الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: اذهب بنا من طريق آخر؛ لا نستضيء بنارهم (1).
9 - ومنها: الظلم، والإفساد في الأرض
.
قال الله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 103].
وقوله: {فَظَلَمُوا بِهَا} ؛ أي: أشركواة لقوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
أو أراد مطلق الظلم، والباء للسببية؛ أي: فظلموا النَّاس بسببها بمنعهم عن الإيمان بها وصدهم.
وإنما قال: {وَمَلَئِهِ} وهم أشراف قومه؛ لأنَّ الناس تبع لأشرافهم وعرفائهم، فإذا انقادوا اتَّبعهم عوام الناس.
وفيه إشارة إلى أنَّ منشأ الظُّلم أكابر الناس، وعظماؤهم، ووجوههم.
وقال الله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [القصص: 40].
وذلك أن الملأ منهم ظلموا، وأطاعهم عوامهم، وتبعوهم فيه، فكان آخر الأمر أن هلكوا كلهم، وعاقبة الظلم وخيمة، والآيات والأخبار الواردة في الظلم كثيرة، ولو لم يكن على الظَّالم من الوبال إلا حرمانه هدايةَ اللهِ لكفى؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(7/ 40).
الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 86]؟
وقال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42].
قال ميمون بن مهران رحمه الله تعالى: كفى بهذه الآية وعيداً للظالم وتسلية للمظلوم.
وفي رواية: هي تعزية للمظلوم، ووعيد للظالم. أخرجه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(1).
وإنما قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42] لأن الناس يرون الظالم يتمادى في ظلمه وغشمه، وهو على أمنه وصحته، ونعمته وسعته، فربما ظن سخفاء العقول ضعفاء النفوس أن أمره خفي عن الله تعالى، فعرفهم أنه أعلم بالظالم وبظلمه منهم، إلا أن له مدة يستوفيها ثم يأخذه الله تعالى ويعاقبه؛ إن لم تكن عقوبته في الدنيا، وإلا فالآخرة وراء كل ظالم، ولذلك قال تعالى:{إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42].
وفي هذا اليوم يظهر وبال كل ظلم على أنه بصدد العقوبة تصدر في كل وقت.
وفي "شعب الإيمان": عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال:
(1) رواه الطبري في "التفسير"(13/ 236)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق"(2/ 133).
كان في بني إسرائيل رجل عقيم لا يولد له، وكان يخرج، فإذا لقي غلاماً من غلمان بني إسرائيل عليه حلي يخدعه حتى يدخله داره، فيقتله ويلقيه في مطمورة له، فبينا هو كذلك إذ لقي غلامين أخوين عليهما حلي لهما، فأدخلهما فقتلهما، وكانت له امرأة مسلمة تنهاه عن ذلك، فتقول له: إني أحذرك النقمة من الله عز وجل.
وكان يقول: لو أن الله أخذني على شيء أخذني يوم فعلت كذا وكذا.
فتقول: إن صاعك لم يمتلئ بعد، ولو قد امتلأ صاعك أخذت.
فلما قتل الغلامين الأخوين خرج أبوهما يطلبهما، فلم يجد أحداً يخبره عنهما، فأتى نبياً من أنبياء بني إسرائيل، فذكر ذلك له، فقال له النبي: هل كانت لهما لعبة يلعبان بها؟
قال: نعم، كان لهما جرو.
فأتى بالجرو، فوضع النبي خاتمه بين عينيه، ثم خلَّى سبيله، فقال: أول دار يدخلها فيها تبيان.
فأقبل الجرو يتخلل الدور به حتى دخل داراً، فدخلوا خلفه، فوجدوا الغلامين مقتولين مع غلام قتله، فطرحهم في المطمورة، فانطلقوا به إلى النبي، فأمر به أن يصلب، فلما رفع على خشبة أتته امرأته فقالت: يا فلان! قد كنت أحذرك هذا اليوم، وأخبرك أن الله تعالى غير تاركك، وأنت تقول: لو أن الله أخذني على شيء أخذني يوم فعلت كذا وكذا، فأخبرك أن صاعك بعد لم يمتلئ؛ ألا وإن هذا قد امتلأ صاعك (1).
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(7294).
وأنشدوا: [من السريع]
يا رَاكِبَ الذَّنْبِ أَمَا تَستَحِي
…
واللهُ في الخَلوةِ ثَانِيكَا
غَرَّكَ من مَولاكَ إِمْهَالُهُ
…
وَسَتْرُهُ كُلَّ مَسَاويكَا (1)
وروى الشيخان، والترمذي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ"(2).
وروى الديلمي عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الظَّلَمَةُ وأَعْوَانُهُمْ فِي النَّار"(3).
وروى أبو نعيم في "الحلية" عن ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْجَلاوِزَةُ، وَالشُّرَطُ، وَأَعْوَانُ الظَّلَمَةِ كِلابُ النَّار"(4).
وقال الطرطوشي: أنشدنا قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني ببغداد: [من المتقارب]
إِذَا مَا هَمَمْتَ بِظُلْمِ العِبَادِ
…
فَكُنْ ذَاكِرًا هَوْلَ يَوْمِ الْمَعادِ
(1) البيتان لابن السماك، كما في "تفسير الثعلبي"(10/ 146).
(2)
رواه البخاري (2315)، ومسلم (2579)، والترمذي (2030).
(3)
رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(4000).
(4)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 21)، وكذا الديلمي في "مسند الفردوس"(2621).