الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي ذلك إشارة إلى أنَّ مَنْ انقاد إلى طاعة الله، واستسلم يسَّر الله له طاعته، وسهل الله طريقها إليه، ومن أنف من الطاعة، وأباها شددت عليه، ونال مقت الله تعالى.
ومن هنا أمرنا أن نقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5].
22 - ومنها: تذليل الناس، وفتنهم عن دينهم، وإرادة الكفر والفسق منهم
.
قال الله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77].
قال كثيرٌ: إنها في النصارى (1).
وروى ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد: أنَّها في اليهود (2).
وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 99].
روى ابن جرير عن الحسن أنه قال في الآية: هم اليهود والنصارى (3).
وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ
(1) انظر: "تفسير الطبري"(1/ 82).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(6/ 316)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(4/ 1181).
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(4/ 24).
الْحَقُّ} [البقرة: 109].
روى عبد الرزاق، وابن جرير عن الزهري، وقتادة قالا في قوله تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ} [البقرة: 109] قالا: كعب بن الأشرف (1).
وإنما أطلق عليه كثير وهو واحد؛ لأنه كان رأس أحبار يهود تهويلاً لفتنته، وإشارة إلى أن من كان رأساً من العلماء مضلاً كان قائماً في الفتنة والإضلال مقام جمع كثير.
ومن ثم قيل: إذا زل العالِم زل بزلته عالَمٌ كثير (2).
وما أحسن ما قيل: [من الطويل]
وَلَيْسَ كَثِيراً أَلْفُ خِلٍّ وَصاحِبٍ
…
وَإِنْ عَدُوًّا واحِداً لَكَثِيْرُ (3)
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه: أنَّ نفراً من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهم بعد وقعة أُحُد: لو كنتم على الحق ما هُزِمْتم، فارجعا إلى ديننا فنحن أهدى سبيلاً منكم.
(1) رواه عبد الرزاق في "التفسير"(1/ 55) عن الزهري، والطبري في "التفسير"(1/ 487) عن الزهري وقتادة.
(2)
رواه ابن المبارك في "الزهد"(1/ 520) عن عبيد الله بن أبي جعفر من كلام عيسى عليه السلام.
(3)
البيت للخليل بن أحمد، كما رواه عنه البيهقي في "شعب الإيمان"(6/ 503).
فقال لهم عمار: فكيف نقض العهد فيكم؟
فقالوا: شديد.
قال: إني عاهدت أن لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ما عشت.
فقالت اليهود: أما هذا فقد صبأ.
وقال حذيفة رضي الله تعالى عنه: أمَّا أنا فقد رضيت بالله رباً، وبمحمد نبياً، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن إماماً، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخواناً.
ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بذلك، فقال:"أَصَبْتُمَا الخَيْرَ".
فأنزل الله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البقرة: 109] الآية (1).
وقال تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عمران: 72].
روى ابن إسحاق، والمفسرون عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال عبد الله بن الصيف، وعدي بن زيد، والحارث بن عوف بعضهم لبعض: نؤمن بما أنزل على محمد وأصحابه غدواً، ونكفر به عشية حتى نُلبس عليهم دينهم لعلهم يصنعون كما نصنع، فيرجعون عن فى دينهم، فأنزل الله تعالى فيهم: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ
(1) وانظر: "تفسير الثعلبي"(1/ 257)، و"تفسير البغوي"(1/ 105)، و"العجاب في بيان الأسباب" لابن حجر (1/ 357).
{بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ} إلى قوله: {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 73 - 121](1).
وذكر الثعلبي وغيره عن مجاهد، وغيره: أن هذه الآية نزلت في شأن القبلة لما صرفت إلى الكعبة، فشق ذلك على اليهود لمخالفتهم، فقال كعب بن الأشرف لأصحابه:{آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ} [آل عمران: 72]، وصَلُّوا إلى الكعبة، واكفروا بذلك آخر النهار، فارجعوا إلى قبلتكم لعلهم يرجعون إلى قبلتنا، ويقولون: هؤلاء أهل كتاب وهم أعلم منا (2).
وروى عبد بن حميد، والمفسرون عن مجاهد أن يهود صلَّت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر، وكفروا آخر النهار مكراً منهم ليروا الناس منه الضلالة بعد أن كانوا تبعوه (3).
وروى ابن المنذر عن سفيان: أن الآية نزلت في نصارى نجران (4).
وعن قتادة: أنها في أهل الكتابين (5).
(1) رواه الطبري في "التفسير"(3/ 310).
(2)
انظر: "تفسير الثعلبي"(3/ 91).
(3)
ورواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(2/ 679).
(4)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (2/ 239).
(5)
وانظر: "أحكام القرآن" للجصاص (3/ 273).