الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال: هممت، ثم ذكرت عاداً وثمود، وقرونا بين ذلك كثيرًا؛ كانت فيهم الأوجاع، وكان فيهم الأطباء، فهلك المُدَاوي والمُدَاوى (1).
ويروى لأبي العتاهيَة: [من الكامل]
إِنَّ الطَّبِيبَ بِطِبِهِ وَدَوائِهِ
…
لا يَسْتَطِيع دِفاعَ مَكْرُوهٍ أَتَى
ما لِلطَّبِيْبِ يَمُوتُ بِالدَّاءِ الَّذِي
…
قَدْ كانَ يُبْرِي مِنْهُ فِيما قَدْ مَضى
ذَهَبَ الْمُداوَى وَالْمُداوِي وَالَّذِي
…
جَلَبَ الدَّواءَ وَباعَهُ وَمَنِ اشْتَرَى
وقد ذكرنا في التشبه بالأنبياء عليهم السلام أن استحسان التداوي، أو ترك التداوي إنما هو باعتبار النية، لأن الأعمال بالنيات؛ والله الموفق.
*
تَنْبِيْهٌ:
ليس في كتاب الله تعالى ما يدل على أن الله تعالى كلَّف قومَ نوح، أو قوم هود، أو قوم صالح بالصَّلاة مع قطع النظر عن كون الصلاة ذات ركوع وسجود وقيام وقعود أو لا.
بل دل الكتاب على أن هؤلاء لم يقبلوا الإيمان بالكلية، ولا صدقوا الرَّسل في كونهم مرسلين، وإنما تكون الشرائع بعد قبول الإيمان، ومن ثَمَّ قال دانيال عليه السلام في نعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم: يصلون صلاة لو صلاها قوم نوح ما غرقوا، أو عاد ما أرسلت عليهم
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 106)، وكذا ابن المبارك في "الزهد"(2/ 25).
الريح العقيم، أو ثمود ما أخذتهم الصيحة. رواه عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في تفسير قوله تعالى:{إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)} [المعارج: 22، 23]؛ قال: ذكر لنا أن دانيال عليه السلام نعت هذه الأمة فقال؛ وذكره.
قال قتادة: فعليكم بالصلاة؛ فإنها خُلُق من أخلاق المؤمنين حَسَنٌ (1).
وروى الدينوري في "المجالسة" عن عبد الرحمن بن الحارث، عن عمر بن حفص؛ قال: وكان رحمه الله تعالى من خيار الناس قال: كان عند أبي وجدي ورقةٌ يتوارثونها قبل الإسلام بزمان، فيها: بسم الله، وقوله الحق، وقول الظالمين في تباب: هذا الذكر لأمة تأتي في آخر الزمان يأتزرون على أوساطهم، ويغسلون أطرافهم، ويخوضون في البحر إلى عدوهم، فيهم صلاة لو كانت في قوم نوح ما هلكوا بالطُّوفان، وفي قوم ثمود ما هلكوا بالصيحة.
قال: فأخبرني أنهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن يحتفظوا بها (2).
والظاهر أن أول ما شُرعت الصلاة ذات الفعال - وإن لم يكن على مثل صلاة هذه الأمة سواء - لإبراهيم عليه السلام.
(1) ورواه الطبري في "التفسير"(29/ 79)، وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (8/ 284).
(2)
رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 225).
روى ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ما ابتلي بهذا الدين فقام به كله إلا إبراهيم عليه السلام؛ قال الله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة: 124].
قيل: ما الكلمات؟
قال: سهام الإسلام ثلاثون سهمًا؛ عشرة في براءة: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} [التوبة: 112]، إلى آخرها، وعشرة في أول سورة {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} [المؤمنون: 1]، {سَأَلَ سَائِلٌ} [المعارج: 1]، {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)} [المعارج: 26] الآيات، وعشرة في الأحزاب:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات} [الأحزاب: 35]، إلى آخر الآية، فأتمهن كلهن، فكتب له براءة؛ قال تعالى:{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)} [النجم: 37](1).
وروى الحاكم عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: إن الله تعالى أنزل على إبراهيم عليه السلام مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} [التوبة: 112] إلى قوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوية: 112]، و {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)} [المؤمنون: 1] إلى قوله تعالى: {فِيهَا خلِدُونَ} [المؤمنون: 1 - 11]، {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] الآية، والتي في سأل:{الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)} [المعارج: 23]، فلم يف بهذه السهام إلا إبراهيم، ومحمد صلى الله عليهما وسلم (2).
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك"(4021).
وروى الإمام أحمد في "الزهد"، وأبو نعيم عن نوف البَكَالي رحمه الله تعالى قال: قال إبراهيم عليه السلام: يا رب! إنه ليس في الأرض أحد يعبدك غيري.
فأنزل الله تعالى ثلاثة آلاف ملك، فأمَّهم ثلاثة أيام (1).
أي: أمَّهم في الصلاة كما تقدم [عن](2) كعب رحمه الله تعالى أن الله تعالى أنزل ملائكة يصلون مع إبراهيم عليهم السلام.
فالظاهر أن أول من كلف بالصلاة فأقامها إبراهيمُ عليه السلام وآل بيته، وأول من كلف بها فلم يقمها قومُه.
فالمقيم الصلاةَ متشبه بإبراهيم وآل بيته عليهم السلام، وتاركها متشبه بقوم إبراهيم فمن بعدهم ممن كلف بها فتركها.
وإنما قيدنا الصلاة بذات الأفعال احترازاً عن الصلاة بمعنى الدعاء والاستغفار؛ فإنها مشروعة لسائر الأمم، ولذلك أمر نوح وهود وصالح عليهم السلام أقوامهم بالاستغفار، فمن ترك الاستغفار إصراراً على العصيان فهو متشبه بقوم نوح فمن بعدهم من الأمم المصرة.
***
(1) تقدم تخريجه.
(2)
ما بين معكوفتين ليس في "أ".