الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
فائِدَةٌ تاسعَةٌ:
قال الله تعالى مخاطبا لفرعون عند غرقه: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس: 92].
يحتمل أن يكون قد قال له ذلك قبل خروج روحه، فيكون على سبيل الاستهزاء به وإطماعه في النجاة زيادة في عذابه، فلما طمع في النجاة قيل له:{بِبَدَنِكَ} ، فآيسه من النجاة.
ويحتمل أن يكون إنما قيل له ذلك بعد موته، فيكون على حد قوله صلى الله عليه وسلم لقتلى بدر:"وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبى حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًا"(1).
والعرب تنادي الموتى، والطلول، والديار على وجه التدله، والتذكرة، والإنذار، والاعتبار.
وقوله: {لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} ؛ يعني: بني إسرائيل، أو إياهم وغيرهم ليصدقوا بموته.
قال مجاهد: كذَّب بعض بني إسرائيل بموت فرعون، فَألقِي على ساحل البحر حتى يراه بنو إسرائيل أحمر قصيراً كأنه ثور. رواه المفسرون، وابن الأنباري في "المصاحف"(2).
(1) رواه مسلم (2874) عن أنس رضي الله عنه.
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(11/ 166) عن ابن جريج، و (11/ 165) عن قيس بن عباد.
وانظر: "الدر المنثور" للسيوطي (4/ 388).
أو ليعتبروا ببدن ملقى حقيراً لا حراك به، ولا أمر ولا نهي له بعد ما كان متحركاً، أمَّاراً نهَّاءً، جبَّاراً عنيداً.
قال محمد بن كعب رحمه الله تعالى في قوله: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ} [يونس: 92] قال: بدرعك.
قال: وكانت درعهم من لؤلؤ يلاقي فيها الحروب. رواه ابن الأنباري (1).
ولا شك أن المتمادي في ظلمه إذا طالت أيامه وغشمه فيها، ثم مات استبعد كثير من الناس موته حتى لا يصدقوا الخبر به، فلا يذهب ذلك عنه إلا المعاينة؛ فإن فيه ما ليس في الخبر من اليقين.
وإطلاق النجاة على إلقاء بدنه على شاطئ البحر ليعاينوه على سبيل التَّهكم والاستهزاء به، وإن كان ذلك بعد الموت كما يقال للمصلوب: ما أرفعَ مكانَه! أو: مَنْ رفع هذا على الناس؟
وروى أبو الشيخ عن يونس ابن حبيب النَّحوي: أنَّ معنى: {نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} [يونس: 92]: نجعلك على نجوى من الأرض لينظروا إليك فيعرفوا أنك مت (2).
وروى ابن الأنباري عن محمد بن السميقع اليماني، ويزيد البربري أنهما قرآ:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ} [يونس: 92]-بحاء غير معجمة- (3).
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (4/ 388).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (4/ 388).
(3)
انظر: "زاد المسير" لابن الجوزي (4/ 60)، و"فتح الباري"(8/ 348).