الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنَّ المظَالِمَ يَومَ القِصَاصِ
…
لِمَنْ قَدْ تَزَوَّدَهَا شَرُّ زَادِ (1)
روى أبو نعيم في "الحلية" عن مجاهد رحمه الله تعالى قال: مر نوح عليه السلام بالأسد فضربه برجله، فبات ساهراً، فشكا نوح ذلك إلى الله عز وجل، فأوحى الله إليه: إني لا أحب الظلم (2).
10 - ومنها: القتل، والعزم عليه، والتمثيل بالمقتول بالصلب، وبقطع الأيدي والأرجل بغير حق، والربط بالأوتاد، وغير ذلك
.
قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} [غافر: 25، 26].
أي: فينقذه منِّي إذا كان صادقاً.
والقتل المشار إليه بقولهم: {اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 25] غير القتل الأول الذي كان في سنة ميلاد موسى عليه السلام، كما رواه عبد بن حميد عن قتادة (3).
وقال تعالى حكاية عن فرعون مخاطباً للسحرة: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)} [الأعراف: 124].
روى ابن المنذر، وغيره عن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى قال:
(1) انظر: "سراج الملوك" للطرطوشي (ص: 124).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(3/ 289).
(3)
تقدم تخريجه.
أول من قطع من خلاف، وأول من صلب في الأرض فرعون (1).
وروى هو وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نحوه (2).
وروى الحاكم وصححه، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى:{وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ} [الفجر: 10]؛ قال: وتد فرعون لامرأته أربعة أوتاد، ثم وضع على ظهرها رحا عظيمة حتى ماتت (3).
وروى أبو يعلى، والبيهقي بإسناد صحيح، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: إن فرعون وتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها (4).
زاد عبيد بن حميد في رواية: وأَضْجَعها على ظهرها، ووضع على صدرها رحا، واستقبل بها الشمس، فرفعت رأسها إلى السماء، فقالت:{رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)} [التحريم: 11]، ففرَجَ الله لها عن بيتها في الجنة، فرأته (5).
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 515)، ورواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1537).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(9/ 23).
(3)
رواه الحاكم في "المستدرك"(3929).
(4)
رواه أبو يعلى في "المسند"(6431).
ورواه البيهقي في "شعب الإيمان"(1638) عن أبي رافع.
(5)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (8/ 229).
ويجمع بين قول أبي هريرة، وقول ابن مسعود أن فرعون كان يربطها من أربعتها في الأوتاد الأربعة تارة مكفية على وجهها والرحا على ظهرها، وتارة مضجعة على ظهرها والرحا على صدرها.
وروى ابن أبي شيبة، والمفسرون، والحاكم وصححه، والبيهقي في "الشُّعب" عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال: كانت امرأة فرعون تعذَّب بالشمس، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة (1).
وروى ابن أبي حاتم عن الحسن قال: كان فرعون يعذِّب بالأوتاد (2).
وروى الثعلبي بإسناده عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنَّ فرعون إنما سمي ذا الأوتاد: أنه كان امرأة خازنه حزبيل بن يوحابيل، وكان مؤمناً كاتم إيمانه مئة سنة، وكان لقي من لقي من أصحاب يوسف عليه السلام، وكانت امرأته هذه ماشطة بنت فرعون، فبينما هي ذات يوم تمشط رأس بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها، فقالت: تعس من كفر بالله عز وجل.
فقالت بنت فرعون: هل لك من إله غير أبي؟
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(34656)، والطبري في "التفسير"(28/ 171)، والحاكم في "المستدرك"(3834)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(1637).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3426).
فقالت: إلهي، وإله أبيك، وإله السموات والأرض واحدٌ لا شريك له.
فقامت ودخلت على أبيها وهي تبكي، فقال: وما يبكيك؟
قالت: الماشطة امرأة خازنك تزعم أنَّ إلهها، وإلهك، وإله السموات والأرض واحدٌ لا شريك له.
فأرسل إليها فسألها عن ذلك، فقالت: صدقت.
فقال لها: ويحك! اكفري به. لهك، وأقري أني إلهك.
فقالت: لا أفعل.
فمدها بين أربعة أوتاد، ثم أرسل إليها الحيات والعقارب، فقال لها: اكفري بالله وإلَاّ عذبتك بهذا العذاب شهرين.
فقالت: والله لو عذبت سبعين شهراً ما كفرت بالله عز وجل.
قال: وكان لها ابنتان، فجاء بابنتيها فذبح الكبرى على فيها، وقال لها: اكفري بالله وإلا ذبحت ابنتك الصغرى على فيكِ، وكانت طفلة رضيعة تجد بها وجداً شديداً.
قالت: لو ذبحت ملء الأرض على فيَّ ما كفرت بالله عز وجل.
قال: فأتى ببنتها، فلمَّا قدمت منها وأضجعت على صدرها، وأرادوا ذبحها، جزعت المرأة، فأطلق الله لسان ابنتها؛ تكلمت - وهي من الأربعة الذين تكلموا أطفالاً - فقالت: يا أماه! لا تجزعي؛ فين الله قد بنى لك بيتاً في الجنة، اصبري؛ فإنَّكَ تفضين إلى رحمة الله تعالى.
قال: فذبحت، فلم تلبث أن ماتت فأسكنها الله الجنة.
قال: وكان فرعون قد تزوج بامرأة من أجمل النساء، وكانت من بني إسرائيل اسمها آسية بنت مزاحم، فرأت ما صنع فرعون بالماشطة، فقالت: كيف يسعني أن أصبر على ما يأتي فرعون وأنا مسلمة وهو كافر؟
فبينا هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فقالت: يا فرعون! أنت شر الخلق وأخبثه؛ عمدت إلى الماشطة فقتلتها؟
قال: فلعلَّ بك الجنون الذي كان بها؟
قالت: ما بي من جنون؛ فإن إلهي، وإلهها، وإلهك، وإله السموات والأرض واحدٌ لا شريك له.
فبزق عليها، وضربها، وأرسل إلى أبويها فدعاهما، فقال لهما: ألا تريان الجنون الذي كان بالماشطة أصابها؟
فقالت: أعوذ بالله من ذلك، إنَّي أشهد أنَّ ربي وربك ورب السموات والأرض واحدٌ لا شريك له.
فقال لها أبوها: يا آسية! ألست خير نساء العماليق، وزوجك إله العماليق؟
فقالت: أعوذ بالله من ذلك؛ إن كان ما يقول حقاً فقولا له يتوجني بتاج تكون الشمس أمامه، والقمر خلفه، والكواكب حوله.
فقال لهما فرعون: اُخرجا عنِّي؛ فقذفها بين أربعة أوتاد فعذبها، وفتح الله عز وجل لها باباً إلى الجنة ليهون عليها ما يصنع بها فرعون، فعند ذلك:{قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} ؛ تعني: من جماع فرعون {وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم: 11]؛ تعني: فرعون وشيعته، فقبض الله روحها، وأسكنها الجنة (1).
وروى الحاكم وصححه، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَمْ يَتَكلَّمْ في المَهْدِ إِلَاّ عِيْسَى، وَشَاهِدُ يُوسُفَ، وصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وابنُ مَاشِطَةِ بِنْتِ فِرْعَونَ"(2).
وفي "الصحيحين" من حديثه: "لَمْ يَتكلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلاثةٌ"(3).
وهذا محمول على أنَّه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم بالزائد، وكذلك حديث الحاكم.
وإلَاّ فقد وردت أخبار تدل على أنَّ المتكلمين في المهد أزيد من هذه العدة - وإن كان بعضها ضعيفاً -.
وقد عدَّهم السيوطي رحمه الله تعالى أحد عشراً نفساً، وقال جامعاً لهم:[من الطويل]
(1) رواه الثعلبي في "التفسير"(10/ 198).
(2)
رواه الحاكم في "المستدرك"(4161).
(3)
رواه البخاري (3253)، ومسلم (2550).