الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأيضاً لو توارد الناس على الخروج من البلد بقي من وقع به الطاعون عاجزاً عن الخروج، فضاعت مصالح المرضى لفقد من يتعهدهم، والموتى لفقد من يجهزهم؛ والله أعلم.
15 - ومن قبائح قوم نمرود: تسمية الحق والعدل ظلماً في قولهم: {مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59)} [الأنبياء: 59]
.
وفي معناه محمد المعروف منكرًا، والقيام بالحق تعديًا، كما يتفق لحكام زماننا من إنكار فسقتهم على من ينكر أخذ المكوس، أو يعرض إليهم في رفع الظلامات، ويقولون: إنه خائن في مال السلطان، مقصر في أمر الخزينة، وربما كان هذا ذنبًا عظيمًا عندهم، وربما جعلوه سببًا لعزل كثير من الولايات.
والحاصل أنهم يسمون الأمانة خيانة، والخيانة أمانة، وهذه من أقبح أخلاق النماردة.
16 - ومنها: حضور من يضرب، أو يقتل، أو يهان ظلماً حيث قالوا:{فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61)} [الأنبياء: 61] كما تقدم عن ابن إسحاق
.
وهذا محرم في شريعتنا لمن لا يقدر على الدفع عن المظلوم، وهو حال غوغاء الناس ورذالهم في اتباع من يمثل به ويطاف به ليقتل أو ليعزر، وهو لا يستحق شيئًا من ذلك، وكذلك مشاهدة كل منكر من غير إنكار لمن يمكنه التغيب عنه أو الإنكار.
وقد روى البيهقي بسند حسن، عن ابن عباس رضي الله تعالى
عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقِفَنَّ عِنْدَ رَجُلٍ يُقْتَلُ مَظْلُوْمًا؛ فَإِنَّ اللَّعْنَةَ تَنْزِلُ عَلَى مَن حَضَرَه".
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَنْبَغِي لامْرِئٍ شَهِدَ مَقَامًا فِيهِ حَقٌّ إِلَاّ تَكَلَّمَ بِهِ؛ فَإِنَّهُ لَنْ يُقَدمَ أَجَلُهُ، وَلَنْ يَحْرِمَهُ رِزْقًا هُوَ لَهُ"(1).
قال في "الإحياء": وهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز دخول دُور الظلمة والفسقة، ولا حضور المواضع التي يشاهد المنكر فيها ولا يقدر على تغييره.
قال: ولا يجوز له مشاهدة المنكر من غير حاجة اعتذارًا بأنه عاجز.
قال: ولهذا اختار جماعة من السلف العزلة لمشاهدتهم المنكرات في الأسواق والأعياد والمجامع، وعجزهم عن التغيير، وهذا يقتضي لزوم الحجرة، انتهى (2).
ومن هنا يعرف تحريم الدوران في الأسواق حين تزين بالحرير والصور لبشارة ونحوها للنظر إليها، والتنزه فيها.
وقد نص على تحريمه ابن الرفعة، وغيره؛ وإن وقع ذلك ممن يتظاهر في أزمنتنا بالعلم فلا يعتد به لأنهم ليسوا بقدوة، ولا تورطهم
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(7580). وحسن العراقي إسناده في "تخريج أحاديث الإحياء"(1/ 585).
(2)
انظر: "إحياء علوم الدين في للغزالي (2/ 309).