الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَكْمُل النُّصْحُ لِلَّهِ بِدُونِ ذَلِكَ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ بِدُونِ كَمَال الْمَحَبَّةِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ (1) .
وَقَال ابْنُ حَجْرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: يُحْتَمَل أَنْ يُحْمَل الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ لأَِنَّ كُل عَمَلٍ لَمْ يُرِدْ بِهِ عَامِلُهُ الإِْخْلَاصَ فَلَيْسَ مِنَ الدِّينِ (2) .
مَنْ تَجِبُ لَهُ النَّصِيحَةُ وَمَا تَكُونُ بِهِ:
7 -
وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: الدِّينُ النَّصِيحَةُ " قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَال: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ (3) .
قَال النَّوَوِيُّ: ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَلَامًا نَفِيسًا، أَنَا أَضُمُّ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ، قَالُوا:
أَمَّا النَّصِيحَةُ لِلَّهِ تَعَالَى فَمَعْنَاهَا مُنْصَرِفٌ إِلَى الإِْيمَانِ بِهِ، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ عَنْهُ، وَتَرْكِ الإِْلْحَادِ فِي صِفَاتِهِ، وَوَصْفِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَال وَالْجَلَال كُلِّهَا، وَتَنْزِيهِهِ سبحانه وتعالى مِنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ، وَالْقِيَامِ بِطَاعَتِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ، وَالْحُبِّ فِيهِ، وَالْبُغْضِ فِيهِ، وَمُوَالَاةِ مَنْ أَطَاعَهُ، وَمُعَادَاةِ مَنْ
(1) جَامِع الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ 1 / 218.
(2)
فَتْح الْبَارِّي 1 / 138.
(3)
حَدِيث: " الدِّين النَّصِيحَة ". سَبَقَ تَخْرِيجه ف 5.
عَصَاهُ، وَجِهَادِ مَنْ كَفَرَ بِهِ، وَالاِعْتِرَافِ بِنِعْمَتِهِ، وَشُكْرِهِ عَلَيْهَا، وَالإِْخْلَاصِ فِي جَمِيعِ الأُْمُورِ، وَالدُّعَاءِ إِلَى جَمِيعِ الأَْوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْحَثِّ عَلَيْهَا، وَالتَّلَطُّفِ بِالنَّاسِ أَوْ مَنْ أَمْكَنَ مِنْهُمْ عِلْمُهَا، قَال الْخَطَّابِيُّ: حَقِيقَةُ هَذِهِ الإِْضَافَةِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْعَبْدِ فِي نُصْحِهِ نَفْسَهُ فَاللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ نُصْحِ النَّاصِحِ (1) .
وَأَمَّا النَّصِيحَةُ لِكِتَابِ اللَّهِ سبحانه وتعالى فَتَكُونُ بِالإِْيمَانِ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَنْزِيلُهُ، لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْخَلْقِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ تَعْظِيمُهُ وَتِلَاوَتُهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ، وَتَحْسِينُهَا وَالْخُشُوعُ عِنْدَهَا، وَإِقَامَةُ حُرُوفِهِ فِي التِّلَاوَةِ، وَالذَّبُّ عَنْ تَأْوِيل الْمُحَرِّفِينَ وَتَعَرُّضِ الطَّاغِينَ، وَالتَّصْدِيقُ بِمَا فِيهِ، وَالْوُقُوفُ مَعَ أَحْكَامِهِ، وَتَفَهُّمُ عُلُومِهِ وَأَمْثَالِهِ، وَالاِعْتِبَارُ بِمَوَاعِظِهِ، وَالتَّفَكُّرُ فِي عَجَائِبِهِ، وَالْعَمَل بِمُحْكَمِهِ وَالتَّسْلِيمُ لِمُتَشَابِهِهِ، وَالْبَحْثُ عَنْ عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ، وَنَشْرُ عُلُومِهِ، وَالدُّعَاءُ إِلَيْهِ وَإِلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ نَصِيحَتِهِ (2) .
(1) شَرْح صَحِيح مُسْلِم لِلنَّوَوِيِّ 1 / 397، وَدَلِيل الْفَالِحِينَ لِطُرُقِ رِيَاض الصَّالِحِينَ 1 / 459، وَفَتْح الْبَارِّي 1 / 138، وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ 4 / 742، وَالنِّهَايَة فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالأَْثَر لاِبْنِ الأَْثِيرِ ط دَار الْفِكْرِ - بَيْرُوت.
(2)
الْمَرَاجِع السَّابِقَة.
وَأَمَّا النَّصِيحَةُ لِرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَصْدِيقُهُ عَلَى الرِّسَالَةِ، وَالإِْيمَانُ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ، وَطَاعَتُهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَنُصْرَتُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَمُعَادَاةُ مَنْ عَادَاهُ وَمُوَالَاةُ مَنْ وَالَاهُ، وَإِعْظَامُ حَقِّهِ وَتَوْقِيرِهِ، وَإِحْيَاءُ طَرِيقَتِهِ وَسُنَّتِهِ، وَبَثُّ دَعْوَتِهِ، وَنَشْرُ شَرِيعَتِهِ، وَنَفْيُ التُّهْمَةِ عَنْهَا، وَاسْتِثَارَةُ عُلُومِهَا، وَالتَّفَقُّهُ فِي مَعَانِيهَا، وَالدُّعَاءُ إِلَيْهَا، وَالتَّلَطُّفُ فِي تَعَلُّمِهَا وَتَعْلِيمِهَا، وَإِعْظَامُهَا وَإِجْلَالُهَا، وَالتَّأَدُّبُ عِنْدَ قِرَاءَتِهَا، وَالإِْمْسَاكُ عَنِ الْكَلَامِ فِيهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَإِجْلَال أَهْلِهَا لاِنْتِسَابِهِمْ إِلَيْهَا، وَالتَّخَلُّقُ بِأَخْلَاقِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ، وَمَحَبَّةُ أَهْل بَيْتِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمُجَانَبَةُ مَنِ ابْتَدَعَ فِي سُنَّتِهِ أَوْ تَعَرَّضَ لأَِحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (1) .
وَالنَّصِيحَةُ لأَِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ تَكُونُ بِمُعَاوَنَتِهِمْ عَلَى الْحَقِّ، وَطَاعَتِهِمْ فِيهِ، وَأَمْرِهِمْ بِهِ وَتَنْبِيهِهِمْ وَتَذْكِيرِهِمْ بِرِفْقٍ وَلُطْفٍ، وَإِعْلَامِهِمْ بِمَا غَفَلُوا عَنْهُ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، وَتَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ، وَتَأْلِيفِ قُلُوبِ النَّاسِ لِطَاعَتِهِمْ، قَال الْخَطَّابِيُّ: وَمِنَ النَّصِيحَةِ لَهُمُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُمْ، وَالْجِهَادُ مَعَهُمْ، وَأَدَاءُ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ، وَتَرْكُ الْخُرُوجِ بِالسَّيْفِ عَلَيْهِمْ إِذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ حَيْفٌ أَوْ سُوءُ عِشْرَةٍ، وَأَنْ لَا يُغَرُّوا بِالثَّنَاءِ
(1) الْمَرَاجِع السَّابِقَة.
الْكَاذِبِ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يُدْعَى لَهُمْ بِالصَّلَاحِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْخُلَفَاءُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَقُومُ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْوِلَايَاتِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا ثُمَّ قَال: وَقَدْ يُتَأَوَّل ذَلِكَ عَلَى الأَْئِمَّةِ الَّذِينَ هُمْ عُلَمَاءُ الدِّينِ وَأَنَّ مِنْ نَصِيحَتِهِمْ قَبُول مَا رَوَوْهُ وَتَقْلِيدَهُمْ فِي الأَْحْكَامِ وَإِحْسَانَ الظَّنِّ بِهِمْ (1) .
وَأَمَّا نَصِيحَةُ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ - وَهُمْ مَنْ عَدَا وُلَاةِ الأَْمْرِ - فَإِرْشَادُهُمْ لِمَصَالِحِهِمْ فِي آخِرَتِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَكَفِّ الأَْذَى عَنْهُمْ، فَيُعَلِّمُهُمْ مَا يَجْهَلُونَ مِنْ دِينِهِمْ وَيُعِينُهُمْ عَلَيْهِ بِالْقَوْل وَالْفِعْل، وَسَتْرِ عَوْرَاتِهِمْ، وَسَدِّ خَلَاّتِهِمْ، وَدَفْعِ الْمَضَارِّ عَنْهُمْ وَجَلْبِ الْمَنَافِعِ لَهُمْ وَأَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِمْ عَنِ الْمُنْكَرِ بِرِفْقٍ وَإِخْلَاصٍ، وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ، وَتَوْقِيرِ كَبِيرِهِمْ، وَرَحْمَةِ صَغِيرِهِمْ، وَتَخَوُّلِهِمْ بِالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَتَرْكِ غِشِّهِمْ وَحَسَدِهِمْ، وَأَنْ يُحِبَّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَكْرَهَ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْمَكْرُوهِ، وَالذَّبِّ عَنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، بِالْقَوْل وَالْفِعْل، وَحَثِّهِمْ عَلَى التَّخَلُّقِ وَبِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنْوَاعِ النَّصِيحَةِ، وَتَنْشِيطِ هِمَمِهِمْ إِلَى الطَّاعَاتِ (2) .
(1) الْمَرَاجِعُ السَّابِقَةُ.
(2)
الْمَرَاجِع السَّابِقَة.