الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكرهون أن يتخذوا المجالس أن يعدوها للسفهاء (1).
وأنت خبير بأن المجالس الآن إنما تعد وتتخذ للسفهاء، وهو خلاف ما كان عليه السلف.
8 - ومنها: المكس، وأخذ العشور التي لم يأت بها الشرع
.
روى أبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ} [الأعراف: 86] قال: هم العُشَّار (2) - بضم المهملة، وتشديد الشين المعجمة -: جمع عاشر، وهو من يعشر الناس؛ أي: يأخذ عشر أموالهم.
والعَشَّار - بالفتح، والتشديد - قابض العشر.
ولا يحل منه إلا عشر ما فيه الزكاة بشرطه، وما سواه مكس وظلم. قال القرطبي - بعد أن نقل عن السدي في الآية أن قوم شعيب كانوا عشارين متقبلين -: قال علماؤنا: ومثلهم اليوم هؤلاء المكَّاسون الذين يأخذون من الناس ما لا يلزمهم شرعاً من الوظائف المالية بالقهر والحبس، فضمنوا ما لا يجوز ضمان أصله من الزكاة، والمواريث، والملاهي، انتهى (3).
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(26553).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 502).
(3)
انظر: "تفسير القرطبي"(7/ 249).
والمكس ظلم مرتب على شيء لم يرتبه الشرع، فيدخل في ذلك ما يأخذه القاضي من أحد الخصمين وإن لم يكتب له صكاً، وقد نوَّعوه وأحدثوا له أسماء كحجة الدعوى، وحجة الكفالة، وحجة الوكالة، وأجرة المقدم، والخدمة، فرتبوه على أمور أحدثوها لا يوافقها الشرع ربما سموه محصولاً.
ومن ذلك أن القاضي يأخذ ممن استحق وصية من ميت ثلث ما يأخذه، وربما أخذوا لخدامهم غلمانية، أو صبيانية، أو أمانة، أو مهردارية، وصارت هذه الأمور متعارفة عندهم لا ينكرونها.
وكذلك ما يأخذه القضاة رسماً على الأنكحة ومحاسبة على مال اليتيم وقسمه.
والذي يقره الشرع من ذلك ما كان في مقابلة القسمة بين الورثة الطالبين لها، أو لو كان فيها يتيم ولم يطلب الباقون فيأخذون أجر مثله ممن يقسم له، وكذلك أجرة مثل محاسبته لو حاسب بالطريق المذكور، فأما ما يؤخذ للقاضي والمباشر لذلك نائبه فلا أعرف لأخذهم له وجهاً، وكذلك ما يؤخذ للوالي من الديات، ويسمونه عشر الدم، بل ربما أخذوه من أهل المحلة أو القرية التي يقتل فيها القتيل عمداً أو خطأ، أو من أهل القتيل.
وأقبح منه ما يأخذه القاضي كشفاً، ويتجاوزون فيه، وإنما يباح منه أجرة مثل الكاشف ممن طلب الكشف، وما يؤخذ للوالي أيضاً من الزاني، أو السارق، أو الشارب ولو بالتهمة، أو من كل مَن عزَّره
القاضي، وكذلك اليسق الذي يؤخذ على الديون التي تثبت عند القاضي، ومن الأسواق، ومَن يمر بها من الجلَاّبين ببضاعة أو غيرها، وما يؤخذ على الفواكه وسائر المبيعات من قوت أو حيوان أو ثياب، وما يؤخذ عداداً على المواشي التي ترعى في كلأ مباح، وما يؤخذ من حانات الخمر وبيوت القمار، وكذلك ما يأخذه البوابون على أبواب المدن أو الخانات، وكذلك ما يجمع للعرفاء وشيوخ الحِرف والحارات لكونهم كذلك، وما يأخذه بعض من يعزر بهم من المعزر على كل سوط درهماً، ونحو ذلك من الغرامات، فكلُّ هذا مُكس محرم، ومرتكبه مرة واحدة فاسق معذب بالنار إلا أن يتوب أو يعفو الله تعالى عنه، فإن اعتقد حله كان كافراً مخلداً في النار.
قال الحافظ الذهبي في كتاب "الكبائر": وجابي المكس، وكاتبه، وآخذه من جندي وشيخ وصاحب زاوية شركاءُ في الإثم، أكَّالون للسُّحت، انتهى (1).
وحرمة ذلك بنص القرآن.
قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188].
وقال تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 42].
(1) انظر: "الكبائر" للذهبي (ص: 116).