الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روى ابن جرير عن عكرمة قال: كان أهل الكتاب يقدِّمون الغلمان الَّذين لم يبلغوا الحنث يصلُّون بهم، يقولون: ليس لهم ذنوب، فأنزل الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 49].
وعن مجاهد: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} ؛ قال: يعني: اليهود؛ كانوا يقدمون صبيانًا لهم أمامهم في الصَّلاة، يزعمون أنهم لا ذنوب لهم.
قال: فتلك التزكية (1).
وأخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما (2).
واعلم أنه يقدم للإمامة العدل، فإن تساويا فالأفقه، فإن تساويا فالأقرأ، فإن تساويا فالأورع، فإن تساويا فالأسن.
91 - ومنها: تزكية النفس
.
وهي شاملة لتزكية كل واحد لنفسه، ولتزكيته لأهل اعتقاده أو حرفته، أو قريبه لمجرد الحميَّة.
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 49، 50]
قال الحسن في الآية: هم اليهود والنَّصارى؛ قالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ
(1) رواهما الطبري في "التفسير"(5/ 127).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(3/ 972).
اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18]، {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: 111]. رواه عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم (1).
ورويا عن الضحَّاك قال: قالت اليهود: ليس لنا ذنوب إلا كذنوب أولادنا يوم يولدون، فإن كانت لهم ذنوب فإنَّا نحن مثلهم (2).
قال الله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النساء: 50].
وقال الله تعالى ناهيًا لهذه الأمة عن ارتكاب ما به ذم أهل الكتاب: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32].
أي: لا تثنوا على أنفسكم إعجابًا، أو: لا يزكي بعضكم بعضاً رياءً.
فأما على وجه التحدث بالنعمة أو الإخبار بما هو عنده من علم أو حرفة ليقصد للتَّعلم منه فإنَّه مقبول لقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11].
ومن القواعد: أن الأمور بمقاصدها.
وروى الزبير بن بكار في "الموفقيات" عن جدِّه عبد الله بن مصعب قال: قال أبو بكر الصِّديق رضي الله تعالى عنه لقيس بن عاصم: صف لي نفسك.
(1) رواه عبد الرزاق في "التفسير"(1/ 164)، والطبري في "التفسير"(5/ 126)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(3/ 972).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(5/ 126)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(3/ 972).
فقال: إن الله تعالى يقول: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32]، فلست بمزك نفسي وقد نهانا الله عنه، فأَعجب أبا بكر ذلك منه (1).
وأمَّا قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9]، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14]، فالمراد منه: الاتصاف بالبر والإحسان والتقوى، لا الثناء على النَّفس.
وقوله تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32]، إشارة إلى أنَّ الزَّكاة والفضل بالاتصاف بالتقوى لا بوصف النفس بها، وإلى أن المزكِّي حقيقة هو الذي يزكيه الله تعالى بتوفيقه للتقوى، أو بما نشره له من الثناء.
وقد روى الإمام أحمد، وأبو القاسم البغوي في "معجم الصَّحابة"، والطَّبراني بسند صحيح، من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن الأقرع ابن حابس: أنه أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! أخرج إلينا، فلم يجبه، فقال: يا محمد! إن حمدي لزَيْنٌ، وإن ذمي لشَيْنٌ.
فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "ذَاكَ اللهُ".
فأنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} [الحجرات: 4](2).
(1) انظر: "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (5/ 484)، و"الدر المنثور" للسيوطي (7/ 658).
(2)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 488)، وابن قانع في "معجم الصحابة"(1/ 68)، والطبراني في "المعجم الكبير"(878).