الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن رجلاً من قريش تزوج، ثم جلس على سرير وعليه ثياب حمر، فقام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال للمغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: اتبعني، فدخل عليه، فضربه بدرته، فقام الرَّجل هارباً وهو يقول: على كرسي ككرسي فرعون، ثم التفت إلى المغيرة فقال: هلا كنت منعتني منه؟
فقال: لو كنت أعلم أنك تريد ذلك لفعلت.
قال: فلأي شيء اتبعتني؟ .
6 - ومنها: الإسراف
.
وهو مجاوزة الحد في سائر الأمور؛ بعضه مكروه، وبعضه حرام.
قال الله تعالى: {وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} [يونس: 83].
قال عون بن عبد الله رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]: المسرف الذي يأكل مال غيره.
وقال محمَّد بن كعب رحمه الله تعالى: المسرف أن لا يعطي في حق؛ أي: بل يعطي في غير الحق. رواهما ابن أبي حاتم (1).
والإسراف بالمعنيين حرام، وكلاهما من فعل فرعون.
وسئل إياس بن معاوية رحمه الله تعالى عن السرف، فقال: ما تجاوزت به أمر الله تعالى فهو سرف. رواه أبو الشيخ (2).
(1) رواهما ابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1465).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 369).
وأما السرف المجاوز للاقتصاد في المباحات فهو مكروه، وعليه قوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31]؛ فإن تجاوز إلى حد يستضر به، فهو حرام.
وأمَّا في الإنفاق في الطَّاعة فإنَّه مندوب إليه، إلا أن يفعل ذلك وعليه دين مستغرق، أو يؤدي به ذلك إلى ما لا يطيقه، وعليه قول بعض السلف: لا سرف في الخير؛ جواباً عن قول القائل: لا خير في السرف (1).
وروى ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن جريج رحمه الله تعالى في قوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141] قال: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنه جذَّ نخلاً، فقال: لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته، فأطعم حتى أمسى وليست له تمرة، فأنزل الله تعالى:{وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141](2).
وقال السدي في قوله تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا} : لا تعطوا أموالكم كلها وتقعدوا فقراء. رواه ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ (3).
وإذا كان سبحانه لا يحب المسرفين في الإنفاق في الطَّاعات، فكيف بالإسراف في المباحات؟
وقد قال في هذا أيضاً: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
(1) تقدم تخريجه من قول حاتم الطائي.
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(8/ 61).
(3)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1399).
الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]؛ أي: في المآكل والمشارب، وغيرهما من المباحات كالملابس والمراكب - وإن كانت في الأصل مباحة - فإن المجاوزة فيها عن قدر الحاجة سرف مكروه من سائر النَّاس، وهو من أهل العلم والديانة أشد كراهية.
وقد دخل حاتم الأصم رحمه الله تعالى على محمَّد بن مقاتل قاضي الرَّي يعوده، وكان قد نظر إلى باب داره فإذا هو مشرف حسن، فبقي حاتم متفكراً يقول: يا رب! عالم على هذا الحال؟
ثم لما دخل إذا دار قوراء، وإذا ثمرة وسعة وستور، فبقي حاتم متفكراً، ثم نظر إلى المجلس الذي هو فيه فإذا فرش وطِيَّةٌ، وهو راقد عليها وعند رأسه غلام ومذبة، فوقف حاتم متفكراً، فأومأ إليه ابن مقاتل أن اجلس، فقال: لا أجلس.
فقال: لعل لك حاجة؟
قال: نعم.
قال: ما هي؟
قال: مسألة أسألك عنها.
قال: سلني.
قال له حاتم: علمك هذا من أين أخذته؟
قال: الثقات حدَّثونا به.
قال: عن من؟
قال: عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن من؟
قال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم عن من؟
قال: عن جبريل عليه السلام، عن الله عز وجل.
قال حاتم: ففيما أداه جبريل عن الله إلى رسول الله؟ وأداه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه؛ وأصحابه إلى الثقات؟ والثقات إليك؟
هل سمعت في العلم: مَنْ كانَ فِي دارِاً أَمِيْراً، وَكانَتْ سَعَتُهُ أكثَرَ، لَهُ عِنْدَ اللهِ الْمَنْزِلَةُ أكثَر؟ .
قال: لا.
قال: فكيف سمعت؟
قال: سمعت: مَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيا وَرَغِبَ فِي الآخِرَةِ وَأَحَبَّ الْمَساكِيْنَ وَقَدَّمَ لآخِرَتِهِ كانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ الْمَنْزِلَةُ.
قال حاتم: فأنت بمن اقتديت؟ أبالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الصَّالحين؟ أم بنمرود وفرعون أولِ من بنى بالجص والآجر؟
يا علماء السُّوء! مثلكم يراه الجاهل المكالب على الدُّنيا الرَّاغب فيها، فيقول: العالم على هذه الحالة، لا أكون أنا شراً منه.
وخرج من عنده. ذكره حجة الإسلام في "الإحياء"(1).
(1) انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (1/ 66)، ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 81).