الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا (1) وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ (2) الْمَذْهَبُ الثَّانِي: يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَا لَا يُطِيقُ الْوَفَاءَ بِهِ، أَوْ يَعْجِزُ عَنِ الْوَفَاءِ بِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ تَقْدِيرًا بِأَدَاءِ خَلَفِهِ، إِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ نَذَرَ صِيَامًا فَعَجَزَ عَنْهُ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ عَمَّا نَذَرَهُ مِنْهُ (3) وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْتِزَامَ النَّاذِرِ مَا لَا يُطِيقُ بِالنَّذْرِ مَعْصِيَةٌ؛ لأَِنَّ الْوَفَاءَ بِهِ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى إِهْلَاكِ النَّاذِرِ، وَمِثْل هَذَا لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ (4) وَبِأَنَّ الْوَفَاءَ بِعَيْنِ الْمَنْذُورِ إِنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ إِمْكَانِ الْوَفَاءِ بِهِ، فَأَمَّا عِنْدُ التَّعَذُّرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ تَقْدِيرًا، وَذَلِكَ بِأَدَاءِ خَلَفِهِ؛ لأَِنَّ الْخَلَفَ يَقُومُ مَقَامَ الأَْصْل، كَمَا هُوَ الْحَال فِي اسْتِعْمَال التُّرَابِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ، وَالأَْشْهُرِ عِنْدَ عَدَمِ الأَْقْرَاءِ فِي الْعِدَّةِ (5)
(1) سورة البقرة / 286.
(2)
حديث: " من نذر أن يطيع الله. . . " سبق تخريجه (ف 5) .
(3)
رد المحتار 3 / 70، وبدائع الصنائع 6 / 2885.
(4)
رد المحتار 3 / 70، وبدائع الصنائع 6 / 2864.
(5)
بدائع الصنائع 6 / 2885.
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ:
ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَيَرَوْنَ أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا أَوِ اعْتِكَافًا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَعَجَزَ عَنْ أَدَاءِ هَذِهِ الْقُرَبِ فِيهِ، لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ لِلتَّأْخِيرِ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، وَإِنْ نَذَرَ صَدَقَةً فَأَعْسَرَ بِهَا سَقَطَ عَنْهُ النَّذْرُ مَا دَامَ مُعْسِرًا فَإِذَا أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَ أَدَاؤُهَا، وَإِنْ نَذَرَ حَجًّا فِي سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَمَنَعَهُ مَرَضٌ أَوْ نَحْوُهُ قَبْل الإِْحْرَامِ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَا قَضَاءَ لَوْ كَانَ مَعْضُوبًا وَقْتَ النَّذْرِ أَوْ طَرَأَ الْعَضْبُ، وَلَمْ يَجِدِ الْمَال حَتَّى مَضَتِ السَّنَةُ الْمُعَيَّنَةُ، فَإِنْ مَنَعَهُ الْمَرَضُ بَعْدَ الإِْحْرَامِ فَالْمَذْهَبُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا امْتَنَعَ الْحَجُّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ بَعْدَ الاِسْتِطَاعَةِ (1) وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ يَجِبَانِ شَرْعًا مَعَ الْعَجْزِ، وَالْوَاجِبُ بِالنَّذْرِ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ، فَلَا أَثَرَ لِعَجْزِ النَّاذِرِ عَنْهُمَا فِي وُجُوبِهِمَا عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا إِنْ عَيَّنَ وَقْتًا لِلأَْدَاءِ، بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ إِلَاّ عِنْدَ وُجُودِ الاِسْتِطَاعَةِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الإِْسْلَامِ أَوِ الْحَجَّةُ الْمَنْذُورَةُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، إِنْ مَنَعَ ذَلِكَ مَانِعٌ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهِ؛ لاِسْتِقْرَارِهِ فِي ذِمَّتِهِ بِتَمَكُّنِهِ هَذَا،
(1) روضة الطالبين 3 / 322، ونهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي عليه 8 / 231، وزاد المحتاج 4 / 505.
بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنِ النَّاذِرُ مِنْ أَدَائِهِ، بِأَنْ عَرَضَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَبْل تَمَكُّنِهِ مِنَ الأَْدَاءِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ، لأَِنَّ الْمَنْذُورَ نُسُكٌ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، وَلَمْ يَتَمَكَّنِ النَّاذِرُ مِنْهُ (1)
الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: يَرَى مَنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ - وَهُمُ الْحَنَابِلَةُ - أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَدَاءَ الصِّيَامِ أَوِ الصَّلَاةِ أَوِ الاِعْتِكَافِ أَوِ الطَّوَافِ أَوْ نَحْوِهَا، فَلَمْ يُطِقْ أَدَاءَهَا أَوْ عَجَزَ عَنْهُ عَجْزًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَإِذَا كَانَ عَجْزُهُ عَنْ ذَلِكَ مَرْجُوَّ الزَّوَال، انْتَظَرَ زَوَالَهُ، وَأَدَّى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ، وَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِنْ نَذَرَ حَجًّا لَزِمَهُ صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَعْضُوبًا، إِلَاّ أَنَّهُ يُنِيبُ عَنْهُ فِي حَال الْعَضْبِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، وَإِنْ أَطَاقَ الْبَعْضَ أَتَى بِهِ وَكَفَّرَ لِلْبَاقِي.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَذَرَ صِيَامًا فَعَجَزَ عَنْهُ، وَعَمَّا إِذَا كَانَ يَلْزَمُهُ مَعَ كَفَّارَةِ النَّذْرِ إِطْعَامٌ عَنْ كُل يَوْمٍ مَنْذُورٍ صِيَامُهُ أَمْ لَا؟ فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ النَّاذِرَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْ كُل يَوْمٍ نَذَرَ صِيَامَهُ مِسْكِينًا، كَمَا هُوَ الْحَال فِيمَنْ عَجَزَ عَنْ صِيَامِ رَمَضَانَ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْمَذْهَبُ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كَلَامِ الآْدَمِيِّينَ يُحْمَل عَلَى الْمَعْهُودِ شَرْعًا، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ النَّاذِرَ شَيْءٌ غَيْرُ
(1) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 3 / 322، وَنِهَايَةُ الْمُحْتَاجِ 8 / 231، وَزَادُ الْمُحْتَاجِ 4 / 505.
الْكَفَّارَةِ، لأَِنَّهُ نَذْرٌ عَجَزَ عَنِ الْوَفَاءِ بِهِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، كَسَائِرِ النُّذُورِ، وَلأَِنَّ مُوجِبَ النَّذْرِ مُوجِبُ الْيَمِينِ إِلَاّ مَعَ إِمْكَانِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ قُرْبَةً (1) وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ سَأَل النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أُخْتٍ لَهُ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ حَافِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ، فَقَال لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" مُرْهَا فَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَرْكَبْ وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ " وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ شَيْئًا، فَلْتَحُجَّ رَاكِبَةً، وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا "(2) وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُةُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطَاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ (3) وَقَالُوا: إِنَّ النَّذْرَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْيَمِينِ، وَمُوجِبُ النَّذْرِ هُوَ مُوجِبُ الْيَمِينِ، إِلَاّ مَعَ إِمْكَانِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ قُرْبَةً، فَإِنْ كَانَ مَعْجُوزًا عَنْهُ
(1) الْمُغْنِي 9 / 9 - 11، وَالْكَافِي 4 / 428 - 429، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 6 / 282.
(2)
حَدِيثُ: " مُرْهَا فَلْتَخْتَمِرْ. . . " سَبَقَ تَخْرِيجُهُ (ف 17) .
(3)
حَدِيثُ: " مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ. . . " سَبَقَ تَخْرِيجُهُ (ف 24) .