الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعليه أولاً أن يبدأ في تعلم ما يهذب أخلاقه، ويزكي نفسه؛ فإن بقي على خبث جوهره وخاض في أي علم كان صادف العلم من قلبه منزلاً خبيثاً، فلم يَطِبْ ثمره، ولم يظهر في الخير أثره كما نبه على ذلك حجة الإسلام في "الإحياء" قال: وقد ضرب وهب لهذا مثلاً فقال: العلم كالغيث ينزل من السماء حلواً صافياً، فتشربه الأشجار بعروقها، فتحوله على قدر طعومها، فيزداد المُرُّ مرارة، والحلو حلاوة، فكذلك العلم يحفظه الرجال فتحوله على قدر همتها وأهوائها، فيزيد المتكبر كبراً، والمتواضع تواضعاً؛ فإن من كانت همته الكبر وهو جاهل، فإذا حفظ العلم وجد ما يتكبر به، فازداد كبراً، وإذا كان خائفاً مع جهله، فازداد علما، علم أن الحجة تأكدت عليه، فيزداد خوفاً وتواضعاً.
قال حجة الإسلام: ما أعرف على بسيط الأرض عالماً يستحق أن يقال: إنه عالم لا يحركه عز العلم وخيلاؤه، فإن وجد ذلك فهو صديق زمانه، فلا ينبغي أن يفارق (1).
36 - ومنها: الاختلاف في الدين هوى، والجدال فيه، والابتداع
.
قال الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} [آل عمران: 105].
وهم اليهود والنصارى كما تقدم.
وقال تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ
(1) انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (248 - 249).
فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} [آل عمران: 66] إشارة إلى مجادلة اليهود ونصارى نجران في إبراهيم عليه السلام.
وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في الآية: حبل الله الجماعة. أخرجه ابن جرير، والطبراني، وغيرهما (1).
وقال: أيها الناس! عليكم بالطاعة والجماعة؛ فإنها حبل الله الذي أمر به. أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم (2).
وروى الإمام أحمد، وأبو داود عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِن أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ افْتَرَقُوا فِي ديْنِهِم عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِيْنَ مِلَّةً - يعني: الأهواء - كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَاّ وَاحِدَة، وَهِيَ الجَمَاعَة".
قالَ: "وَيخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ تتَجَارَى الأَهْوَاءُ بِهِم كَمَا يَتَجَارَى الْكَلَبُ بِصَاحِبِهِ، فَلا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلا مِفْصَلٌ إِلا دَخَلَهُ"(3).
(1) رواه الطبري في "التفسير"(4/ 30)، والطبراني في "المعجم الكبير"(9033).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(4/ 32)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(3/ 723).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 102)، وأبو داود (4597).
والكَلَب -بفتحتين-: داء يصيب الكلاب، وهو جنونها الذي يعتريها من أكل لحم الإنسان، وداء يعتري الإنسان من عضة الكلب الكَلَب يشبه جنون الكلاب.
وروى ابن مردويه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ادْخُلُوا عَلَيَّ، وَلا يَدْخُلْ عَلَيَّ إِلَاّ قُرَيْش".
فقال: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْش! أَنْتُمُ الوُلاةُ بَعْدِي لِهَذَا الدِّين؛ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنتم مُسْلِمُونَ، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] ، {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105] ، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البينة: 5] (1).
وروى اللالكائي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أمر الله تعالى المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم بما هلك به من كان قبلهم بالمِراء والخصومات (2).
وعن الحسن رضي الله تعالى عنه قال: أهل الأهواء بمنزلة اليهود والنصارى (3).
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (2/ 290).
(2)
رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(1/ 127)، وكذا الطبري في "التفسير"(5/ 330).
(3)
رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(1/ 131).
وروى الإمام أحمد في "الزهد"، واللالكائي عن خالد بن ثابت الربعي رحمه الله تعالى قال: بلغني أنه كان في بني إسرائيل رجل شاب قد قرأ الكتاب، وعلم علماً، وكان مغموزاً (1) فيهم، وأنه طلب بعلمه وقراءته الشرف والمال، وأنه ابتدع بدعاً فأدرك الشرف والمال في الدنيا، ولبث كذلك حتى بلغ سناً، وأنه بينما هو نائم ليلة على فراشه إذ تفكر في نفسه فقال: هؤلاء الناس لا يعلمون ما ابتدعت، أليس الله عز وجل قد علم ما ابتدعت، وقد اقترب الأجل، فلو أني تبت.
قال: فبلغ من اجتهاده في التوبة أن عمد فخرق ترقوته وجعل فيها سلسلة، ثم أوثقها آسية من أواسي المسجد -أي: سارية من سواريه- قال: لا أبرح مكاني هذا حتى ينزل الله تعالى فيَّ توبة، أو أموت موت الدنيا.
قال: وكان لا يستنكر الوحي في بني إسرائيل.
فأوحى الله في شأنه إلى نبي من أنبيائهم: إنك لو كنت أصبت ذنباً بيني وبينك لتبت عليك بالغاً ما بلغ، ولكن كيف بمن أضللت من عبادي فماتوا فأدخلتهم جهنم، فلا أتوب عليك.
قال عوف: حسبته قال: يقال: إن اسمه بَرسيا -بفتح الموحدة، وإسكان الراء، وكسر السين المهملة، وتشديد المثناة تحت- (2).
(1) في "اعتقاد أهل السنة": "مغموراً" بدل "مغموزاً".
(2)
رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 98)، واللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(1/ 131).