الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد تعلمنا ما فيها، وعلمنا بها نساءنا وذرارينا؟
قال: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه وقد علت وجهه حمرة من الغضب، فقال:"أَي ثَكِلَتْكُم أُمُّكُم! وَهَذه اليَهُودُ وَالنَّصَارَى بَيْنَ أَظْهُرِهِمُ الْمَصَاحِفُ لَمْ يُصْبِحُوا يَتَعَلَّقُونَ مِنهَا بِحَرْفٍ مَا جَاءَتْهُم بِهِ أَنْبِيَاؤُهُم، أَلا وَإِنَّ ذَهَابَ العِلْمِ ذَهَابُ حَمَلَتِه -ثلاث مرات-"(1).
33 - ومنها: تعلم العلم للدنيا، وأخذ العوض على العلم
، وإظهار الزهد والنسك مصاداً للدنيا، وحيلة على تحصيلها.
قال الله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 40] إلى قوله تعالى: {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة: 40 - 41].
قال أبو العالية رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: 41]: لا تأخذوا عليه أجراً.
قال: وهو مكتوب عندهم في الكتاب الأول: يا ابن آدم! علِّم
مجاناً كما عُلِّمت مجاناً (2).
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(5/ 266)، والطبراني في "المعجم الكبير" (7867). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 200): رواه أحمد والطبراني، وعند ابن ماجه طرف منه، وإسناد الطبراني أصح؛ لأن في إسناد أحمد: علي ابن يزيد، وهو ضعيف جداً، وهو عند الطبراني من طرق في بعضها الحجاج ابن أرطأة، وهو مدلس صدوق يكتب حديثه، وليس ممن يتعمد الكذب.
(2)
تقدم، لكن عزاه هناك لأبي نعيم فقط، ورواه الطبري في "التفسير"(1/ 253)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(1/ 97).
وفي رواية قال: لا تأخذوا على ما علَّمتم أجراً؛ فإنما أجر العلماء والحكماء على الله، وهم يجدونه عندهم.
يا ابن آدم! علم مجاناً كما علِّمت مجاناً (1).
رواه ابن جرير باللفظ الأول، وأبو الشيخ باللفظ الثاني.
ومن هنا كره أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وغيرُه أخذ الأجرة على تعليم القرآن.
وذهب مالك، والشافعي، وأحمد رضي الله تعالى عنهم إلى جوازه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الصحيحين:"إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُم عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ"(2)(3).
وأجيب عن احتجاج الأولين بالآية بأنها في بني إسرائيل.
أو المراد يأخذ الرشوة على الحكم، أو على كتم العلم ميلاً إلى الدنيا، أو عن المحتاج إليه ليبذل الدنيا.
وكل ذلك مما لا يشك في تحريمه، وعليه تحمل سائر النصوص الواردة في ذلك كما في قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ} إلى قوله تعالى: {وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا
(1) كذا عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 155) إلى أبي الشيخ.
(2)
رواه البخاري (5405) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(3)
انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (21/ 112)، و"شرح مسلم" للنووي (14/ 188).
فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187]
والاشتراء في هذه الآية والتي قبلها بمعنى الاستبدال؛ لأن الباء في الشراء إنما تدخل على المأخوذ الذي هو الثمن، اللهم إلا أن نقدر ذا ثمن قليل، فيكون الشراء على أصل استعماله.
وقال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى} [الأعراف: 169].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [التوبة: 34].
وسبق أن الأحبار العلماء والرهبان العباد، وإنما قدم الأحبار لأنهم قادة، فالرهبان يبنون على ما يبني عليه الأحبار.
قيل: كانوا يأخذون من أموال أتباعهم ضرائب وفروضاً باسم الكنائس والبيع، وغير ذلك ما يوهمونهم أن النفقة فيه لله تعالى، والأمر خلاف ذلك (1).
والمتشبهون بهم ممن ينسب إلى العلم والتصوف من هذه الأمة كثيرون.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: من فسد من علمائنا كان فيه شَبَهٌ من اليهود، ومن فسد من عُبَّادنا كان فيه شبه بالنصارى (2).
(1) انظر: "تفسير القرطبي"(8/ 122).
(2)
انظر: "الاستقامة" لابن تيمية (1/ 100).
وروى ابن جهضم رحمه الله تعالى عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: إنما هما عالمان: عالم دنيا، وعالم أُخْرَى؛ فعالم الدنيا علمه منشور، وعالم الآخرة علمه مستور؛ فاتبعوا عالم الآخرة واحذروا عالم الدنيا، لا يصدكم سكره.
ثم تلا: {إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34]، قال: والأحبار: العلماء، والرهبان: الزهَّاد (1).
وروى أبو الشيخ عن الضحاك في قوله: {إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ} [التوبة: 34]، قال: يعني: علماء اليهود، {وَالرُّهْبَانِ} [التوبة: 34]؛ يعني: علماء النصارى {لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [التوبة: 34]؛ قال: الباطل، كتبٌ كتبوها لم ينزلها الله تعالى، فأكلوا بها الناس (2).
وروى ابن أبي شيبة عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: كان في بني إسرائيل رجال أحداث الأسنان، مغمورون فيهم، قد قرأوا الكتاب، وعَلموا علماً، وإنهم طلبوا بقراءتهم الشرف والمال، وإنهم ابتدعوا بدعاً أخذوا بها الشرف والمال في الدنيا، فضلوا وأضلوا (3).
وروى الإمام عبد الله بن المبارك في "الزهد" عن عمران الكوفي
(1) ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 92).
(2)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (4/ 176).
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(35546).
رضي الله تعالى عنه قال: قال عيسى بن مريم عليهما السلام للحواريين: لا تأخذوا ممن تعلمون [من الأجر] إلا مثل الذي أعطيتموني.
ويا مِلْحَ الأرض لا تفسدوا؛ فإن كل شيء إذا فسد فإنما يداوى بالملح، وإن الملح إذا فسد فليس له دواء.
واعلموا أن فيكم خصلتين من الجهل: الضحك من غير عجب، والصبحة من غير سهر (1).
وقلت مشيراً إلى هاتين الخصلتين في علامة جهل العالم من وزن الأبيات المتقدمة، وقافيتها:[من السريع]
يا عَجَباً لِلْعالِمِ الْجاهِلِ
…
يَضْحَكُ لا عَنْ عَجَبٍ نازِلِ
يَنامُ فِي الصُّبْحَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ
…
يَسْهَرَ بِاللَّيْلِ عَلى طائِلِ
تَعُجُّ أَرْضُ اللهِ مِنْ عالِمٍ
…
يَنامُ بَعْدَ الصُّبْحِ يا سائِلِي
وأشرت بالبيت الأخير إلى ما ذكره الإمام محيي السنة أبو محمد البغوي في "شرح السنة"، ونقله عنه النووي في "الأذكار" عن علقمة ابن قيس رحمه الله تعالى قال: بلغنا أن الأرض تعج إلى الله تعالى من نومة العالم بعد صلاة الصبح (2).
(1) رواه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 96).
(2)
انظر: "شرح السنة" للبغوي (3/ 222)، و"الأذكار" للنووي (ص: 62). ورواه عبد الرزاق في "المصنف"(19876).