عَلَى عَدَمِ حِل الْوَفَاءِ بِنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ، فَإِنَّ النَّاذِرَ إِنْ وَفَّى بِهِ أَثِمَ وَلَا
(1) حَدِيث: " لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. . . " تَقَدَّمَ تَخْرِيجه فِقْرَة (10) .
(2)
حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ: إِلَاّ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَة. . . " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (3 / 1263 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) .
(3)
الْمُغْنِي 9 / 3.
(4)
الْمَصْدَر السَّابِق.
(5)
بَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 2864.
كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَقَدْ أَحْسَنَ، إِلَاّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ عَلَى اتِّجَاهَيْنِ: الاِتِّجَاهُ الأَْوَّل: يَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً فَلَمْ يَفِ بِهَا لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنهم. وَهُوَ قَوْل سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ اخْتَارَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ (1) .
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (2) وَبِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: النَّذْرُ نَذْرَانِ فَمَا كَانَ مِنْ نَذْرٍ فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَذَلِكَ لِلَّهِ وَفِيهِ الْوَفَاءُ، وَمَا كَانَ مِنْ نَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ وَلَا وَفَاءَ فِيهِ وَيُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ (3)
(1) رَدَّ الْمُحْتَارَ 3 / 68، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 1 / 423، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 3 / 300، وَالْمُغْنِي 9 /، 3، وَالْكَافِي 4 / 419، وَكَشَّاف الْقِنَاع 6 / 276
(2)
حَدِيث: " لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. . " تَقَدَّمَ تَخْرِيجه فِقْرَة (10) .
(3)
حَدِيث: " النَّذْر نَذْرَانِ فَمَا كَانَ مِنْ نَذْرٍ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. . . " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ (7 / 29 ط التِّجَارِيَّة الْكُبْرَى) وَالْبَيْهَقِيّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى (10 / 70 ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ) وَضَعْف النَّسَائِيّ أَحَد رُوَاته.
فَقَدْ أَفَادَ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ أَنَّهُ لَا يَحِل الْوَفَاءُ بِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَفِ بِهِ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
وَقَالُوا: إِنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْل مَعْصِيَةٍ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ عَنْ يَمِينِهِ هَذَا، فَكَذَلِكَ - قِيَاسًا - إِذَا نَذَرَهَا (1)
وَقَالُوا: إِنَّ النَّذْرَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ، فَمَنْ لَمْ يَفِ بِنَذْرِهِ إِنْ كَانَ مَعْصِيَةً لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (2)، وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّ النَّذْرَ يَمِينٌ مَا وَرَدَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَال: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ حَافِيَةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَفْتَيْتُهُ فَقَال: لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ (3) ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، فَلْتَرْكَبْ وَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (4) وَمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ
(1) الْمُغْنِي 9 / 5، وَالْكَافِي 4 / 419.
(2)
الْمُغْنِي 9 / 4 - 5، وَكَشَّاف الْقِنَاع 6 / 276.
(3)
حَدِيث عُقْبَة بْن عَامِرٍ: " نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بِبَتّ اللَّه. . . " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (فَتْح الْبَارِي 4 / 79 ط السَّلَفِيَّة) ، وَمُسْلِم (3 / 1264 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) وَاللَّفْظ لِمُسْلِم.
(4)
حَدِيث: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِك شَيْئًا. . . " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ (4 / 116 ط الْحَلَبِيّ) وَقَال: هَذَا حَدِيث حَسَن.
عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، فَلْتَحُجَّ رَاكِبَةً وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا (1) .
الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً فَلَمْ يَفِ بِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ مَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُهُمْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (2)
وَاسْتَدَل هَؤُلَاءِ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا مَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَال: بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَل عَنْهُ، فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيل نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَسْتَظِل، وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِل وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ (3)
(1) حَدِيث: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِك شَيْئًا. . . " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (3 / 597 - 598 ط حِمْص) وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرِكِ (4 / 302 ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ) وَقَال: صَحِيحٌ عَلَى شَرْط مُسْلِم.
(2)
كِفَايَة الطَّالِب الرَّبَّانِيّ 3 / 55، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 1 / 423، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 3 / 300، وَزَاد الْمُحْتَاجِ 4 / 495، وَالْمُغْنِي 9 / 4.
(3)
حَدِيث ابْن عَبَّاسٍ: بَيَّنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ. . . . " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (فَتْح الْبَارِي 11 / 586 ط السَّلَفِيَّة) .
وَبِمَا وَرَدَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَْنْصَارِ أُسِرَتْ فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الْوَثَاقِ، فَرَكِبَتِ الْعَضْبَاءَ، وَنَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: سُبْحَانَ اللَّهِ بِئْسَمَا جَزَتْهَا، نَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ (1)
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْوَفَاءِ بِالصَّوْمِ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ، وَنَهَى عَنِ الْوَفَاءِ بِمَا لَيْسَ طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً مِنَ الْوُقُوفِ وَتَرْكِ الاِسْتِظْلَال وَتَرْكِ الْكَلَامِ، وَلَمْ يَأْمُرِ النَّاذِرَ بِكَفَّارَةٍ. كَمَا لَمْ يَأْمُرْ مَنْ نَذَرَتْ نَحْرَ الْعَضْبَاءِ بِكَفَّارَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ تَجِبُ كَفَّارَةٌ فِي عَدَمِ الْوَفَاءِ بِهَذَا النَّذْرِ لأََمَرَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا إِسْرَائِيل وَهَذِهِ الأَْنْصَارِيَّةَ بِالتَّكْفِيرِ.
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: لَا نَذْرَ إِلَاّ فِيمَا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ (2) وَبِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ
(1) حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ " أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَْنْصَارِ أَسَرَّتْ. . . " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (3 / 1263 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) .
(2)
حَدِيث: " لَا نَذْرَ إِلَاّ فِيمَا يُبْتَغَى بِهِ وَجْه اللَّهِ ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (3 / 582 ط حِمْص) وَأَحْمَد فِي الْمُسْنَدِ (2 / 185 ط الميمنية) .