الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمَّا أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْل فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا، فَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْل أَرْبَعُ سِنِينَ (1)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ أَقْصَى مُدَّةِ الْحَمْل سَنَتَانِ (2) وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَمْل خَمْسُ سِنِينَ، وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إِنَّ أَقْصَى الْحَمْل تِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ الْمُدَّةُ الْمُعْتَادَةُ (3) وَانْظُرِ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (حَمْل ف 6 وَمَا بَعْدَهَا) .
هـ - الْبَيِّنَةُ:
23 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَيَمِينٍ، وَلَا بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ (4) وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ.
(1) بِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 372، وَجَوَاهِر الإِْكْلِيل 1 / 380، وَالْخَرَشِيّ 1 / 143، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 2 / 141، 142، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 3 / 373، 380، وَالْمُغْنِي 7 / 477، 483.
(2)
الْهِدَايَة 2 / 36، وَحَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 2 / 623، وَالاِخْتِيَار 3 / 179، وَالْمُغْنِي 7 / 447 - 480.
(3)
جَوَاهِر الإِْكْلِيل 2 / 312، 313، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 252، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 2 / 460.
(4)
جَوَاهِر الإِْكْلِيل 2 / 304، وَالْجُمَل 5 / 394، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 360.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ عَدْلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ (1) ، لأَِنَّ النَّسَبَ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَال وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَال، فَلَمْ يَكُنْ لِلنِّسَاءِ فِي شَهَادَتِهِ مَدْخَلٌ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ (2) وَالتَّفْصِيل فِي (شَهَادَةِ ف 19) .
وَ - الإِْقْرَارُ:
24 - الإِْقْرَارُ بِالنَّسَبِ وَاجِبٌ عَلَى الصَّادِقِ، حَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ بِالإِْقْرَارِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي بَعْضِ التَّفَاصِيل. فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الإِْقْرَارَ بِالنَّسَبِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: إِقْرَارُ الرَّجُل بِوَارِثٍ. وَالثَّانِي: إِقْرَارُ الْوَارِثِ بِوَارِثِهِ. وَيَتَعَلَّقُ بِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمَانِ حُكْمُ النَّسَبِ وَحُكْمُ الْمِيرَاثِ. أَمَّا الإِْقْرَارُ بِوَارِثٍ فَلِصِحَّتِهِ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ شَرَائِطُ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مُحْتَمَل الثُّبُوتِ، لأَِنَّ الإِْقْرَارَ إِخْبَارٌ عَنْ كَائِنٍ، فَإِذَا
(1) جَوَاهِر الإِْكْلِيل 2 / 304، وَالْجُمَل 5 / 394، وَنِيل الْمَآرِب 2 / 483، 484.
(2)
فَتْح الْقَدِير 6 / 7.
اسْتَحَال كَوْنُهُ فَالإِْخْبَارُ عَنْ كَائِنٍ يَكُونُ كَذِبًا مَحْضًا، وَبَيَانُهُ: أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِغُلَامٍ أَنَّهُ ابْنُهُ وَمِثْلُهُ لَا يَلِدُ مِثْلَهُ لَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُ، لأَِنَّهُ يَسْتَحِيل أَنْ يَكُونَ ابْنًا لَهُ فَكَانَ كَذِبًا فِي إِقْرَارِهِ بِيَقِينٍ. وَمِنْهَا: أَلَاّ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِنَسَبِهِ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِحَّ، لأَِنَّهُ إِذَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يُحْتَمَل ثُبُوتُهُ لَهُ بَعْدَهُ.
وَمِنْهَا: تَصْدِيقُ الْمُقِرِّ بِنَسَبِهِ إِذَا كَانَ فِي يَدِ نَفْسِهِ، لأَِنَّ إِقْرَارَهُ يَتَضَمَّنُ إِبْطَال يَدِهِ فَلَا تَبْطُل إِلَاّ بِرِضَاهُ. وَلَا يُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْمُقِرِّ لِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ بِالنَّسَبِ، حَتَّى يَصِحَّ مِنَ الصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ جَمِيعًا؛ لأَِنَّ الْمَرَضَ لَيْسَ بِمَانِعٍ لِعَيْنِهِ بَل لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ أَوِ التُّهْمَةِ فَكُل ذَلِكَ مُنْعَدِمٌ. أَمَّا التَّعَلُّقُ فَظَاهِرُ الْعَدَمِ، لأَِنَّهُ لَا يُعْرَفُ التَّعَلُّقُ فِي مَجْهُول النَّسَبِ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى التُّهْمَةِ، لأَِنَّ الإِْرْثَ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ النَّسَبِ، فَإِنَّ لِحِرْمَانِ الإِْرْثِ أَسْبَابًا لَا تَقْدَحُ فِي النَّسَبِ مِنَ الْقَتْل وَالرِّقِّ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ وَالدَّارِ.
وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ حَمْل النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، سَوَاءٌ كَذَّبَهُ الْمُقِرُّ بِنَسَبِهِ أَوْ صَدَّقَهُ، لأَِنَّ إِقْرَارَ الإِْنْسَانِ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ لأَِنَّهُ عَلَى غَيْرِهِ شَهَادَةٌ أَوْ دَعْوَى، وَالدَّعْوَى الْمُفْرَدَةُ لَيْسَتْ
بِحُجَّةٍ، وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ فِيمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَال وَهُوَ مِنْ بَابِ حُقُوقِ الْعِبَادِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَالإِْقْرَارُ الَّذِي فِيهِ حَمْل نَسَبِ الْغَيْرِ عَلَى غَيْرِهِ إِقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ لَا عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَ دَعْوَى أَوْ شَهَادَةً، وَكُل ذَلِكَ لَا يُقْبَل إِلَاّ بِحُجَّةٍ.
وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ إِقْرَارُ الرَّجُل بِخَمْسَةِ نَفَرٍ: الْوَالِدَيْنِ، وَالْوَلَدِ، وَالزَّوْجَةِ، وَالْمَوْلَى. وَيَجُوزُ إِقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى، وَلَا يَجُوزُ بِالْوَلَدِ، لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي الإِْقْرَارِ بِهَؤُلَاءِ حَمْل نَسَبِ الْغَيْرِ عَلَى غَيْرِهِ، أَمَّا الإِْقْرَارُ بِالْوَلَاءِ فَظَاهِرٌ، لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَمْل نَسَبٍ إِلَى أَحَدٍ، وَكَذَا الإِْقْرَارُ بِالزَّوْجِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ حَمْل نَسَبِ الْغَيْرِ عَلَى غَيْرِهِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنَ التَّصْدِيقِ، ثُمَّ إِنْ وُجِدَ التَّصْدِيقُ فِي حَال حَيَاةِ الْمُقِرِّ جَازَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَإِنْ وُجِدَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَإِنْ كَانَ الإِْقْرَارُ مِنَ الزَّوْجِ يَصِحُّ تَصْدِيقُ الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ صَدَّقَتْهُ فِي حَال حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ، بِأَنْ أَقَرَّ الرَّجُل بِالزَّوْجِيَّةِ فَمَاتَ ثُمَّ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ لأَِنَّ النِّكَاحَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ وَجْهٍ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَحْكَامِهِ فِي الْعِدَّةِ فَكَانَ مُحْتَمِلاً لِلتَّصْدِيقِ، وَإِنْ كَانَ الإِْقْرَارُ بِالزَّوْجِيَّةِ مِنَ الْمَرْأَةِ فَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ مَوْتِهَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لأَِنَّ النِّكَاحَ لِلْحَال عَدِمَ حَقِيقَتَهُ فَلَا يَكُونُ
مَحَلًّا لِلتَّصْدِيقِ، إِلَاّ أَنَّهُ أُعْطِيَ حُكْمَ الْبَقَاءِ لاِسْتِيفَاءِ أَحْكَامٍ كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْل الْمَوْتِ، وَالْمِيرَاثُ حُكْمٌ لَا يَثْبُتُ إِلَاّ بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ زَائِلاً فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فَلَا يَحْتَمِل التَّصْدِيقَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَصِحُّ، لأَِنَّ النِّكَاحَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ وَجْهٍ فَيَجُوزُ التَّصْدِيقُ، كَمَا إِذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَأَمَّا الإِْقْرَارُ بِالْوَلَدِ فَلأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَمْل نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ بَل عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ إِقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ فَيُقْبَل، لَكِنْ لَا بُدَّ مِنَ التَّصْدِيقِ إِذَا كَانَ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَسَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي حَال حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ، لأَِنَّ النَّسَبَ لَا يَبْطُل بِالْمَوْتِ فَيَجُوزُ التَّصْدِيقُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا.
وَكَذَلِكَ الإِْقْرَارُ بِالْوَالِدَيْنِ لَيْسَ فِيهِ حَمْل نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ إِقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ فَيُقْبَل، وَكَذَلِكَ إِقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِهَؤُلَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا، إِلَاّ الْوَلَدَ لأَِنَّ فِيهِ حَمْل نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ نَسَبُ الْوَلَدِ عَلَى الزَّوْجِ، فَلَا يُقْبَل إِلَاّ إِذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ أَوْ تَشْهَدُ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ بِخِلَافِ الرَّجُل لأَِنَّ فِيهِ حَمْل نَسَبِ الْوَلَدِ عَلَى نَفْسِهِ.
وَلَا يَجُوزُ الإِْقْرَارُ بِغَيْرِ هَؤُلَاءِ مِنَ الْعَمِّ وَالأَْخِ، لأَِنَّ فِيهِ حَمْل نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الأَْبُ وَالْجَدُّ. وَكَذَلِكَ الإِْقْرَارُ بِوَارِثٍ فِي حَقِّ حُكْمِ الْمِيرَاثِ يُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِلإِْقْرَارِ بِهِ فِي حَقِّ
ثُبُوتِ النَّسَبِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا إِلَاّ شَرْطَ حَمْل النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ، فَإِنَّ الإِْقْرَارَ بِنَسَبٍ يَحْمِلُهُ الْمُقِرُّ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَصْلاً، وَيَصِحُّ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَلَاّ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ أَصْلاً وَيَكُونَ مِيرَاثُهُ لَهُ، لأَِنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِل وَاجِبُ التَّصْحِيحِ مَا أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ لِفَقْدِ شَرْطِ الصِّحَّةِ أَمْكَنَ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ وَارِثٌ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا لَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُ أَصْلاً وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمِيرَاثِ، بِأَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَمِيرَاثُهُ لِعَمَّتِهِ أَوْ لِخَالَتِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ لَهُ لأَِنَّهُمَا وَارِثَانِ بِيَقِينٍ، فَكَانَ حَقُّهُمَا ثَابِتًا بِيَقِينٍ، فَلَا يَجُوزُ إِبْطَالُهُ بِالصَّرْفِ إِلَى غَيْرِهِمَا.
25 -
وَأَمَّا الإِْقْرَارُ بِوَارِثٍ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَالثَّانِي فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ. أَمَّا الأَْوَّل فَالأَْمْرُ فِيهِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ وَاحِدًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِأَنْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ هَل يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنَ الْمَيِّتِ؟ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِإِقْرَارِ وَارِثٍ وَاحِدٍ، لأَِنَّ الإِْقْرَارَ بِالأُْخُوَّةِ إِقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْل نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى
غَيْرِهِ فَكَانَ شَهَادَةً وَشَهَادَةُ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ. وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ، لأَِنَّ إِقْرَارَ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَيَكُونُ مَقْبُولاً فِي حَقِّ النَّسَبِ كَإِقْرَارِ الْجَمَاعَةِ.
أَمَّا إِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِأَنْ كَانَا رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلاً وَامْرَأَتَيْنِ فَصَاعِدًا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِإِقْرَارِهِمْ بِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ، لأَِنَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي النَّسَبِ مَقْبُولَةٌ. وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ فَإِقْرَارُ الْوَارِثِ الْوَاحِدِ بِوَارِثٍ يَصِحُّ وَيَصْدُقُ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ بِأَنْ أَقَرَّ الاِبْنُ الْمَعْرُوفُ بِأَخٍ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُشَارِكُهُ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنَ الْمِيرَاثِ، لأَِنَّ الإِْقْرَارَ بِالأُْخُوَّةِ إِقْرَارٌ بِشَيْئَيْنِ: النَّسَبِ وَاسْتِحْقَاقِ الْمَال، وَالإِْقْرَارُ بِالنَّسَبِ إِقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولٍ، لأَِنَّهُ دَعْوَى فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ شَهَادَةٌ، وَالإِْقْرَارُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَال إِقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّهُ مَقْبُولٌ، وَمِثْل هَذَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الإِْقْرَارُ الْوَاحِدُ مَقْبُولاً بِجِهَةٍ غَيْرَ مَقْبُولٍ بِجِهَةٍ أُخْرَى.
وَلَوْ أَقَرَّ الاِبْنُ الْمَعْرُوفُ بِأُخْتٍ أَخَذَتْ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، لأَِنَّ إِقْرَارَهُ قَدْ صَحَّ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ وَلَهَا مَعَ الأَْخِ ثُلُثُ الْمِيرَاثِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِامْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةُ أَبِيهِ فَلَهَا ثُمُنُ مَا فِي يَدِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِجَدَّةٍ هِيَ أُمُّ الْمَيِّتِ فَلَهَا سُدُسُ مَا فِي يَدِهِ، وَالأَْصْل أَنَّ الْمُقِرَّ فِيمَا فِي يَدِهِ يُعَامَل مُعَامَلَةَ مَا لَوْ ثَبَتَ النَّسَبُ.
وَلَوْ أَقَرَّ ابْنُ الْمَيِّتِ بِابْنِ ابْنٍ لِلْمَيِّتِ وَصَدَّقَهُ، لَكِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ ابْنَهُ، فَالْقَوْل قَوْل الْمُقِرِّ وَالْمَال بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ اسْتِحْسَانًا، لأَِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إِنَّمَا اسْتَفَادَ الْمِيرَاثَ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَوْ بَطَل إِقْرَارُهُ لَبَطَلَتْ وِرَاثَتُهُ، وَفِي بُطْلَانِ وِرَاثَتِهِ بُطْلَانُ وِرَاثَةِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْل قَوْل الْمُقَرِّ لَهُ وَالْمَال كُلُّهُ لَهُ مَا لَمْ يُقِمِ الْبَيِّنَةَ عَلَى النَّسَبِ، لأَِنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى إِثْبَاتِ وِرَاثَةِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَاخْتَلَفَا فِي وِرَاثَةِ الْمُقِرِّ، فَيَثْبُتُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَيَقِفُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى قِيَامِ الدَّلِيل (1) 26 - وَالْمَالِكِيَّةُ يُسَمُّونَ الإِْقْرَارَ بِالنَّسَبِ بِالاِسْتِلْحَاقِ فَقَالُوا: إِنَّمَا يَسْتَلْحِقُ الأَْبُ، قَال ابْنُ الْقَاسِمِ: إِذَا أَقَرَّ رَجُلٌ بِابْنٍ جَازَ إِقْرَارُهُ وَلَحِقَ بِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، أَنْكَرَ الاِبْنُ أَوْ أَقَرَّ. وَإِنَّمَا يَسْتَلْحِقُ الأَْبَ مَجْهُول النَّسَبِ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَالِكٍ: مَنِ ادَّعَى وَلَدًا لَا يُعْرَفُ كَذِبُهُ فِيهِ لَحِقَ بِهِ إِنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْعَقْل أَوِ الْحِسُّ أَوِ الْعَادَةُ أَوِ الشَّرْعُ صَغِيرًا كَانَ الْمُسْتَلْحَقُ أَوْ كَبِيرًا، حَيًّا أَوْ مَيِّتًا. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ نَفَى وَلَدًا بِلِعَانٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَنْ مَالٍ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ضُرِبَ الْحَدَّ وَلَحِقَ
(1) بَدَائِع الصَّنَائِع للكاساني 7 / 228 وَمَا بَعْدَهَا، دَار الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ بَيْرُوت، وَابْن عَابِدِينَ 4 / 464، 465.
بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا فَلَا يُقْبَل قَوْلُهُ، لأَِنَّهُ يُتَّهَمُ فِي مِيرَاثِهِ وَيُحَدُّ وَلَا يَرِثُهُ. 27 - وَإِذَا اسْتَلْحَقَ مَيِّتًا وَرِثَ الْمُسْتَلْحِقُ - بِالْكَسْرِ - الْمُسْتَلْحَقَ - بِالْفَتْحِ - إِنْ وَرِثَهُ أَيِ الْمُسْتَلْحَقَ - بِالْفَتْحِ - ابْنٌ، قَال الْحَطَّابُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ إِنَّمَا هُوَ فِي إِرْثِهِ مِنْهُ. وَأَمَّا نَسَبُهُ فَلَاحِقٌ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَرِثْهُ ابْنٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ. وَإِنِ اسْتَلْحَقَ شَخْصٌ شَخْصًا وَارِثًا غَيْرَ وَلَدٍ لِمُسْتَلْحِقِهِ - بِالْكَسْرِ - كَأَخٍ وَعَمٍّ وَأَبٍ وَأُمٍّ، فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ لَهُ، وَلَا يَرِثُ الْمُسْتَلْحَقُ - بِالْفَتْحِ - الْمُسْتَلْحِقَ - بِالْكَسْرِ - إِنْ وُجِدَ وَارِثٌ لِلْمُسْتَلْحِقِ - بِالْكَسْرِ -، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ فَفِي إِرْثِهِ خِلَافٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ لَا إِرْثَ بِإِقْرَارٍ، وَقَال ابْنُ رُشْدٍ: مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ الإِْرْثُ بِالإِْقْرَارِ، وَعَزَاهُ الْبَاجِيُّ لِمَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ.
وَخَصَّ الْخِلَافَ فِي إِرْثِ الْمُقَرِّ بِهِ مِنَ الْمُقِرِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ بِمَا إِذَا لَمْ يَطُل الإِْقْرَارُ بِالْوَارِثِ، وَأَمَّا مَعَ الطُّول فَلَا خِلَافَ عِنْدَهُ فِي الإِْرْثِ بِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى صِدْقِهِ، قَال اللَّخْمِيُّ، إِنْ قَال: هَذَا أَخِي، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذُو نَسَبٍ ثَابِتٍ يَرِثُهُ فَقِيل: الْمَال لِبَيْتِ الْمَال، وَقِيل: الْمُقَرُّ لَهُ أَوْلَى وَهَذَا أَحْسَنُ، لأَِنَّ لَهُ
بِذَلِكَ شُبْهَةٌ.
وَلَوْ كَانَ الإِْقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ وَطَالَتِ الْمُدَّةُ وَهُمَا عَلَى ذَلِكَ يَقُول كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلآْخَرِ: أَخِي، أَوْ يَقُول: هَذَا عَمِّي، وَيَقُول الآْخَرُ: ابْنُ أَخِي، وَمَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ السُّنُونَ وَلَا أَحَدَ يَدَّعِي بُطْلَانَ ذَلِكَ لَكَانَ حَوْزًا.
وَإِنْ أَقَرَّ عَدْلَانِ مِنْ وَرَثَةِ مَيِّتٍ - كَابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ أَوْ عَمَّيْنِ - بِثَالِثٍ مُسَاوٍ لَهُمَا فِي الاِسْتِحْقَاقِ كَابْنٍ أَوْ أَخٍ أَوْ عَمٍّ ثَبَتَ النَّسَبُ وَالْمِيرَاثُ مِنَ الْمَيِّتِ، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ غَيْرُ عَدْلَيْنِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ، وَهُوَ كَذَلِكَ إِجْمَاعًا.
وَإِنْ أَقَرَّ عَدْلٌ وَاحِدٌ يَحْلِفُ الْمُقَرُّ بِهِ مَعَهُ أَيِ الْعَدْل الْمُقِرُّ، وَيَرِثُ الْمَيِّتُ مَعَ الْمُقِرِّ، وَالْحَال لَا نَسَبَ ثَابِتٌ لَهُ بِإِقْرَارِ الْعَدْل وَحَلِفِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُقِرُّ عَدْلاً فَحِصَّةُ الشَّخْصِ الْمُقِرِّ بِوَارِثٍ كَالْمَال الْمَتْرُوكِ أَيْ كَأَنَّهَا جَمِيعُ التَّرِكَةِ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ بِهِ، فَإِنْ كَانَا وَلَدَيْنِ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِثَالِثٍ وَكَذَّبَهُ أَخُوهُ فَحِصَّةُ الْمُقِرِّ النِّصْفُ فَيُقَدَّرُ أَنَّهُ جَمِيعُ التَّرِكَةِ وَيُقْسَمُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَيَنُوبُ الْمُقَرُّ بِهِ ثُلُثَهُ فَيَأْخُذُهُ وَثُلُثَاهُ لِلْمُقِرِّ، وَإِنْ قَال أَحَدُ عَاصِبِي مَيِّتٍ لِشَخْصٍ ثَالِثٍ: هَذَا أَخِي وَأَنْكَرَهُ أَخُوهُ ثُمَّ أَضْرَبَ الْمُقِرُّ عَنْ إِقْرَارِهِ لِهَذَا الثَّالِثِ وَقَال لِشَخْصٍ آخَرَ رَابِعٍ: بَل هَذَا أَخِي، فَلِلْمُقَرِّ بِهِ الأَْوَّل نِصْفُ
إِرْثِ أَبِ الْمُقِرِّ لاِعْتِرَافِهِ لَهُ بِهِ، وَإِضْرَابُهُ عَنْهُ لَا يُسْقِطُهُ لأَِنَّهُ يَعُدُّ نَدَمًا، وَلِلْمُقَرِّ بِهِ الثَّانِي نِصْفُ مَا بَقِيَ بِيَدِ الْمُقِرِّ لاِعْتِرَافِهِ لَهُ بِهِ (1)
28 -
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ مُكَلَّفٌ بِنَسَبِ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ مَجْهُول النَّسَبِ بِأَنْ قَال: إِنَّهُ ابْنُهُ، وَهُوَ يُحْتَمَل أَنْ يُولَدَ لِمِثْل الْمُقِرِّ بِأَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ أَكْبَرَ مِنْهُ بِعَشْرِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ كَمَا نَصَّ الْحَنَابِلَةُ، وَلَمْ يُنَازِعْهُ مُنَازِعٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّخْصَ لَا يَلْحَقُ بِهِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ.
وَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ أَوِ الْمَجْنُونُ الْمُقَرُّ بِهِ مَيِّتًا وَرِثَهُ وَثَبَتَ نَسَبُهُ، لأَِنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ مَعَ الْحَيَاةِ الإِْقْرَارُ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ لَا، لِفَوَاتِ التَّصْدِيقِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ كَبِيرًا عَاقِلاً لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنَ الْمُقِرِّ حَتَّى يُصَدِّقَهُ، لأَِنَّ لَهُ قَوْلاً صَحِيحًا فَاعْتُبِرَ تَصْدِيقُهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ، وَلأَِنَّ لَهُ حَقًّا فِي نَسَبِهِ، فَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ إِلَاّ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَّفَهُ، فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ، وَإِنْ نَكَل حَلَفَ الْمُدَّعِي وَثَبَتَ نَسَبُهُ، وَلَوْ سَكَتَ
(1) جَوَاهِر الإِْكْلِيل 2 / 138 وَمَا بَعْدَهَا، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 3 / 413 وَمَا بَعْدَهَا.
عَنِ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ كَمَا قَال الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ قَضِيَّةُ اعْتِبَارِ التَّصْدِيقِ.
وَإِنْ كَانَ الْكَبِيرُ الْعَاقِل الْمُقَرُّ بِهِ مَيِّتًا ثَبَتَ إِرْثُهُ وَنَسَبُهُ، لأَِنَّهُ لَا قَوْل لَهُ أَشْبَهَ الصَّغِيرَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ لَا، لِفَوَاتِ التَّصْدِيقِ.
وَعَلَى الأَْوَّل يَرِثُ الْمَيِّتَ الْمُسْتَلْحِقُ وَلَا يُنْظَرُ إِلَى التُّهْمَةِ.
وَإِنِ ادَّعَى نَسَبَ مُكَلَّفٍ فِي حَيَاتِهِ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ حَتَّى مَاتَ الْمُقِرُّ ثُمَّ صَدَّقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ، لأَِنَّ بِتَصْدِيقِهِ حَصَل اتِّفَاقُهُمَا عَلَى التَّوَارُثِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ جَمِيعًا.
وَإِنِ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا أَثْبَتَ نَسَبَهُ فَلَوْ بَلَغَ وَكَذَّبَهُ لَمْ يَبْطُل نَسَبُهُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، لأَِنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ فَلَا يَنْدَفِعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ يَبْطُل لأَِنَّ الْحُكْمَ بِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ أَهْلٍ لِلإِْنْكَارِ وَقَدْ صَارَ أَهْلاً لَهُ وَأَنْكَرَ.
وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا اسْتَلْحَقَ مَجْنُونًا فَأَفَاقَ وَأَنْكَرَ.
وَلَوِ اسْتَلْحَقَ اثْنَانِ بَالِغًا ثَبَتَ نَسَبُهُ لِمَنْ صَدَّقَهُ مِنْهُمَا، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْ وَاحِدًا مِنْهُمَا عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ (1)
(1) شَرْح الْمَحَلِّيّ 3 / 14، 15، وَحَاشِيَة الْجُمَل 5 / 394، وَنِيل الْمَآرِب 2 / 100، وَنِهَايَة الْمُحْتَاجِ 5 / 109، 110، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج 5 / 401، وَالْمُغْنِي 5 / 199، 200، 7 / 394، 395، وَكَشَّاف الْقِنَاع 6 / 460.
29 -
وَمَنْ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَهُ أُمٌّ فَجَاءَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ تَدَّعِي زَوْجِيَّتَهُ لَمْ تَثْبُتِ الزَّوْجِيَّةُ بِذَلِكَ، لأَِنَّ الرَّجُل إِذَا أَقَرَّ بِنَسَبِ صَغِيرٍ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِزَوْجِيَّةِ أُمِّهِ، لأَِنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ.
وَكَذَا لَوِ ادَّعَتْ أُخْتُهُ الْبُنُوَّةَ، ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، قَال فِي الاِخْتِيَارَاتِ: وَمَنْ أَنْكَرَ زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا كَانَ لَهَا طَلَبُهُ بِحَقِّهَا (1)
30 -
وَإِنْ قَدِمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ وَمَعَهَا طِفْلٌ، فَأَقَرَّ بِهِ رَجُلٌ أَنَّهُ ابْنُهُ مَعَ إِمْكَانِهِ وَلَا مُنَازِعَ، لَحِقَهُ نَسَبُهُ لِوُجُودِ الإِْمْكَانِ وَعَدَمِ الْمُنَازِعِ، وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ لإِِثْبَاتِهِ، وَلِهَذَا لَوْ وَلَدَتِ امْرَأَةُ رَجُلٍ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْبَتِهِ لَحِقَهُ الْوَلَدُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلرَّجُل قُدُومٌ إِلَيْهَا وَلَا عُرِفَ لَهَا خُرُوجٌ مِنْ بَلَدِهَا (2)
31 -
وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ أَخٍ أَوْ عَمٍّ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ لَمْ يُقْبَل لأَِنَّ إِقْرَارَ الإِْنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ.
وَإِنْ كَانَ إِقْرَارُهُ بِنَسَبِ الأَْخِ أَوِ الْعَمِّ بَعْدَ مَوْتِهِمَا، وَالْمُقِرُّ هُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ صَحَّ إِقْرَارُهُ وَثَبَتَ
(1) كَشَّاف الْقِنَاع 6 / 460، وَالْمُغْنِي 5 / 199، 200.
(2)
كَشَّاف الْقِنَاع 6 / 460، وَالْمُغْنِي 5 / 199، 200.
النَّسَبُ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ (1) ، وَلأَِنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ مُورِثِهِ فِي حُقُوقِهِ وَهَذَا مِنْهَا (2)
وَلَا يُشْتَرَطُ أَلَاّ يَكُونَ نَفَاهُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَيَجُوزُ إِلْحَاقُهُ بِهِ بَعْدَ نَفْيِهِ إِيَّاهُ كَمَا لَوِ اسْتَلْحَقَهُ هُوَ بَعْدَ أَنْ نَفَاهُ بِلِعَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: يُشْتَرَطُ أَلَاّ يَكُونَ الْمَيِّتُ قَدْ نَفَاهُ قَبْل مَوْتِهِ، لأَِنَّ فِي إِلْحَاقِ مَنْ نَفَاهُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلْحَاقَ عَارٍ بِنَسَبِهِ (3)
32 -
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُقِرِّ فِي إِلْحَاقِ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ وَارِثًا حَائِزًا لِتَرِكَةِ الْمُلْحَقِ بِهِ، وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ، كَابْنَيْنِ أَقَرَّا بِثَالِثٍ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيَرِثُ مَعَهُمَا، وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَا إِذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْحَائِزَيْنِ بِثَالِثٍ وَأَنْكَرَهُ الآْخَرُ أَنَّ الْمُسْتَلْحِقَ لَا يَرِثُ، لأَِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَلَا يُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ، وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ يَرِثُ بِأَنْ يُشَارِكَ الْمُقِرَّ فِي حِصَّتِهِ، وَعَلَى الأَْوَّل عَدَمُ الْمُشَارَكَةِ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، أَمَّا فِي الْبَاطِنِ إِذَا كَانَ الْمُقِرُّ صَادِقًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيمَا يَرِثُهُ فِي الأَْصَحِّ بِثُلُثِهِ، وَقِيل: بِنِصْفِهِ.
(1) حَدِيث عَائِشَة رضي الله عنها: " الْوَلَد لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَر ". سَبَقَ تَخْرِيجه (ف 11) .
(2)
شَرْح الْمَحَلِّيّ 3 / 15، وَكَشَّاف الْقِنَاع 6 / 461.
(3)
شَرْح الْمَحَلِّيّ 3 / 15، وَكَشَّاف الْقِنَاع 6 / 461.