الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنهي عن المعانقة في هذا الحديث محمول على الكراهة، ومحله فيما لو كان على وجه التملق، فأما عند طول العهد بالصاحب، والقدوم من السفر، وعند التوديع فإنها سنة.
وكذلك التقبيل لأنه صلى الله عليه وسلم اعتنق جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لما قدم من الحبشة. رواه الدارقطني، وصححوه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها (1).
وفعل كذلك بزيد بن حارثة رضي الله عنه كما رواه الترمذي عنه، وحسنه (2).
نعم اعتناق الأمرد الجميل، وتقبيله، وغمز أي عضو كان من أعضائه حرام، إلا أن يكون محرماً ولا شهوة، وفعل ذلك بالشهوة مع غير الحليلة حرام مطلقاً.
15 - ومن أخلاق اليهود والنصارى: الاغترار بالله تعالى
، وطلب الأماني مع الفتور عن الطاعة والتواني، والقطع لأنفسهم بدخول الجنان مع الإقامة على العصيان، والأمن من مكر الله تعالى والخذلان.
ومعتقد المؤمنين أنه لا بد من الخوف، ولا بد من الرجاء، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يقطع بالجنة لمن مات طائعاً، ولا بالنار لمن مات عاصياً بغير الشرك إلا مَنْ نَصَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم أنه
(1) ورواه ابن أبي الدنيا في "الإخوان"(ص: 195)، وأبو يعلى في "المعجم"(166)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(6/ 477).
(2)
رواه الترمذي (2732) وحسنه.
في الجنة فهو من أهلها.
قال الله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 111 - 112].
وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} [المائدة: 18].
ولم يريدوا بنوة النسب، وإنما أرادوا أنَّ الله تعالى يبرهم ويودهم كبِرِّ الوالد بالأولاد.
قيل: كانوا يقولون: ما عملناه بالنهار كفَّر عنا بالليل، وما عملناه بالليل كفَّر عنا بالنهار (1).
ولا شك أن مثل ذلك يوجد كثيراً في هذه الأمة.
(1) انظر: "تفسير الثعلبي"(3/ 326)، و"الكشاف" للزمخشري (1/ 552).
روى الدارمي عن معاذ رضي الله تعالى عنه أنه قال: سيبلى القرآن في قلوب قوم كما يبلى الثوب فيتهافت، يقرؤونه لا يجدون له شهوة ولا لذة، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف، إن قصروا قالوا: سنبلغ، وإن أساؤوا قالوا: سيغفر لنا؛ لا نشرك بالله شيئاً (1).
وروى أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الآية: هم أقوام يقبلون على الدنيا فيأكلونها، ويتبعون رُخَصِ القرآن ويقولون: سيغفر لنا، لا يعرض لهم شيء من الدنيا إلا أخذوه، ويقولون: سيغفر لنا (2).
وأشار معاذ، وابن عباس إلى أن ذلك يقع في هذه الأمة كما وقع في أهل الكتابين، لا أن ذلك لم يكن فيهم، بل هم سلف هذه الأمة فيه، وهم كانوا في أنفسهم خلف سوء.
قال مجاهد رحمه الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [الأعراف: 169] هم النصارى، ويأخذون ما أشرفَ لهم من شيء من الدنيا حلالاً أو حراماً، ويتمنون المغفرة. أخرجه ابن أبي شيبة، والمفسرون (3).
وروى البيهقي في "الشعب" عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى
(1) رواه الدارمي في "السنن"(3346).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 593).
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(9/ 105 - 106)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1607).
في الآية قال: كانوا يعملون بالذنوب، ويقولون: سيغفر لنا (1).
وروى ابن أبي حاتم عن عطاء في الآية قال: يأخذون ما عرض لهم من الدنيا، ويقولون: نستغفر الله ونتوب إليه؛ أي: فيغفر لنا (2).
وروى أبو الشيخ عن السدي رحمه الله تعالى قال: كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضياً إلا ارتشى في الحكم، فإذا قيل له قال: سيغفر لي (3).
وهذا حال قضاة هذا الزمان ومن والاهم كما قال الشيخ جلال الدين السيوطي، ورويناه عن والدي عنه رحمهما الله مقتبساً:[من الخفيف]
قَدْ بُلِينا فِي عَصْرِنا بِقُضاةٍ
…
يَظْلِمُونَ الأَنامَ ظُلْماً عَمَّا
يَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمَّا
…
ويُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (4)
ومهما عرضت لهم بالنصيحة والنهي عن الرشوة احتجوا عليك بأن الله غفور رحيم، ورحمته واسعة مع الإصرار على ما هم عليه، وعدم التوبة إلا دعوى بألسنتهم ليست من التوبة في شيء؛ لأن من شرط التوبة أو من أركانها رد المظالم إلى أهلها، وكيف لهم وأنى
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(7158).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1608).
(3)
ورواه الطبري في "التفسير"(9/ 106).
(4)
انظر: "إتمام الدراية لقراء النقاية" للسيوطي (ص: 145).