الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سالماً موفرًا لم تملكه الدنيا، ولم يُطْغِه الهوى (1).
*
تنبِيْهٌ:
الوزير ركن عظيم للولاية ليكون واسطة بين الوالي والرعية، ومن ثم قالوا: ينبغي أن يكون الوزير ذا عقل يوازن عقل الملك وعقول الرعية ليأخذ منه، ويؤدي إليه ما ينفعهم.
وكان هارون عليه السلام بهذه الصفة.
وإذا كان الوزير ناصحاً أمينًا يشرك مستوزره في خيره؛ ألا ترى كيف شرك الله بين موسى وهارون في الخير والنبوة؟ وكان ذلك بدعاء موسى عليهما السلام.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله: {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا} [طه: 32، 33] الآية: نبئ هارون ساعتئذ حين نبئ موسى عليهما السلام.
وقال عروة: إن عائشة رضي الله تعالى عنها سمعت رجلًا يقول: إني لأدري أيَّ أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه من موسى حين سأل لأخيه النبوة؟ فقالت: صدق والله. أخرجه ابن أبي حاتم (2).
وروى ابن المنذر عن ابن عباس قال: كان هارون أكبر من موسى عليهما السلام (3).
(1) رواه الإِمام أحمد في "الزهد"(ص: 64 - 65).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (5/ 567).
(3)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (5/ 567).
وروى الحاكم عن وهب قال: كان هارون فصيحًا بيِّنَ المنطق، يتكلم في تؤدة، ويقول بعلم وحلم، وكان أطول من موسى طولًا، وكبرهما في السن، وأكثرهما لحما، وأبيضهما جسمًا، وأعظمهما ألواحًا، وكان موسى عليه السلام جعدًا، آدم، طوالًا كأنه من رجال شنوءة (1).
وأين وزارة هارون لموسى عليهما السلام من وزارة هامان لفرعون عليهما اللعنة؛ فإن هامان كان من أغش الوزراء لأمرائها، وأظلمهم لنفسه وللرعية، بل هو أظلم من فرعون لأنه كان يظلم لغيره.
وكل وزير ظالم غاش فهو متشبه بهامان، فكيفما أشار على أميره بما يبعده عن الخير والقرب إلى الله تعالى فهو على أخلاق هامانية، وكم من ملك أو إمارة كان سبب تكونه وزواله وزراءُ السوء.
وقد روى ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} [النازعات: 18] قال: قال موسى: يا فرعون! هل لك في أن أعطيك شبابك فلا تهرم، وملكك لا ينزع منك، وترد إليك لذة المناكح، والمشارب والمطاعم، والركوب، وإذا مت دخلت الجنة، وتؤمن بي؟
فوقعت في نفسه هذه الكلمات، وهي اللينات؛ قال: كما أنت حتى يأتي هامان.
فلما جاء هامان أخبره، فعجزَه هامان، وقال: تصير عبدًا تَعْبُدُ
(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(4105).
بعد أن كنت ربًا تُعْبَدُ؟
فذلك حين خرج عليهم وجمعهم، فقال:{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24](1).
وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إِذَا أَرَادَ اللهُ بِالأَمِيرِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزيرَ صِدْقٍ؛ إِنْ نسِيَ ذَكَّرَهُ، وإنْ ذَكَرَ أَعَانه، وإِذَا أَرَادَ اللهُ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ جَعَلَ لَهُ وَزِيْرَ سُوْءٍ؛ إِنْ نسِيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ، وإنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ". رواه أبو داود، وابن حبان (2).
وقوله: "إن نسي، وإن ذكر"، أي: إن نسي الله، وإن ذكره، أو إن ذَكَرَ خيراً، أو: ما ينفعه، أو ما فيه مصلحة.
وروى النسائي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ وَالٍ إِلَاّ لَهُ بِطَانتَانِ: بِطَانةٌ تأمُرُهُ بِالمَعْرُوْفِ وَتَنْهَاهُ عَنِ المُنْكَرِ، وَبِطَانةٌ لا تألُوهُ خَبَالاً؛ فَمَنْ وُقِيَ شَرَّهَا فَقَدْ وُقِيَ، وَهْوَ إِلَى مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا"(3).
وهذا -وإن كان بتيسير الله تعالى لإرادته الخير أو الشر بالأمير كما يدل عليه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها- إلا أن للعبد فيه اختياراً، ومن ثم نهى الله تعالى عنه، عليه.
(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3398).
(2)
رواه أبو داود (2932)، وابن حبان في "صحيحه"(4494).
(3)
رواه النسائي في (4201)، وكذا الترمذي (2369) وصححه.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} ؛ أي: من غير أبناء جنسكم من المؤمنين {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران: 118]؛ أي: عَنتكم، وهو الضرر والمشقة، وأصلهما: انهياض العظم بعد جبره.
والبطانة: مَنْ كان محل المشاورة والسر من وزير وكاتب وغيرهما؛ استعير من بطانة الثوب كما يقال: فلان شعاري.
ومن هنا: لا يجوز أن يستوزر أهل الذمة، ولا يتخذ منهم كاتب ولا عامل -وإن كان عمل أمراء الوقت على خلاف ذلك- فإنَّا لله وإنا إليه راجعون.
وقد قال الحسن رحمه الله تعالى: معنى حديث أنس مرفوعًا: "لا تَسْتَضيْئوا بِنارِ الْمُشْرِكِيْنَ"(1): لا تستشيروا المشركين في شيء من أموركم.
قال الحسن: وتصديق ذلك في كتاب الله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: 118]، أخرج البيهقي في "الشعب"(2).
وروى ابن أبي شيبة، وغيره: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل له: إن هنا غلاما من أهل الحيرة حافظاً كاتبا، فلو اتخذته كاتباً.
(1) رواه النسائي (5209) عن أنس رضي الله عنه.
(2)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(9375).
قال: قد اتخذت إذاً بطانة من دون المؤمنين (1).
وقد حكي أن الحاكم العبيدي -قبحه الله تعالى- أقام لهم وزيرين؛ أحدهما يهودي، والآخر نصراني، فجعلا يحكمان في المسلمين، فكتب شخص رقعة ورفعها إليه، وفيها: بالذي أعز اليهود بوزيرك فلان، والنصارى بوزيرك فلان، وأذل المسلمين بك! إلا رفعت هذه المظلمة.
فطلب الوزيرين، وقتلهما في الحال، واستوزر مسلما (2).
وصحح الحاكم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اسْتَعْمَلَ رَجُلاً مِنْ عِصَابَةٍ وَفِيْهِمْ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ الله وَرَسُوْلَهُ وَالمُؤْمِنِيْنَ"(3).
وصحح أيضًا - وأصله عند الإِمام أحمد - عن يزيد بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه قال: قال لي أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين بعثني إلى الشام: يا يزيد! إن لك قرابة عسيت أن تؤثرهم بالإمارة، وذاك أكبر ما أخاف عليك بعد ما قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَليَ مِنْ أَمْرِ المُسْلِمِيْنَ
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(25872)، وكذا الطبري في "التفسير"(2/ 566)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(3/ 734).
(2)
انظر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (7/ 477).
(3)
رواه الحاكم في "المستدرك"(7032). قال العقيلي في "الضعفاء"(1/ 247): رواه حسين بن قيس المعروف بخنش، وله غير حديث لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، وهذا الحديث يروى من كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه.