الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى في الآية: مَنَّ فرعون على موسى حين رباه بقوله: كفرت نعمتي. رواه ابن أبي حاتم (1).
والمن لا يليق إلا بالله عز وجل، وهو من المُكلف من أشد الحرام، وهو خلق من أخلاق اللئام.
وقال الله تعالى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة: 264].
قيل: المن: أن يستخدمه بالعطاء، والأذى: أن يعيره بالفقر.
وإنما أراد فرعون تقريع موسى واستخدامه بنعمته، ومن ثم قال:{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 22]، فأشار إلى أن فرعون جمع بين المن والأذى؛ وأي أذية أعظم من إهانة قومه واسترقاق حَيِّه؟
29 - ومن أخلاق فرعون وقومه: الأشر، والبطر، والعجب
، والأمن من مكر الله تعالى، والاستخفاف بآياته؛ وكلها عظائم.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47) وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَاأَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50) وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ
(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(8/ 2754).
لِي مُلْكُ مِصْرَ} [الزخرف: 46 - 51] الآية.
وهذه الآيات تدل على اتصاف فرعون بما ذكرناه.
وقولهم: {يَاأَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} يدل على أنهم كانوا في أعلى طبقات الحماقة؛ إذ أساءوا في خطابه، وأفحشوا في سبابه وهم يطلبون منه أن يدعو لهم.
أو هو محمول على الاستخفاف به والتهكم عليه، وما كانوا يعتقدون فيه أنه مستجاب الدعوة.
أو كانوا يرون أن السحر فضيلة والوصف به مدحة.
وكل ذلك يدل على خبث طويتهم، وقوة شكيمتهم، وعومهم في بحابح الجهل.
وروى الإِمام أحمد في "الزهد" عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى: أن الله تعالى لما بعث موسى عليه السلام إلى فرعون قال له: أنت جند عظيم من جنودي، بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي، وأمن مكري، وغرته الدنيا عني حتى جحد حقي، وأنكر ربوبيتي، وعبد دوني، وزعم أنه لا يعرفني، وإني أقسم بعزتي! لولا العذر والحجة اللتان وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار يغضب لغضبه السموات والأرض، والجبال والبحار؛ فإن أمرت السماء حصبته، وإن أمرت الأرض ابتلعته، وإن أمرت الجبال دمرته، وإن أمرت البحار غرقته، ولكنه هان علي وسقط من عيني، ووسعه حلمي، واستغنيت بما
عندي، وحق لي أني أنا الغني لا غني غيري، فبلِّغْه رسالاتي، وادْعُه إلى عبادتي وتوحيدي وإخلاصي، وحذِّرْه نقمتي وبأسي، وأخبره أنه لا يقوم شيء لغضبي، وقيل له فيما بين ذلك قولًا لينا لعله يتذكر أو يخشى، وأخبره أنِّي إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة، ولا يروعنك ما ألبسته من لباس الدنيا؛ فإن ناصيته بيدي، ليس يطرف ولا ينطق ولا يتنفس إلا بإذني، قل له: أجب ذلك؛ فإنه واسع المغفرة، فإنه قد أمهلك أربعمئة سنة، وفي كلها أنت مبارز لمحاربته، تشبه وتمثل به، وتصد عباده عن سبيله، وهو يمطر عليك السماء، وينبت لك الأرض، لم تسقم، ولم تهرم، ولم تفتقر، ولم تغلب.
قال: وجاهده بنفسك وأخيك، وأنتما محتسبان بجهاده؛ فإني لو شئت أن آتيه بجنود لا قبل له بها لفعلت، ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي قد أعجبته نفسه وجموعه أن الفئة القليلة -ولا قليل مني- تغلب الفئة الكثيرة بإذن الله، ولا تعجبكما زينته ولا ما متع به، ولا تمُدَّا إلى ذلك أعينكما؛ فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين، وإني لو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة يعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلت، ولكن أرغب بكما عن ذلك، وأزويه عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي، وقديمًا ما خرت لهم في ذلك؛ فإني لأذودهم عن نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مواقع الهَلَكة، وإني لأجنبهم سلوتها وعيشها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مبارك العمرة؛ وما ذاك لهوانهم عليَّ، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي