الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(7) بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِنَمْرُودَ وَقَوْمِهِ
(7)
بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِنَمْرُودَ وَقَوْمِهِ
وهو بضم النون، وداله مهملة كما في "القاموس"(1).
وهو كما رواه ابن أبي حاتم عن السدي رحمه الله تعالى: نمرود ابن كوش بن كنعان بن سام بن نوح عليه السلام.
وهو أول ملكٍ ملكَ في الأرض شرقها وغربها (2).
وهو أول من لبس التاج، وأول من دعا إلى عبادة نفسه قبحه الله تعالى.
وروى عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رحمه الله تعالى قال: كنا نحدَّث أن ملكاً يقال له: نمرود بن كنعان هو أول ملك تجبر في الأرض، وهو صاحب الصرح ببابل (3).
وروى ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} [البقرة: 258]؛ قال:
(1) انظر: "القا موس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 412)(مادة: نمرد).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(8/ 2776).
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(3/ 24).
نمرود بن كنعان، يزعمون أنه أول من ملك في الأرض (1).
وقوله: نمرود بن كنعان، نسبه إلى جده ليجمع بينه وبين ما سيق عن السدي، وهو أحد الملكين الكافرين اللذين ملكا الأرض.
قال مجاهد رحمه الله تعالى: ملك الأرض مشرقها ومغربها أربعة: مؤمنان وكافران؛ فالمؤمنان: سليمان بن داود عليهما السلام، وذو القرنين، والكافران: بخت نصر، ونمرود، لم يجمع ملكها غيرهم؛ أي: لم يملك جميعها غيرهم. رواه عبد بن حميد، وابن جرير (2).
قال القرطبي: وهو أول من صلب، وأول من قطع الأيدي والأرجل (3).
قيل: وكان له كهَّان ومنجِّمون، فقالوا له: يولد في بلدك هذا في هذه السنة غلام يغير دين أهل الأرض، ويكون هلاكك وزوال ملكك على يده.
وقيل: وجدوا ذلك في كتب الأنبياء عليهم السلام.
وقيل: رأى منامًا فعبر بذلك، فأمر بعزل النساء عن الرجال،
ووكل بكل رجل رجالاً، وإذا حاضت المرأة خلِّي بينها وبين بعلها،
(1) انظر: " الدر المنثور" للسيوطي (2/ 25).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(3/ 25).
(3)
انظر: "تفسير القرطبي"(3/ 284).
وكانوا لا يجامعون في الحيض، فإذا طهرت حيل بينهما، فرجع آزر والد إبراهيم إلى امرأته، فوجدها قد طهرت، فواقعها، فحملت بإبراهيم عليه السلام (1).
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لما حملت أم إبراهيم عليه السلام به قالت الكهان لنمرود: إن الغلام الذي أخبرناك به قد حملت أمه الليلة، فأمر بقتل الغلمان، فلما دنت ولادة أم إبراهيم وأخذها المخاض خرجت هاربة مخافة أن يظفروا به فيقتلوه، فلما وضعته لفَّته في خرقة، وتركته في نهر يابس في حلفاء، ثم رجعت فأخبرت به بعلها، فانطلق إليه أبوه وحفر له سرباً، فواراه فيه، وسد عليه بصخرة مخافة السباع، وكانت أمه تختلف إليه فترضعه، وكان يشب كل يوم كشهر، وكل شهر كسنة، فلما بلغ خمسة عشر شهراً قال لأمه: أخرجيني، فأخرجته عشاء، فنظر وتفكر في خلق السموات والأرض، وقال: إن الذي خلقني ورزقني، وأطعمني وسقاني لربي الذي لا إله غيره.
وقيل: مكث في السرب سبع سنين.
وقيل: ثلاث عشرة.
وقيل سبع عشرة.
ثم نظر في السماء فرأى كوكباً، فناظر أمه أو أباه في ألوهيته
(1) انظر: "تفسير الثعلبي"(4/ 162).
وألوهية القمر والشمس حتى أبطلها (1).
وقيل: كانت هذه المناظرة مع قومه حين برز للناس فوجدهم يعبدون الكواكب، وناظر أباه في عبادة الأصنام، وكان أبوه يصنع الأصنام ويعطيها لإبراهيم ليبيعها، فيذهب بها إبراهيم وينادي عليها: من يشتري ما يضره ولا ينفعه، فلا يشتريها أحد، فإذا باتت عنده ذهب بها إلى نهر فضرب رؤوسها، فقال: اشربي استهزاءً بأبيه وقومه، وما هم عليه من الضلالة والجهالة (2).
وبالغ في نصيحتهم باللطف تارة، وبالعنف أخرى، وآخرًا تبرأ منهم.
وكان من مناظرته لهم في عبادة الأصنام أن قال: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54)} [الأنبياء: 52 - 54]؛ أي: في خطأ بيِّن {قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)} [الأنبياء: 55 - 57].
قال مجاهد، وقتادة: إنما قال ذلك إبراهيم سراً من قومه، ولم يسمع ذلك منه إلا رجل واحد، فأفشاه عليه، وهو القائل: {قَالُوا
(1) انظر: "تفسير الثعلبي"(4/ 163)، و "تفسير البغوي"(2/ 109).
(2)
انظر: "تفسير الطبري"(7/ 249)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(8/ 2778).
سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60)} [الأنبياء: 60]. رواه عنهما ابن جرير، وابن المنذر، وغيرهما (1).
قال السدي رحمه الله تعالى: كان لهم في كل سنة عيد، وكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها، ثم عادوا إلى منازلهم، فلما كان العيد قال أبو إبراهيم له: يا إبراهيم! لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا، فخرج معهم إبراهيم عليه السلام، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه، وقال: إني سقيم؛ يقول: أشتكي رجلي. ذكره الثعلبي، وغيره (2).
وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ (89)} [الصافات: 89]: مطعون. رواه ابن جرير (3).
وقال سفيان رحمه الله تعالى: طعين.
قال: وكانوا يفرون من الطاعون. رواه ابن أبي حاتم (4).
فلما مضوا عنه نادى في آخرهم - وقد بقي ضعفاء الناس - فقال: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] إلى آخره، فسمعوه منه.
ثم رجع إلى بيت الأصنام فإذا قد جعلوا طعامًا فوضعوه بين يديها، وقالوا: إذا رجعنا وقد برَّكت الآلهة طعامنا أكلنا، فلما نظر
(1) رواه الطبري في "التفسير"(17/ 37).
(2)
انظر: "تفسير الثعلبي"(6/ 279)، ورواه الطبري في "التفسير"(17/ 38).
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(23/ 70).
(4)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3219).
إبراهيم عليه السلام إليهم وإلى مما بين أيديهم من الطعام قال لهم استهزاء: {أَلَا تَأْكُلُونَ (91)} [الصافات: 91]، فلما لم يجيبوه قال:{مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)} [الصافات: 92، 93]، وجعل يكسرها بفأس في يده حتى لم يبق إلا الصنم الكبير؛ علق الفأس في عنقه، ثم خرج كما قال الله تعالى:{فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} [الأنبياء: 58]؛ أي: حطامًا {إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58)} [الأنبياء: 58]، فلما رجعوا من عيدهم، ورأوا أصنامهم مكسرة {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا} [الأنبياء: 59 - 61]؛ كرهوا أن يأخذوه بغير بينة (1).
قال ابن إسحاق رحمه الله تعالى: لعلهم يحضرون عقابه نصرة لآلهتهم (2).
فلما جاؤوا به {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63)} [الأنبياء: 62، 63].
غضب على الأصنام، ولم يرض أن تعبد الصغار معه، فكسرهم وأراد إظهار الحجة عليهم كما قال: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا
(1) انظر: "تفسير الطبري "(17/ 38)، و"تفسير الثعلبي"(6/ 279).
(2)
انظر: "تفسير الطبري "(17/ 40).
عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68)} [الأنبياء: 65 - 68].
فلما اجتمعوا لحرق إبراهيم عليه السلام حبسوه في بيت، وبنوا له بنيانًا كالحظيرة، ثم جمعوا له الحطب شهراً، وأوقدوا على الباب أيامًا، فلما تأججت النار لم يقدروا على إلقائه فيها، فجاءهم الشيطان وعلَّمهم عمل المنجنيق فعملوه، ووضعوه، وألقوه في النار، فصارت عليه بردًا وسلاماً.
قال مقاتل: ولما أخرج نمرود إبراهيم ليحرقه بالنار قال له: يا إبراهيم! من ربك الذي تدعوننا إليه؟
قال: ربي الذي يحمى ويميت؛ أي: يوجد ويعدم.
قال: أنا أحيي وأميت .. إلى آخر المناظرة (1).
وقال غير مقاتل: كانت هذه المناظرة قبل ذلك.
قال بعضهم: كان نمرود يحتكر الطعام، وكانوا إذا احتاجوا إلى الطعام يشترونه منه، فإذا دخلوا عليه سجدوا له، فدخل إبراهيم عليه السلام ولم يسجد، فقال له: مالك لا تسجد؟
قال: أنا لا أسجد إلا لربي.
(1) انظر: "تفسير مقاتل"(1/ 138)، و"تفسير الثعلبي"(2/ 239).