الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّذْرِ، وَلَا يُوجِبُ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِهِ كَفَّارَةً، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُهُ أَوِ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ شَرْعًا، فَأَشْبَهَ الْيَمِينَ عَلَى فِعْل أَمْرٍ مُسْتَحِيلٍ، وَإِذَا كَانَ لَا يَلْزَمُ فِي الْحِنْثِ فِي هَذَا الْيَمِينِ كَفَّارَةٌ فَبِالأَْوْلَى لَا يَلْزَمُ فِي عَدَمِ الْوَفَاءِ بِنَذْرِ الْمُسْتَحِيل كَفَّارَةٌ.
وَفِي رَأْيٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْكَافِي قَائِلاً: وَيُحْتَمَل أَنْ يُوجِبَ الْكَفَّارَةَ كَيَمِينِ الْغَمُوسِ (1) .
ز - النَّذْرُ الْمُبْهَمُ:
24 -
النَّذْرُ الْمُبْهَمُ هُوَ النَّذْرُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ مَخْرَجُهُ مِنَ الأَْعْمَال، وَذَلِكَ كَقَوْل النَّاذِرِ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ، دُونَ أَنْ يُبَيِّنَ الأَْعْمَال الَّتِي الْتَزَمَهَا بِهَذَا النَّذْرِ، أَصَوْمٌ هِيَ أَمْ صَلَاةٌ أَمْ حَجٌّ أَمْ غَيْرُهَا (2) .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا النَّذْرِ، أَمُنْعَقِدٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ، وَفِيمَا إِذَا كَانَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ أَوْ لَا يَلْزَمُ، وَمَا يَجِبُ إِنْ قِيل بِانْعِقَادِهِ وَصِحَّتِهِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ.
فَقَال الْجُمْهُورُ: إِنَّ النَّذْرَ الْمُبْهَمَ مُنْعَقِدٌ
(1) الدَّرّ الْمُخْتَار وَرَدّ الْمُحْتَارِ 3 / 68، وَبَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 2863، وَالْمُغْنِي 9 / 6، وَالْكَافِي 4 / 421، وَكَشَّاف الْقِنَاع 6 / 274.
(2)
كِفَايَة الطَّالِب الرَّبَّانِيّ وَحَاشِيَة الْعَدَوِي عَلَيْهِ 3 / 59.
وَصَحِيحٌ، وَهُوَ كَالْحَلِفِ بِاللَّهِ وَلَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ، إِلَاّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَجِبُ بِهِ عَلَى رَأْيَيْنِ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل:
أَنَّهُ تَجِبُ بِالنَّذْرِ الْمُبْهَمِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَطَاوُوسٍ وَالْقَاسِمِ ابْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالثَّوْرِيِّ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَال بِهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ.
وَقَال الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ أَوْجَبْنَا عَلَى النَّاذِرِ الْوَفَاءَ بِهَذَا النَّذْرِ لَزِمَهُ قُرْبَةٌ مِنَ الْقُرَبِ مِمَّا يَجُوزُ الْتِزَامُهَا بِالنَّذْرِ وَيُتْرَكُ تَعْيِينُهَا إِلَيْهِ.
وَثَمَّةَ قَوْلٌ آخَرُ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ: أَنَّ النَّاذِرَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ، وَمِمَّنْ رَأَى وُجُوبَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَى مَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُبْهَمًا الْحَنَابِلَةُ (1) .
الرَّأْيُ الثَّانِي:
قَال بِهِ الْحَنَفِيَّةُ. وَلَهُمْ تَفْصِيلٌ فِيمَا يَجِبُ بِهَذَا النَّذْرِ. إِذْ يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا
(1) الدَّرّ الْمُخْتَار وَرَدّ الْمُحْتَارِ 3 / 71، وَبَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 2887، 2888، وَالتَّاج وَالإِْكْلِيل 3 / 319، وَكِفَايَة الطَّالِب الرَّبَّانِيّ وَحَاشِيَة الْعَدَوِي 3 / 59، وَشَرْح الزُّرْقَانِيّ 3 / 92، وَالْمُقْدِمَات الْمُمَهِّدَات 1 / 406، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 3 / 296، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج 10 / 70، وَالْمُغْنِي 9 / 3، وَالْكَافِي 4 / 418.
مُبْهَمًا، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِيهِ فَحُكْمُهُ هُوَ وُجُوبُ مَا نَوَاهُ، سَوَاءٌ كَانَ النَّذْرُ مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ، فَإِنْ نَوَى صَوْمًا أَوْ صَلَاةً أَوْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ فِي الْمُطْلَقِ لِلْحَال، وَفِي الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَا تُجْزِئُ النَّاذِرَ كَفَّارَةٌ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ نَوَى فِيهِ صِيَامًا وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ نَوَى إِطْعَامًا وَلَمْ يَنْوِ عَدَدَ مَا يُطْعِمُهُ فَعَلَيْهِ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُل مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ، لأَِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَكَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، لأََنَّ النَّذْرَ الْمُبْهَمَ يَمِينٌ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فَمَا نَوَاهُ يَنْصَرِفُ إِلَى خِصَال الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ قَال: عَلَيَّ صَدَقَةٌ فَعَلَيْهِ نِصْفُ صَاعٍ، وَلَوْ قَال: عَلَيَّ صَوْمٌ لَزِمَهُ صَوْمُ يَوْمٍ، وَلَوْ قَال: عَلَيَّ صَلَاةٌ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ، لأَِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الأَْمْرُ، وَالنَّذْرُ مُعْتَبَرٌ بِهِ (1) .
وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ لِذَلِكَ بِالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
أَمَّا السُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ فِيمَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رضي الله عنه قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ (2) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّ
(1) الدَّرّ الْمُخْتَار وَرَدّ الْمُحْتَارِ 3 / 71، وَبَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 2887 - 2888.
(2)
حَدِيث: " كَفَّارَة النَّذْر كَفَّارَة الْيَمِينِ ". تَقَدَّمَ تَخْرِيجه (ف 12) .
رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (1) وَكَذَلِكَ بِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطَاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ (2) .
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَفَادَتَا أَنَّ النَّذْرَ الْمُبْهَمَ - وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ مَخْرَجُهُ مِنَ الأَْعْمَال - نَذْرٌ مُنْعَقِدٌ صَحِيحٌ وَأَنَّ كَفَّارَتَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَأَفَادَتِ الرِّوَايَةُ الأُْولَى مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ أَنَّ النَّذْرَ كَالْيَمِينِ وَمُوجِبُهُ هُوَ مُوجِبُ الْيَمِينِ، فَإِنْ صَحَّ النَّذْرُ وَأَمْكَنَ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِلَاّ وَجَبَ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَالنَّذْرُ الْمُبْهَمُ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ مَا يُوفِي بِهِ فَتَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
وَأَمَّا إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُمْ قَالُوا: تَجِبُ فِي النَّذْرِ الْمُبْهَمِ كَفَّارَةٌ، وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةَ:
(1) حَدِيث: " كَفَّارَة النَّذْر إِذَا لَمْ يُسَمَّ كَفَّارَة يَمِين " أَخْرَجَهُ التزمذي (4 / 106 ط الْحَلَبِيّ) وَقَال: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
(2)
حَدِيث: " مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يَسِمْهُ فَكَفَّارَته كَفَّارَة يَمِين. . . " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (3 / 614 ط حَمَّصَ) وَأَشَارَ ابْن حَجْرٍ فِي الْفَتْحِ (11 / 587) إِلَى تَرْجِيحِ وَقْفِهِ عَلَى ابْن عَبَّاسٍ.