الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدر عليه بالانتقام أن يُبقي للصلح موضعاً؛ فإن فرعون لمَّا لم يُبْقِ مع موسى عليه السلام للصلح موضعاً لم ينتفع بموسى عليه السلام.
وكذلك جرى لقارون على ما سيأتي.
بل كل منهما لم يبق للصلح موضعاً مع الله تعالى، وكان في ذلك دمارهم.
وكذلك حال الجبَّارين؛ نعوذ بالله من فتنة المفتونين.
*
فائِدَةٌ ثالِثَةَ عَشْرةَ:
روى البيهقي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال موسى عليه السلام: يا رب! أمهلت فرعون أربعمئة سنة وهو يقول: أنا ربكم الأعلى، ويكذب بآياتك ورسلك؟
فأوحى الله تعالى إليه: كان حسن الخلق، سهل الحجاب، فأحببت أن أكافيه (1).
والمعنى: أحببت أن أكافيه في الدنيا على هاتين الخصلتين بإطالة المدة في الملك والنَّعمة - بفتح النون -.
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46].
وكذلك من عادته سبحانه أن يحبط ما للكفار من أعمال الخير كصلة الرحم والسخاء، وحسن الخلق بأن يكافئهم عنها في الدنيا بما يخولهم فيه من المطعم والمشرب، والملبس، والمنكح، والمسكن،
(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(7476).
والأمتعة، والمال والولد، فإذا كان يوم القيامة أدخلهم النار كما قال الله تعالى بعد ذكر المجرمين:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].
ومن هذا القبيل ما روي: أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام: لا تقتل السامري؛ فإنه سَخِيٌّ (1).
وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إشارة إلى ذم التحجب من الملوك والحكام، ومدح من لم ينحجب.
وقد روى أبو داود - واللفظ له - والترمذي، والحاكم وصححه، عن عمرو بن مرة الجهني رضي الله تعالى عنه: أنه قال لمعاوية رضي الله تعالى عنه: سمعت رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَنْ وَلَاّهُ اللهُ شَيْئاً مِنْ أُمُورِ المُسْلِمِيْنَ فَاحْتَجَبَ دُوْنَ حَاجَتِهِمْ وَخُلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ احْتَجَبَ اللهُ تَعَالَى دُوْنَ حَاجَتِهِ وَخُلَّتِهِ وَفَقْرِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ"، فجعل معاوية رجلاً على حوائج المسلمين (2).
(1) انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (3/ 246).
(2)
رواه أبو داود (2948)، والترمذي (1332) وقال: غريب، والحاكم في "المستدرك"(7028).
وروى الإمام أحمد نحوه من حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه بإسناد جيد (1).
وروى أبو سعيد النقاش في كتاب "القضاة" عن أبي مريم الأزدي (2) رضي الله تعالى عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُوْرِ المُسْلِمِيْنَ شَيْئًا فَأَغْلَقَ بَابَهُ دُوْنَ ذَوِي الفَقْرِ والحَاجَةِ، أَغْلَقَ اللهُ عَنْ فَقْرِهِ وَحَاجَتِهِ بَابَ السَّمَاءِ".
وهو عند الطبراني، والحاكم، والبيهقي بنحو حديث عمرو بن مرة رضي الله تعالى عنه (3).
وروى ابن منده في "الصحابة" عن عبدة بن رباح، عن أبيه رضي الله تعالى عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنِ احْتَجَبَ عَن النَّاسِ لَمْ يُحْجَبْ عَنِ النَّار"(4).
وروى أبو نعيم في "الحلية" عن القاسم بن مُخَيمرة رحمه الله
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 238).
(2)
قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"(8/ 90): عمرو بن مرة الجهني أبو طلحة، وقيل: أبو مريم، وقيل: إن أبا مريم الأزدي آخر.
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(22/ 331)، والحاكم في "المستدرك"(7027)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(7385).
(4)
انظر: "أسد الغابة" لابن الأثير (2/ 240)، و "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (2/ 453).
تعالى الله تعالى قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وفي صدري حديث يتجلجل فيه أريد أن أقذفه إليه، فقلت: بلغنا أنه من ولي على الناس سلطاناً فاحتجب عن حاجتهم وفاقتهم احتجب الله عن حاجته وفاقته يوم يلقاه.
قال: فقال: ما تقول؟
ثم أطرق طويلاً، قال: فعرفتها فيه؛ فإنه برز للناس (1).
والحاصل: أن المحتجب من الولاة والحكام والقضاة عن حوائج المسلمين أبلغ في التجبر من فرعون إلا أن يكون سهل الحجاب.
وقد قلت: [من السريع]
يا مَنْ تَعَدَّى إِذْ تَوَلَّى عَلى
…
أُمُورِ خَلْقِ اللهِ بِالاحْتِجابْ
إِنْ رُمْتَ أَنْ تَبْقى بِلا نَكْبَةٍ
…
فِي مُلْكِكَ الْفانِي وَتُوْقَى الْعَذابْ
لا تَحْتَجِبْ عَنْهُمْ وإِنْ كانَ لا
…
بُدَّ فَسَهِّلْ وارْعَ لُطْفَ الْخِطابْ
قَدْ دامَ فِرْعَوْنُ عَلى مُلْكِه
…
سِنِيْنَ لَمَّا كانَ سَهْلَ الْحِجابْ
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(5/ 316).