الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ أَقْوَالَهُمْ لَيْسَتْ مِنْ قَبِيل الْخِلَافِ فِي الأَْمْرِ إِذْ لَمْ تَتَوَارَدْ عَلَى الصُّورَةِ الْمُطْلَقَةِ لِلنَّعْيِ.
قَال الْمُبَارَكْفُورِيُّ نَقْلاً عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ: يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الأَْحَادِيثِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ:
1 -
إِعْلَامُ الأَْهْل وَالأَْصْحَابِ وَأَهْل الصَّلَاحِ، فَهَذَا سُنَّةٌ.
2 -
دَعْوَةُ الْحَفْل لِلْمُفَاخَرَةِ بِالْكَثْرَةِ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ.
3 -
الإِْعْلَامُ بِنَوْعٍ آخَرَ، كَالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا مُحَرَّمٌ.
وَقَال الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: النَّعْيُ لَيْسَ مَمْنُوعًا كُلُّهُ، وَإِنَّمَا نُهِيَ عَمَّا كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ يَصْنَعُونَهُ وَلَمْ يُنْقَل رَأْيٌ فِقْهِيٌّ بِوُجُوبِ النَّعْيِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ مُفْلِحٍ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ حَتَّى لِلْقَرِيبِ، فَقَال: وَلَا يَلْزَمُ إِعْلَامُ قَرِيبٍ (1) .
النَّعْيُ الْمُسْتَحَبُّ:
6 -
النَّعْيُ الْمُسْتَحَبُّ أَوِ الْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ عَلَى حَسَبِ تَعْبِيرِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ - هُوَ عَلَى مَا صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِهِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ
(1) الْفُرُوع 2 / 192 وَفَتْح الْبَارِي 3 / 116 وَتُحْفَة الأَْحْوَذِيّ 4 / 59، جَامِع التِّرْمِذِيّ بِشَرْحِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ 4 / 206.
قَوْل النَّخَعِيِّ وَابْنُ سِيرِينَ - مَا كَانَ فِيهِ إِعْلَامُ الْجِيرَانِ وَالأَْصْدِقَاءِ.
قَال فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْلَمَ جِيرَانُهُ وَأَصْدِقَاؤُهُ حَتَّى يُؤَدُّوا حَقَّهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ.
رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ النَّخَعِيِّ: لَا بَأْسَ إِذَا مَاتَ الرَّجُل أَنْ يُؤْذَنَ صَدِيقُهُ وَأَصْحَابُهُ، إِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُطَافَ فِي الْمَجْلِسِ فَيُقَال: أَنْعِي فُلَانًا لأَِنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْل أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ بِاخْتِصَارٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ.
قَال النَّوَوِيُّ، فِي شَرْحِ حَدِيثِ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ (1) . فِيهِ اسْتِحْبَابُ الإِْعْلَامِ بِالْمَيِّتِ، لَا عَلَى صُورَةِ نَعْيِ الْجَاهِلِيَّةِ، بَل مُجَرَّدُ إِعْلَامِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَشْيِيعِهِ وَقَضَاءِ حَقِّهِ فِي ذَلِكَ، وَالَّذِي جَاءَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ النَّعْيِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ هَذَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ نَعْيُ الْجَاهِلِيَّةِ الْمُشْتَمِل عَلَى ذِكْرِ الْمَفَاخِرِ وَغَيْرِهَا.
(1) حَدِيث أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (فَتْح الْبَارِي 3 / 202 ط السَّلَفِيَّة) وَمُسْلِم (2 / 656 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِم.
وَقَال ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيَتَوَجَّهُ اسْتِحْبَابُهُ، لإِِعْلَامِهِ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ بِالنَّجَاشِيِّ، وَقَوْلِهِ عَنِ الَّذِي يُقِمُّ الْمَسْجِدَ، أَيْ يَكْنُسُهُ: أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ، دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَيْ أَعْلَمْتُونِي، قَال ابْنُ سِيرِينَ: لَا أَعْلَمُ بَأْسًا أَنْ يُؤْذِنَ الرَّجُل بِالْمَوْتِ صَدِيقَهُ وَحَمِيمَهُ (1) .
وَحَدِيثُ الَّذِي يُقِمُّ الْمَسْجِدَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ فِي إِيذَانِ أَصْحَابِ الْمَنْعِيِّ وَأَقَارِبِهِ هُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنْ أَسْوَدَ (رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً كَانَ يُقِمُّ الْمَسْجِدَ فَمَاتَ وَلَمْ يَعْلَمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَوْتِهِ، فَذَكَرَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَال: مَا فَعَل ذَلِكَ الإِْنْسَانُ؟ قَالُوا: مَاتَ يَا رَسُول اللَّهِ، قَال: أَفَلَا آذَنْتُمُونِي؟ فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا قِصَّتُهُ (قَال الرَّاوِي) : فَحَقَّرُوا شَأْنَهُ قَال: فَدُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ (2) .
(1) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 1 / 157، وَشَرْح صَحِيح مُسْلِم لِلنَّوَوِيِّ 7 / 21، وَفَتْح الْبَارِي 3 / 453، وَالْفُرُوع لاِبْن مُفْلِح 2 / 192، وَالْمَجْمُوع شَرْح الْمُهَذَّبِ لِلنَّوَوِيِّ 5 / 216، وَحَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 2 / 239، وَمَطَالِب أُولِي النُّهَى 11 / 741.
(2)
حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنْ أُسَوِّدَ كَانَ يَقُمِ الْمَسْجِدُ. . . . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (فَتْح الْبَارِي 3 / 205 ط السَّلَفِيَّة) وَمُسْلِم (2 / 659 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) ، وَاللَّفْظ لِلْبُخَارِيِّ
وَنَقَل النَّوَوِيُّ عَنِ الْحَاوِي لِلْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ اسْتَحَبَّ النَّعْيَ لِلْغَرِيبِ الَّذِي إِذَا لَمْ يُؤْذَنُ بِهِ لَا يَعْلَمُهُ النَّاسُ (1) .
وَالْوَجْهُ فِي الاِسْتِحْبَابِ عِنْدَ ابْنِ قُدَامَةَ أَنَّ فِي كَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ عَلَى الْمَيِّتِ أَجْرًا لَهُمْ وَنَفْعًا لِلْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَحْصُل لِكُل مُصَلٍّ مِنْهُمْ قِيرَاطٌ مِنَ الأَْجْرِ، وَجَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلَاّ شُفِّعُوا فِيهِ (2) .
وَقَال صلى الله عليه وسلم كَذَلِكَ: مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلاً لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَاّ شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ (3) .
وَيَشْمَل حُكْمُ الاِسْتِحْبَابِ، النِّدَاءَ فِي الأَْسْوَاقِ عَلَى مَا نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ النِّهَايَةِ قَوْلُهُ: إِنْ كَانَ الْمَنْعِيُّ عَالِمًا أَوْ زَاهِدًا فَقَدِ اسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ النِّدَاءَ فِي الأَْسْوَاقِ لِجِنَازَتِهِ وَهُوَ
(1) الْمَجْمُوعِ لِلنَّوَوِيِّ 5 / 216
(2)
حَدِيث: مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ أُمَّة. . . . أَخْرَجَهُ مُسْلِم (2 / 654 - ط الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ عَائِشَة رضي الله عنها.
(3)
حَدِيث: مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ. . . أَخْرَجَهُ مُسْلِم (2 / 655 - ط الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.