الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
25 - ومنها: التَّلهِّي بسائر الملاهي، ونسيان ذكر الله في حالة الرخاء
.
روى عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله تعالى:{وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ} [الفجر: 10] قال: ذي البناء (1).
قال: وحدَّثنا سعيَد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنَّه كان له مظال يلعب له تحتها، وأوتاد كان تضرب له (2)؛ أي: لأجل بناء تلك المظال.
وهي جمع مظلَّة، وهي كما في "القاموس" -بالكسر وبالفتح-: الكبير من الأخبية (3).
وفي معناها حلَق الملاعب من ترقيص القردة وما معها، والتمويه بالسيمياء، والشعبذة، والملابخة بالعصي ونحوها دون المصارعة لثبوتها في السنَّة، ولأنَّها في الغالب على السلامة.
وروى ابن أبي شيبة عن الضحاك بن قيس رحمه الله تعالى قال: اذكروا الله في الرخاء يذكرْكم في الشدَّة؛ فإن يونس عليه السلام كان عبدًا صالحًا ذاكرًا لله تعالى، فلما وقع في بطن الحوت قال الله تعالى:{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 143، 144]، وأنَّ فرعون كان عبدًا طاغياً ناسياً، فلما أدركه الغرق قال: {قَالَ آمَنْتُ
(1) رواه الطبري في "التفسير"(23/ 131) عن الضحاك.
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(23/ 130).
(3)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 1329)(مادة: ظلل).
أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90]، فقيل له:{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91](1).
أشار الضحاك إلى انتفاع يونس عليه السلام بسالف إحسانه بذكر الله تعالى، واستضرار فرعون بسالف سيئه تهييجًا إلى المبادرة بالإحسان، والأعمال الناشئة عن ذكر الله تعالى قبل نزول البلاء خشية من نزوله بالعبد وهو في غفلته، فلا يمكنه التدارك، ولا ينفعه العمل حينئذ، ولا بلاءً أشد من وقوع بوادر الموت والعبد على غير أُهْبَةٍ.
وقد قال الحسن رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 143، 144]: لتعلم والله أن التضرع في الرخاء استعداد لنزول البلاء، ويجد صاحبه مشتكى إذا نزل به، وأن سالف السيئة يُلحق صاحبها وإن قدمت. رواه عبد بن حميد (2).
ومن هنا قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بَادرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعاً؛ مَا تَنْتَظِرُوْنَ إلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مجهِزًا، أَوِ الدَّجَّالَ؛ فَإِنَّهُ شَرُّ مُنتظَرٍ، أَوِ السَّاعَةَ؛ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ". رواه الترمذي، والحاكم، وصححه (3).
وبعض هذه الأمور - وإن لم يكن مانعًا من قبول التوبة كالغنى
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(34794).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (7/ 126).
(3)
تقدم تخريجه.
والفقر - فإنه قد يكون شاغلاً عن الإتيان بها؛ ألا ترى أنَّ الغني كثيرًا ما يشغله إصلاح ماله، والفقير كثيرًا ما يشغله طلب ما يحتاج إليه؟ فيسوِّفُ العبد بالتوبة والعمل الصالح من وقت إلى وقت رجاء الفراغ، فلا يحس بنفسه إلا وقد وقع في محذوره. وفي حديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ هَرَمًا نَاغِضًا، وَمَوْتًا خَالِسًا، وَمَرَضًا حَاِبسًا، وَتَسوِيْفًا مُؤيِسًا". أخرجه البيهقي في "الشعب"(1).
وحين وقوع هذه الأمور بالعبد، أو بعضها فيمنعه [أن] ينتفع بما سبق له قبل ذلك من الإحسان، وأما إذا لم يسبق له فإنه تشتد حسرته ويظهر حسارته، ولا ينفعه التدارك كما لو غص بالموت وغرغر بالروح، وفي مثل هذه الحالة كان فرعون حين أدركه الغرق فقال:{آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90]، فقيل له:{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: 91].
وسبق قول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم. يا محمَّد! فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدنيه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة.
وحال البحر الطين الأسود الذي يكون في أرضه.
وإنما كان ذلك من جبريل عليه السلام تنفيذاً لما سبق في علم الله من شقاوة فرعون، وكان فرعون همَّ أن يقول تلك الكلمة قبل أن يلجمه الغرق فيغرغر بالموت؛ فإن قول كلمة الشهادة قبل الغرغرة ينفع.
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(10574).