الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر هذا الحديث الشيخ مجد الدين الفيروز أبادي في "القاموس"، وذكر أن ذلك الأسود كان يقال له: عبود - على وزن سفود - وأنه يضرب به المثل لمن نام طويلاً (1).
وبما ذكرته هنا استغنيت عن عقد باب، أو فصل في النهي عن التشبه بأصحاب الرس.
10 - ومن أعمال قوم لوط:
أمور اشتملت عليها أحاديث، وآثار نذكرها هنا.
فروى ابن عساكر، والخطيب في "تاريخيهما" بسند ضعيف، عن الحسن البصري - مرسلاً - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَشْرُ خِصَالٍ عَمِلَهَا قَوْمُ لُوْطٍ أُهْلِكُوْا بِهَا، وَتَزَيْدهَا أُمَّتِي بِخصْلَةٍ: إِتْيَانُ الرّجَالِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَرَمْيُهُم بِالْجَلاهِقِ، وَالْخَذَفُ، وَلَعبُهُمْ بِالْحَمَامِ، وَضَرْبُ الدُّفُوْفِ، وَشِرْبُ الْخُمُوْرِ، وَقَصُّ اللّحْيَةِ، وَطُوْلُ الشَّارِبِ، وَالصَّفِيْرُ، وَالتَّصْفِيْقُ، وَلِبَاسُ الْحَرِيْرِ، وَتَزِيْدُها أُمَّتِي بِخصْلَةِ: إِتْيَان النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ بَعْضًا"(2).
وروى ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي"، والبيهقي عن سفيان رحمه الله تعالى قال: سمعت أن لعباً بالجلاهق، ولعباً بالحمام هو من
(1) انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 378)(مادة: عبد).
(2)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(50/ 322)، وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (5/ 644).
عمل قوم لوط (1).
والْجُلاهِق - بضم الجيم، وتخفيف اللام، وكسر الهاء، وبالقاف -: البندق الذي يرمى به، وهو فارسي معرب.
وروى ابن أبي حاتم عن مجاهد رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29] قال: الصَّفر، ولعب الحمام، والجلاهق، وحل أزرار القباء (2)؛ وكأنهم كانوا يفعلون ذلك ولا إزار عليهم ولا سراويل، فيكون سبباً لكشف العورة.
وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا هلكَتْ سَدُوْمُ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى حَتَّىْ اسْتَاكُوا بِالْمِسْواكِ، وَمَضَغُوا العلْكَ فِي الْمَجَالِسِ"(3).
وإنما ذم الاستياك من حيث فعلُه في المجالس على وجه الاحتقار لمن فيه، وعدم الاعتناء بالجليس، وترك الحياء منه.
وروى الإمام أحمد، والترمذي وحسنه، والمفسرون، وصححه الحاكم، عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله تعالى عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:{وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29] قال: "كَانُوا
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي"(ص: 84)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(6538).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 3055).
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(12745). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(5/ 46): فيه سوار بن مصعب، وهو متروك.
يَجْلِسُوْنَ بِالطرِيْقِ، فَيَخْذِفُوْنَ أَبْنَاءَ السَّبِيْلِ، وَيَسْخَرُوْنَ مِنْهُمْ " (1).
ورواه الثعلبي، ولفظه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29] ما المنكر الذي كانوا يأتون؟
قال: كانوا يخذفون أهل الطريق ويسخرون بهم (2).
وروى ابن مردويه عن جابر رضي الله تعالى عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، وهو قول الله تعالى:{وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29].
ونحوه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (3).
والخَذْف - بفتح الخاء المعجمة، وإسكان الذال المعجمة، وبالفاء -: رميك بحصاة، أو نواة، أو نحوهما تأخذ بين سبابتيك تخذف بها؛ قاله في "القاموس"(4).
وقال الجوهري: الرمي بالحصا (5)؛ أي: ونحوه بالأصابع.
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 341)، والترمذي (3190) وحسنه، والحاكم في "المستدرك"(3537).
(2)
رواه الثعلبي في "التفسير"(7/ 277). وكذا الطيالسي في "المسند"(1617).
(3)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (6/ 461).
(4)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 1037)(مادة: خذف).
(5)
انظر: "الصحاح"(4/ 1347)، (مادة: خذف).
وروى ابن أبي الدنيا عن علي رضي الله تعالى عنه قال: من أخلاق قوم لوط الجلاهق، والصفير، والخذف، ومضغ العلك (1).
وروى الثعلبي عن مكحول قال: عشرة في هذه الأمة من أخلاق قوم لوط: مضغ العلك، وتطريف الأصابع بالحناء، وحل الإزار، وتنقيض الأصابع؛ أي: تفقيعها، والعمامة التي تلف بها على الرأس، والسُّكينية، ورمي الجلاهق، والصفير، والخذف، واللوطية (2).
وروى الديلمي - بسند واه - عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَشْرَةٌ مِنْ أَخْلاقِ قَوْمِ لُوْطٍ: الْخَذْفُ فِيْ النَّادِي، وَمَضْغُ الْعِلْكِ، وَالسِّوَاكُ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيْقِ، وَالصَّفِيْرُ فِي الْحَمامِ، وَالْجلاهِقُ، وَالْعَمَامَةُ الَّتِيْ لا يَتَلَحَّى بِهَا، وَالسُّكِيْنيةُ، وَالتَّطْرِيْفُ بِالْحِنَّاءِ، وَحَلُّ إِزَارِ الأَقْبِيَةِ، وَالْمَشي بِالأَسْوَاقِ وَالأَفْخَاذُ بَادِيَةٌ"(3).
وما أشبه هذه الأخيرة بعادة الدروز، والتيامنة، والنصيرية، ومن والاهم من ترك السراويل والإزار، ورفع أذيال الثياب إلى الركبة.
وروى البخاري في "تاريخه"، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله تعالى عنها في قوله: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ
(1) ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(50/ 321).
(2)
رواه الثعلبي في "التفسير"(7/ 278).
(3)
رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(4081).
الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29]؛ قالت: الضراط (1).
وروى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم: أنه سئل عن المنكر في الآية؛ قال: كانوا يتضارطون في مجالسهم، يضرط بعضهم على بعض (2).
ويحتمل التضارط في كلامه حقيقة الضراط.
ويحتمل أنه أراد الإضراط بالفم؛ كان يفعله بعضهم بحضور الآخرين، وهذا يفعله في هذه الأزمان كثير من المساخر والمضحكين.
وذكر شيخ الإسلام والدي في تفسير المنكر زيادة على ما تقدم: الفساء؛ أي: في المجالس، وكشف العورة، وتشبيك الأصابع، واللعب بالنرد، ولباس المصبغات، وتشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال - أي: في الأفعال والهيئات - والتشاتم، والمُكس.
وقال الطرشوشي في "سراج الملوك": روي أن قوم لوط كانت فيهم عشر خصال فأهلكهم الله تعالى بها: كانوا يتغوطون في الطرقات، وتحت الأشجار المثمرة، وفي المياه الجارية، وفي شطوط الأنهار، وكانوا يخذفون الناس بالحصا فيعورونهم، وإذا اجتمعوا في المجلس
(1) رواه البخاري في "التاريخ الكبير"(6/ 196)، والطبري في "التفسير"(20/ 145)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 3054).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (6/ 461)، وروى ابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 3055) نحوه عن القاسم بن محمد.
أظهروا المنكر بإخراج الريح منهم، واللطم على رقابهم، وكانوا يرفعون ثيابهم قبل أن يتغوطوا؛ أي: قبل وصولهم إلى الغائط، ويأتون بالطامة الكبرى؛ وهي اللوطية، ويلعبون بالحمام، ويرمون بالجلاهق، وضرب الدفوف، وقص اللحية، وتطويل الشارب، والتصفق، ولبس الحمرة، انتهى (1).
وقوله: واللطم على رقابهم يحتمل أنه كان يفعله الواحد منهم فيصك نفسه بنفسه ليضحك غيره، أو كان يصفعه غيره فيرضى، ويثبت لذلك ليضحك الحاضرين.
وكلاهما مذموم يفعله الآن مساخر الناس ومضحكوهم، ولا ينكره منكر منهم.
وقد اشتمل ما ذكرناه هنا عن قوم لوط على نحو أربعين خصلة؛ منها ما هو محرم في شريعتنا، ومنها ما هو مكروه أو خلاف الأولى، وليس منها ما هو مندوب إليه إلا ما كان من العمامة كما وقع في أثر مكحول؛ فإنها سيما المسلمين كما علمت.
وما وقع من ذكر العمامة في كلامه مطلقاً محمول على تكبير العمامة زيادة عن العادة، أو تلطيفها وتزيينها، والتأنق في لفها وتكويرها، أو تعويجها، أو الميل بها إلى زي النساء كما يفعله كثير ممن لا خَلاق لهم؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(1) انظر: "سراج الملوك" للطرطوشي (ص: 126).
أو المراد يقول مكحول: التي يلف بها على الرأس: أن تكور على الرأس، وتلف عليه شيئًا فشيئاً، ولعله خلاف الأولى، ولم أر فيه نصًا سوى كلام مكحول هذا.
وحمله بعض العلماء على العمامة الصَّمَّاء، وهي التي ليست مُحَنَّكَة ولا لها ذؤابة.
وروى أبو عبيد في "الغريب": أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط (1).
وفسر هو والجوهري، وابن كثير وغيرهم الاقتعاط: بأنه شد العمامة على الرأس من غير أن يجعل منها شيئًا تحت الحنك، وهو موافق لقوله في حديث ابن عباس: والعمامة التي لا يتلحى لها.
وسئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن النهي عن الاقتعاط، فأجاب بأنه محمول على الكراهة دون التحريم.
ونقل القاضي أبو الوليد بن رشد من أئمة المالكية أن مجاهداً نظر يومًا إلى رجل قد اعتم ولم يتحنك، فقال: اقتعاط كاقتعاط الشيطان؟ تلك عمامة الشيطان، وعمائم قوم لوط (2).
وروى أبو بكر الخلال عن عمران المنقري قال: هذه الأعمة التي لا تجعل تحت الحنك عمةُ قوم لوط (3).
(1) انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (3/ 120).
(2)
وانظر: "المدخل" لابن الحاج (1/ 140).
(3)
وانظر: "شرح العمدة" لابن تيمية (1/ 269).